الرأي الواحد ليس حرية
أسرة لوسات أنفو
يعيش المغربي اليوم في زمن مستعار، قلما ناسبه. بل الأسوأ من ذلك سَجَنَه في قضايا مستعارة أيضا، وزيف أسئلته، و محاها بفيض من الأجوبة التي تحولت إلى غطرسة نرجسية مؤسسة في الوهم و الاحتيال على الذات.
تَعَمّق ذلك في أداء نسقي يجمع النخب السياسية التي أضحت مهمتها الجوهرية التي تتنافس في تنفيذها هي تزييف الخصومة السياسية، بالصحافة التي افتُقِدت نهائيا في واقع تعمه الانهيارات، لتتحول إلى نسق دعائي شامل للرأي الواحد الذي تحتكر جهة واحدة حق إنتاجه.
يُظهر المغرب اليوم خصوصية نادرة في كثير من المجالات، بل إن مزاعم الخصوصية المغربية تثبت الكثير من وجاهتها في هذه المجالات، ابتداء من تركز احتكار القرار و الرأي في يد واحدة، مرورا بأحزاب صارت تمثل الدولة أكثر مما تمثل المجتمع حارمة إياه من حقه الجوهري في التوازن إزاء الدولة، حتى صار النسق الحزبي أشبه بطلاء جعلته الرطوبة مفرطا في هشاشت،ه لجدار تنخره عوامل الخراب و الانهيار، وصولا إلى صحافة ليس لها من انتماء لهذه الممارسة الاجتماعية سوى الاسم، أضحت في مجمل أدائها جوقة من العازفين الذين يتنافسون في أداء نفس النوتة، هاجرة مهمتها الجوهرية التي تبرر وجودها وهي الرقابة الاجتماعية على كل من يؤثر في الشأن العام، و التعبير عن التيارات المتنوعة التي تغلي في المجتمع، و المقاومة من أجل الحرية و توسيعها.
تعيش الصحافة نفس أزمة السياسة. و هذا وضع منهك للصحة الاجتماعية لمغرب اليوم، و يعرض رهانات الإقلاع و التنمية لمخاطر الإفلاس. و يجعل الشك في المستقبل يغزو نفوس المواطنين، مُدخلا المجتمع في حالة من الاكتئاب العام، عامله الرئيسي الاعتقاد الذي تحول إلى قناعة بأنه ليس بالإمكان تغيير أي شيء. فبقدرما يُفضح الفساد يتقوى.. فكانت أسوأ النتائج ارتفاع الطلب الاجتماعي على الفساد، و تحوله إلى قدوة مُمَجَدة للنجاح. و هي علامة مرعبة للانهيار.
عندما ينسخ تنوع الرأي في تعددية مفرطة لرأي الواحد، يحرم المجتمع من حقه في تقييم السياسات ومن المشاركة الفعلية في التأثير فيها، و تزول فرص تنفس المجتمع لهواء الحرية الذي يشكل الشرط الحيوي لكل نمو صحي للديمقراطية التي تتحول جراء افتقاده إلى آلية للإذعان و الامتثال، و تكف عن أن تكون آلية سلمية للتغيير. و تصبح السياسة حلبة لتسابق أفراد يغزو نفوسهم عطش مرضي للمناصب و المكاسب المادية، محفزهم في ذلك شعورهم الغريب بأنهم في مأمن من أية رقابة. فيتحول الخطأ إلى نخوة جماعية.
لا يبدو أن جوقة المداحين و المرددين ستكون مفيدة في المستقبل القريب لا للدولة و لا للمجتمع. فقط هناك مسار واحد يفيد في ذلك: الأمن الديمقراطي الذي يتعزز بالحرية و التعددية غير المفتعلة، حيث يمكن للآراء مهما بلغت حدة اختلافها أن تتعايش و تجد سبل التعبير عنها، بعيدا عن أي استعمال سيكوباتي لفكرة الإجماع المتضخمة التي تجاوزت الثوابت، لتشمل اختيارات مؤقتة و أشخاص بمسؤوليات مؤقتة أيضا.
المغرب بقدر ما هو في حاجة لدورة سياسية جديدة أساسها نسق حزبي جديد يعوض النسق المتهالك الذي لم يعد يقنع أحدا عدا المنتفعين منه، في حاجة إلى دورة إعلامية جديدة بعدما بلغ الخرف بالاختيار المعمم منذ سنوات، القائم على التشهير و تفخيخ الوعي الجماعي بعوامل الابتذال و إغراقه في المحليات الصغيرة المُعمّدة تحت شعار مبدأ القرب المفترى عليه ، وصار عاجزا عن أداء حتى الوظائف غير المعلنة الموكولة إليه.
هذه الدورة الجديدة تقوم على إعلام يعي جيدا دوره كممارسة للحقيقة و كحقل موضعي لتفعيل الحرية و توسيعها و كمورد لتثقيف المجتمع و إنضاج أسئلته، و كمجال لتنوع الرأي. أي كصمام أمان يشيع الاطمئنان لسلامة المنظومة الديمقراطية حيث يمكن للمواطن أن يشعر بأنه حر، و أن بإمكانه أن يفكر بحرية و يعبر عما يفكر فيه بحرية أيضا… كل ذلك لأن الرأي الواحد ليس حرية.