الروائي المغربي محمد بوخار: الكتابة ليست مشروعا علميا توضع له الخطط والحسابات
في إسبيرانزا خرجت فرنسا " الشرسة " منهكة من الحرب العالمية الثانية لتلبس قناع القوة الناعمة
حاوره لموقع لوسات أنفو : عاطف الركيبة
بعد روايتيه “النيرية” و ” اسبيرانزا” أعلن الكاتب محمد بوخار عن نفسه صوتا روائيا، يتقن صنعة السرد و يتفنن في بناء الشخصيات و تعقيد المسارات، مستعملا جنس الرواية، لاستكشاف التشكيلات الأنثروبولوجية لمنطقة الرحامنة و رصيدها الثقافي، في تقاطع مع التدفقات الرمزية للتاريخ و أحداثه. و نكاد نزعم أن رواية ” النيرية” هي أول عمل روائي مغربي، يجعل من حلول حركة أحمد الهيبة ماء العينين بالرحامنة و اشتباكه الأول مع القوات الفرنسية هناك، موضوعا لاستكشافه السردي. في هذا الحوار، نغوص مع الكاتب محمد بوخار في تجربته الخاصة مع الكتابة، و اسئلة الرواية و التاريخ لديه.
أولا من هو محمد بوخار ؟
محمد بوخار ابن بوجمعة ابن علال الحوزي، وابن فاطمة بنت علي الطويل الصنهاجي من مواليد فاس 1952. أستاذ متقاعد
كانت النشأة الأولى في فاس إلى حدود ثماني سنوات، ثم الدار البيضاء لفترة قصيرة لم تتجاوز سنتين. وامتدت بعد ذلك النشأة الثانية والإقامة في ابن كرير من سنة 1961 إلى اليوم
كانت مرحلة الدراسة الابتدائية والإعدادية في ابن جرير، أما الثانوية فقد توزعت في مراكش بين سنة واحدة في ثانوية ابن البناء المراكشي، وسنتين في ثانوية محمد الخامس، ثم الحصول على البكالوريا سنة 1974 شعبة الآداب العصرية المزدوجة. بعدها كانت فترة للتكوين في المركز التربوي الجهوي شعبة اللغة العربية، في مراكش. وامتدت مهنة التدريس في السلك الإعدادي حتى الإحالة على التقاعدسنة2012 .
كيف تشكلت بداياتك الأدبية والفنية؟
كانت البدايات الأولى مع كتيبات الرسوم المصورة Les bandes dessinées. مثل سلسلة blek lerock, zambla… . وسيقترن عندي الرسم بالكتابة، عندما بدأت أنا وبعض الأصدقاء نحاول أن نرسم قصصا مصورة في الدفاتر ونكتب الحوارات التي تدور بين الشخصيات المتخيلة. وهكذا اقترنت عندي الكتابة بالرسم والتشكيل. ثم كانت قراءة الروايات: جرجي زيدان، المنفلوطي، جبران خليل جبران… كان لكل عقد من الزمان اهتمام خاص يفرضه المناخ العام، وهكذا كان الاهتمام في سنوات السبعينات بالأدب وبالسينما الفرنسيين، والانبهار بما كانت تمثله حركة الهيبيز من تمرد على القيم والمبادئ المعقدة والمتوارثة. وفي الثمانينات جذبتنا القضية الفلسطينية مع أطفال الحجارة، وأشعار محمود درويش، وأحمد مطر، ودحبور، ومعين بسيسو وغيرهم، ثم تحرك فينا ما كان الوطن يعيش فيه من قمع وتهميش، فأسسنا لذلك خزانة كنا نعتبرها سرية، للاطلاع على ما كان يكتب من أدب السجون، مع أحمد الصبار، عبد الله زريقة وغيرهما. بعدها كان للفكر حضور مع قراءة العروي والجابري، وجورج طرابيشي وغيرهم. وجاء دور التراث العربي الإسلامي خلال التسعينات… كانت البداية مع كتاب النزعات المادية في الفلسفة العربية الإسلامية لحسين مروة ثم امتدت إلى المصادر والمراجع. وفي السنوات الأخيرة ظهر اهتمام خاص بالكتابات الكولونيالية، وخصوصا أدب الرحالات الفرنسيات.
ماذا تعني لك كلمة “رواية”؟
هي ما يبقى في نفسي من أشياء لم أقلها أو لم أكتبها بعد… في بداية رواية إسبيرانزا ستجد هذه الإشارة: ” بعد أن تنتهي من كتابة شيء ما، لابد أن يبقى في نفسك شيء مما لم تكتبه. وفي رواية ” إسبيرانزا ” بقايا من رواية ” النيرية “.
نشرت روايتك الأولى بعنوان “النيرية” وهي تعكس جملة من مقالاتك التي كتبت فيها عن فن العيطة وعن الرحلات الاستكشافية الكولونيالية بالمغرب، فلماذا وقع اختيارك على هذا الباب من الجانب التاريخي؟
اتخذ الإنسان على مر العصور أنماطا من التأريخ بدءا من الشفوي إلى المنقوش ثم المطبوع فالرقمي. وفي كل مرحلة كانت السلطة حاضرة بأبعادها السياسية، الدينية أو غيرهما. في بلد كالمغرب كانت الكتابة التأريخية لا تخرج عن هذا طبعا. وبما أن كل مجتمع كانت له خصوصياته واحتياجاته في مرحلة ما، فإن المجتمع المغربي، وبالخصوص المجتمع البدوي، كانت السلطات الاستعمارية تراه منغلقا، فجندت أدواتها العلمية لتشريحه حتى تتمكن من ” معرفته ” تمهيدا لتنفيذ مخططاتها، ولذلك يمكن اعتبار كتابات هذه الفترة مصدرا أصيلا لفهم تاريخ هاته الفترة. رغم ارتباطها بالمشروع الاستعماري الذي يقدم نفسه كحضارة متحضرة، تسعى لجلب التمدن والرخاء لباقي الشعوب التي ترسف في التخلف والهمجية.
وسرعان ما أيقظ هذا المشروع الحس السياسي عند عامة الناس، ودفعتهم إلى توكيد هويتهم الوطنية، سواء من خلال المقاومة المسلحة، أو من خلال المقاومة الإبداعية. وما يهمنا هو هاته الأخيرة، التي أضحت الرد الفني الثقافي المناسب على العنف المادي للاستعمار الفرنسي، عبر ممارسة عنف رمزي يجد مادته الخصبة في تراث الشعب المقهور، فأنتجت غرضا جديدا من الغناء في فن العيطة، يمتح صوره وتعابيره من الرصيد الثقافي البدوي تحولت فيه المرأة من جسد يدعو للغواية، إلى نفير يجهر بالمأساة في سنوات القحط السياسي. وتحول الفارس والفرس من أثاث للفرجة في المواسم والأعياد إلى رمز للشهامة وللقوة وللأمجاد… ولذلك يمكن اعتبار فن العيطة هو الفروسية بذاتها، باعتبارها تقوم على عناصر المرأة، والفرس، والفارس. وتتأسس على قيم الشجاعة والمروءة، وفضائل الأصل والمحتد المغربي، وهي إنتاج للتاريخ الجماعي لقبائل ظلت ولازالت تشكل وطنا واحدا اسمه المغرب، هكذا وقع الاختيار على شخصية النيرية.
لماذا اخترت “اسبيرانزا” عنوانا لروايتك الثانية الصادرة عن دار الوطن للطباعة والنشر في العام 2023، وماذا تمثل اسبيرانزا؟
في إسبيرانزا خرجت فرنسا ” الشرسة ” منهكة من الحرب العالمية الثانية لتلبس قناع القوة الناعمة، ولتبحث في مقهى إسبيرانزا عما يمثل لها ” الأمل في إحياء ذكرى أبيها وأمها لكن ذلك كان يحتاج إلى شروط…
ما هي القضية الرئيسية للكاتب محمد بوخار؟ وإلى ماذا تطمح كتاباتك الأدبية مستقبلا؟
أعتبر أن كلمة ” قضية ” تحمل مفهوما اصطلاحيا متعدد الوجوه والأبعاد، حسب درجة الوعي والإدراك التي يمكن أن يراها بها الفيلسوف أو الفنان، وحتى الإنسان العادي عندما يقع في ورطة ويصيح: ” ولايني قضية هادي… ! ” وبهذا المعنى، يمكن القول بأنها كل وضعية إنسانية تحمل إشكالات قيمة فردية أو جماعية، وتحتاج إلى رؤية جديدة من أجل تجاوزها.
أظن أن ما تتسم به وضعية شخصيات كلتي الروايتين: النيرية وإسبيرانزا. لا يخرج عن هذا المعنى، سواء في ما يجمعها، أو في ما يفرق بينها، أو في الذي تطمح إليه.
كتابتي في بدايتها، وأطمح أن تكون لها قيمة إضافية في الإنتاج الإبداعي من حيث الشكل ومن حيث الموضوع.ليست هناك كتابة بريئة، كما لا يمكن التكهن بالوجهة التي ستسوقك إليها في المستقبل؛ الكتابة ليست مشروعا علميا توضع له الخطط والحسابات، إنها بكل بساطة، حالات من الوعي الإنساني يعبر عنها بألوان مختلفة من خيمياء الإبداع.وتبعا لهذا فالكاتب الفنان عندما يضع أدواته وينصرف، فإنه يكون قد خرج إلى عالم الناس، ويبقى عليهم حينذاك، أن يدخلوا إلى عالمه الخاص لينقبوا عن آياته.
ما هو جديدك؟
الجديد الذي سوف أنتهي منه قريبا إن شاء الله، هو الانتقال إلى العالم الرقمي في رواية أفكر أنها ستكون ” الأحلام التي علمتني كيف أطير “.
كلمة ختامية للقراء؟
أتمنى أن تهتم النخبة العالمة بما تنتجه الهوامش.