لوسات أنفو : أجرت الحوار خديجة بنيس
في ظل أزمة الإحتقان التي يعيشها قطاع التعليم في المغرب، يشخص الخبير التربوي عبد الرزاق بن شريج في هذا الحوار الوضع و مآلاته الممكنة، في ظل التعقيدات التي عرفها تطور ما أضحى يسمى ب” أزمة النظام الأساسي”… و الاستاذ عبد الرزاق بن شريج خبير تروبوي، بتجربة مهمة و رصيد جيد خَبر فيه نطور مشكل التعليم بالمغرب، و عُرف بدقة تحليلاته ووضوح رؤيته.
س= ما تعليقكم حول الوضع الذي يعيشه واقع التعليم في المغرب؟
ج= ما وصلت إليه المنظومة التربوية بالمغرب تحصيل حاصل، الواقع الحالي منتوج قرارات سياسية، وخاصة في السياسة التعليمية والسياسة الاقتصادية بالمغرب التي وضعت منذ أزيد من 30 سنة خلت، فنتائج المشاريع الكبرى في التربية والتكوين تظهر بعد زمن لا يقل عن 10 سنوات (الزمن الذي يقضيه المتعلم في القطاع المدرسي)، ودون الرجوع لتاريخ إصلاحات التعليم بالمغرب منذ 1956، فالمجتمع المغربي بأغلب مكوناته السياسية والجمعوية والمؤسساتية وضع فلسفة مشروعه المجتمعي سنة 2000، وأخرج وثيقة هامة جدا وهي “الميثاق الوطني للتربية والتكوين” ولكن الحكومات لم تكن في المستوى المطلوب لتنزيل مقتضياتها على أرض الواقع، فلجأت الدولة للاقتراض من أجل تحقيق ما لم يحقق في الثمان سنوات من الميثاق الوطني (من 2000 إلى 2008 ببرنامج استعجالي ما بين 2009 و2012، فضاعت ميزانيته المقدرة ب 45 مليار درهم، دون تحقيق الأهداف المرسومة، وتم وضع الرؤية الاستراتيجية 2015/2030، والقانون الإطار 51/17 سنة 2018، وصدور العديد من مراسيم وقرارات تنزيل بنود القانون الإطار، وجاءت الحكومة بمهندس النموذج التنموي الجديد بنموسى لقيادة سفينة التربية والتكوين، فبدع بدعة جديدة أسماها “خارطة الطريق 2023/2026” وهي بمثابة برنامج استعجالي للرؤية الاستراتيجية، ليَفْعل بالمنظومة ما فعله بها البرنامج الاستعجالي 2009/2012، وهكذا نجد أن أزمة المنظومة لن تحل بالبرامج والمناهج الجيدة ولا بالميزانية الضخمة، بل تنقصها قرارات سياسية قوية وتغيير عقلية الحاكمين وتصورهم حول المثقف بصفة عامة، الأمر ينقصه مصالحة الحاكمين مع المدرسة واعتبار الجهل أخطر على الوطن والوطنية، وأكبر كلفة من العلم، لأن التعليم هو السبيل إلى التنمية الذاتية والمجتمعية.
س= ما رأيكم حول قرار الحكومة بتجميد النظام الأساسي؟
ج= لم تتخذ الحكومة أي قرار بالتجميد، المرسوم المتنازع حوله بين نساء ورجال التعليم مرسوم تنظيمي ينظم سير قطاع التعليم، وصادر في الجريدة الرسمية وبالتالي لا يمكن الحديث عن تجميد أو غيره إلا إذا صدر في الجريدة الرسمية، ومن جهة أخرى لا وجود لمصطلح تجميد في النصوص التنظيمية للقطاعات أو الوزارات المغربية، زد على ذلك أنه لا يمكن تجميد أو سحب مرسوم تنظيمي لأن ذلك سيتسبب في فراغ قانوني، وأعتبر ما تسرب عن التجميد مجرد كلام استهلاكي يهدف امتصاص غضب المحتجين، حقيقة قال رئيس الحكومة عزيز أخنوش إنه تقرر، خلال اللقاء الذي عقده، يوم الاثنين 27 نونبر 2023 بالرباط، مع ممثلي النقابات التعليمية المشاركة في الحوار “تجميد النظام الأساسي لموظفي التربية الوطنية، في أفق تعديله، وتضمينه تحسين دخل موظفي وموظفات القطاع”، بل أقر أنه “جرى التجاوب مع العديد من مطالب هذه النقابات، والتشديد على ضرورة استئناف الدراسة، لاسيما مع الدينامية الإيجابية الجديدة التي أفضى إليها الاجتماع”، وأضاف أن الحوار مع هذه النقابات “كان هاما وجد إيجابي وناقش جميع الإشكاليات المطروحة”، وهذا كلام للرأي العام الذي لا يعرف طرق ومنهجية التفاوض وأدواته، فالحوار يكون مع لجن تقنية وموضوعاتية، وليس مع الوزير أو رئيس الحكومة، وبالرجوع للموقع الرسمي لرئاسة الحكومة نجد الخبر كالآتي: عقد رئيس الحكومة السيد عزيز أخنوش، يومه الإثنين 30 أكتوبر الجاري وخلال الاجتماعات، تم الوقوف على الإرادة المشتركة للحكومة وشركائها الاجتماعيين في التنزيل الأمثل لمضامين محضر الاتفاق الموقع بتاريخ 14 يناير 2023، حيث سيتم في هذا الإطار عقد اجتماعات لاحقة، بتتبع من طرف رئيس الحكومة، من أجل العمل على تجويد النظام الأساسي تماشيا مع تطوير إصلاح القطاع، وهنا لا وجود لما صرح به أمام الصحافة، وهو تصريح يشبه تصريحاته خلال الحملة الانتخابية في استحقاقات 8 شتنبر 2021، وبالتالي كلام رئيس الحكومة لا يعتد به لأن دوره فقط إعطاء التوجيهات الكبرى، وتفاصيل التفاوض من اختصاص اللجن، ولا يخفى على أحد أن في التفاصيل يكمن الشيطان.
س= ماذا عن توقيف اقتطاعات الأجور للأساتذة المضربين؟
ج= مسألة توقيف الاقتطاع من أجور الأساتذة المضربين ممكنة، لأن العملية لا تحتاج إلى تعديل مراسيم أو قوانين تنظيمية، هي مسألة كتابة رسالة من الآمر بالصرف الذي هو وزير التربية الوطنية إلى الخازن العام لإيقاف الاقتطاع، و في حال تم الاقتطاع قبل توصل الخازن العام برسالة الآمر بالصرف تتم إضافة المبالغ المقتطعة إلى “حوالة” الموظف أو تسلم على شكل تعويضات، لكن هذا كله يكون آخر عملية، أي بعد التوصل لاتفاق بين الأساتذة (وأقول الأساتذة، أي التنسيقيات) والحكومة، لذلك قال رئيس الحكومة أنه” لن يتم الاقتطاع من الأجور الشهور المقبلة، وأنه ستجري مناقشة الأمر مع اللجنة الوزارية المكلفة بهذا الملف”.
هل تعتقدون أن هذه الحلول التي اقترحتها الحكومة ستجعل الشغيلة التعليمية تعود إلى حجرات الدرس؟
ج= في ظل الوضع القائم حيث النقابات لا تمثل أحدا، وحتى منخرطات ومنخرطي النقابات المحاورة انخرطوا في التنسيقيات، ورغم أن الحكومة تلمح للحوار مع التنسيقيات رغم عدم توفرها على الشرعية القانونية، فأعتقد أن الأزمة تعمقت وتشعبت، ومنسوب الثقة بين الأساتذة من جهة والنقابات والحكومة من جهة أخرى انعدم، مما يتطلب البحث عن مخرج آخر للمنهجية المتبعة، والحل في نظري هو “تغيير حكومي” في أفق تغيير قانون الحريات العامة وخاصة قانون تأسيس الجمعيات.