الحكومة الاجتماعية والمدرسة المسرطنة
عن الآلاف من حجرات الدرس القاتلة التي عجزت الحكومات المتعاقبة عن القضاء عليها
ذ.عبد الرزاق بنشريج/ خبير تربوي
في إطار الاهتمام بالمنظومة التربوية وتتبع مستجداتها، راجعت صباح اليوم 31 دجنبر 2023 وثيقة صادرة عن وزارة الاقتصاد والمالية المغربية تحت عنوان “ميزانية المواطن لقانون المالية لسنة 2024” فأتار انتباهي ما جاء به العنوان الفرعي “مواصلة إرساء أسس الدولة الاجتماعية” وخاصة {… مواصلة تنفيذ البرنامج الوطني لتأهيل المؤسسات التعليمية، مع تخويل تمييز إيجابي للوسط القروي والمناطق ذات الخصاص، وكذا الحد من الفرعيات المدرسية والقضاء على البناء المفكك}، فتذكرت مقالتي حول موضوع الحجرات المسرطنة التي نشرتها بإحدى الجرائد الورقية الوطنية، أورد مضمونها هنا لكل غاية مفيدة؛
أصدرت الهيئة الوطنية لتقييم المنظومة التربوية التابعة للمجلس الأعلى للتربية والتكوين في نهاية شهر نونبر 2012، تقريرا معنونا بدراسة مقارنة للمدارس الجماعاتية والمدارس الفرعية، تطرقت فيه لاختلالات الفرعيات وأضرار البناء المفكك “… ويشــكل هــذا البنــاء والأسبستوس الرخيـص والقابـل للتركيب بسـهولة، خطـرا مؤكّـدا عـلى صحـة التلامذة والأساتذة عندمـا تتحلـل أليـاف مـواده، وتنتـر في الهـواء المحيـط” ويقصد بها حجرات البناء المسمى “المفكك” الذي يعود تاريخ بنائها إلى تسعينات القرن الماضي، وحدد لها عمر افتراضي لا يتجاوز عشر سنوات، وحسب الدراسات تبين أن هذا النوع من البناء المفكك والذي لجأت له الدولة المغربية في تشييد العديد من مؤسساتها “لأسـباب اقتصاديـة وإكراهـات آجـال الإنجاز، لا يفــي بمعايــير الســلامة”، خاصة عندمـا تتدهـور مـادة مـن المواد(بسـبب التـآكل أو تـسرب الميـاه …)، وعلــى الرغــم مــن أن وزارة التربية الوطنيــة قــد توقفــت عــن اللجــوء إلى البنايــات الجاهــزة منــذ عــام 1997 لتجنــب الأخطار المذكــورة، فــإن الأسبستوس لا يــزال موجــودا في المدارس الفرعيـة القديمـة، ومـا يـزال احتـمال الخطـر قائما في تلــك البنايــات المتقادمة والمتردية.
هذه الحجرات التي تتسبب في مرض المتعلمين والمعلمين والإداريين على حد سواء، لا يجب أن يوضع لها برنامج لسنوات، بل القضاء عليها حالا، خاصة أن منظمة الصحة العالمية صنفت مادة الأميانت (الأسبستوس) ضمن المواد التي تتسبب في سرطان الرئة والجهاز الهضمي،
لقد اعترف رشيد بلمختار، وزير التربية الوطنية يوم الاثنين 23 مارس 2015، في اجتماع رسمي مع النقاباتبأن تهديدا خطيرا يهدد صحة التلاميذ، بسبب 6000 حجرة دراسية بنيت بمواد سامةولازالت تستعمل إلى الآن، ورغم أن الوزير كان يظن أن اعترافه لن يسرب إلا أن مسؤولا نقابيا، حضر الاجتماع، نقل لجريدة ورقية وطنية يوم الخميس 26 مارس 2015 بأن رشيد بلمختار كان يريد إخبار النقابات بأنه ناشد وزارة الداخلية وجهات أخرى للتدخل لحماية التلاميذ والأساتذة والتخلص منها.
إن عملية حسابية تؤكد أن الوزارة أخلفت وعدها ولم تقض على الحجرات المسرطنة إلى يومنا هذا رغم مرور عشر سنوات
لكن بعد انتشار الخبر ووصوله لقنوات تلفزية دولية، أصدرت وزارة التربية الوطنية بلاغا بتاريخ 27 مارس 2015 وضّحت من خلاله أنها توقفت عن بناء المفكك منذ 1997، ورغم اعترافها أن حجرات البناء المفكك تحتوي على الحرير الصخري (l’amiante)، إلا إنها اعتبرت هذه المادة “لا تشكل خطرا على سلامة الأشخاص إلا إذا كانت البنايات جد متدهورة أو عند تعرضها إلى عملية حفر أو قطع أو أي عملية أخرى قد تؤدي إلى إفراز جسيمات منها” وجاء في نفس البلاغ” أن الوزارة قامت بوضع برنامج وطني لتعويض البناء المفكك والقضاء عليه منذ 2014 مع إعطاء الأولوية للحجرات المتقادمة، خصص له مبلغ اعتماد مالي سنوي يقدر ب 200 مليون درهم، ولكي تنسجم مع وعدها الذي لن يتحقق كسابقه من الوعود، أشار البلاغ بأنها “ستعمل على تغييرها بالصلب وأنها ستعرض المؤسسات على مختبر متخصص ليصنف لها الحجرات التي أصبحت تشكل خطرا على التلاميذ والأساتذة”، ومما يثير الاستغراب هو أن الوزير رشيد بلمختار -حسب ما تسرب آنذاك- اشتكى من عدم تعاون باقي القطاعات وخاصة وزارة الداخلية لحل أزمة الحجرات المسرطنة، إلا أن الوزارة ختمت البلاغ بأنه “لتسريع وتيرة هذا الورش الإصلاحي المهم، فإن الوزارة تعمل حاليا بشراكة مع كل من وزارة الداخلية ووزارة الاقتصاد والمالية ووزارة الفلاحة والصيد البحري، على دراسة سبل توفير اعتمادات إضافية لتعويض كافة الحجرات الدراسية المشيدة بالبناء المفكك”.
إن عملية حسابية تؤكد أن الوزارة أخلفت وعدها ولم تقض على الحجرات المسرطنة إلى يومنا هذا رغم مرور عشر سنوات، علما أن ثمن الحجرة يختلف من منطقة إلى أخرى، لكن بمعدل 100 ألف درهم، إن عملية حسابية للمبلغ الوارد في بلاغ الوزارة، أي 200 مليون درهم من 2014 إلى 2024 (10 سنوات) يساوي 2000 مليون درهم من أجل 6000 حجرة، وهذا ما يثير العديد من التساؤلات، كما أن الحديث عن مثل هذه الحجرات التي تتسبب في مرض المتعلمين والمعلمين والإداريين على حد سواء، لا يجب أن يوضع لها برنامج لسنوات، بل القضاء عليها حالا، خاصة أن منظمة الصحة العالمية صنفت مادة الأميانت (الأسبستوس) ضمن المواد التي تتسبب في سرطان الرئة والجهاز الهضمي.
وانتهت سنة 2023 ولازالت الحكومة الاجتماعية تخصص في ميزانية 2024 مبالغ مالية للقضاء على السرطان، لكن بكل أسف انتهى عهد بلمختار وكل من جاء بعده من وزراء،وانتهى عهدأمزازي واستمرت معاناة أبناء الشعب مع المفكك المسرطن في الزمان والمكان.
على سبيل الختم
إن كان هذا مضمون مقالتي السابقة المنشورة منذ سنتين (31-12-2021)، وأن الحكومات المتعاقبة لم تتمكن من القضاء على 6000 حجرة مسرطنة لأكثر من 10 سنوات، وهي تعلم أن التحاليل المخبرية تؤكد أن العمر الافتراضي للحجرة لا يتجاوز 10 سنوات، وأن عمر آخر حجرة بنيت تجاوز 20 سنة، مما يضاعف من إصابة روادها بالسرطان، لكن الخطورة تكمن في تناقض وزراء التربية الوطنية حول تصريحاتهم بالأرقام المخصصة لهذ الآفة الخطير، فقد صرح الوزير السابق سعيد أمزازي، يوم الثلاثاء 19 يناير 2021، خلال تقديمه عرضا أمام أعضاء لجنة التعليم والثقافة والاتصال بمجلس النواب، أن تعويض حجرة واحدة للبناء المفكك يكلف 150 ألف درهم، وإنه سيتم القضاء على البناء المفكك بالمدارس في نهاية2023، وتخصص له ميزانية كل سنة تصل إلى 700 مليون درهم، مضيفا أن هذه الوتيرة ستمكن من القضاء على البناء المفكك في نهاية 2023، وانتهت سنة 2023 ولازالت الحكومة الاجتماعية تخصص في ميزانية 2024 مبالغ مالية للقضاء على السرطان، لكن بكل أسف انتهى عهد بلمختار وكل من جاء بعده من وزراء،وانتهى عهدأمزازي واستمرت معاناة أبناء الشعب مع المفككالمسرطن في الزمان والمكان.