روبورتاج

التبزيرة الدمناتية: علامة ثقافية مسجلة لدمنات

لوسات أنفو: خديجة بنيس

“كليت العصا على ود هاذ الحرفة” هكذا كان جواب ” السيد الحمري ” ، عندما  سألته عن سر تميزه في تحضير التبزيرة الدمناتية. فما إن تسأل أحد الساكنة عن هذه الخلطة من البهارات  و القهوة المعطرة التي تنفرد بها مدينة دمنات عن غيرها،  حتى يدلونك مباشرة على زنقة العطارة وبالضبط حانوت ” الحمري”،  الذي يعد أقدم العطارة في دمنات، ورث سر الحرفة  عن أجداده.

“فحتى لو استعمل أي “عطار” في المغرب نفس المكونات “القوام”ونفس الطريقة، تأكد أنك لن تحصل على قوام التبزيرة الدمناتية الذي تمنح مذاقا ساحرا للأطباق التقليدية” ، يقول السيد الحمري، ويضيف معتزا بنفسه أن التبزيرة التي يحضرها سافرتْ وزارتْ أماكن لم ولن تطأها قدمه هو، لما لها من صدى طيب لدى الناس سواء داخل المدينة وخارجها وحتى خارج الوطن.

 يعود بنا السيد الحمري إلى طفولته وهو الآن شيخ طاعن في السن: يحكي ” من المسيد إلى الحانوت، فقد كان أبي حريصا على أن أتقفى خطاه في تعطارت، وكنت كلما أخطأت في” العبار”(القياس) أتلقى الضرب لكي لا أعيد الكرة مرة أخرى، اعتمد أبي هذا الأسلوب لكي تترسخ الوصفة في ذهني، وأعترف أنه نجح في ذلك، كان دائما يوصيني على أن أحافظ على هذه الحرفة، و على حمل مشعل التميز فيها..”

  أصول الحمري تنحدر من الشاوية، لكن أجداده تشبعوا بروح هذه المدينة، فكانت لهم بصمتهم الخاصة في تعطارت.  يمكن القول إنه أول من حضر التبزيرة الدمناتية، التي كان يسميها “الحمرية ” آنذاك. يقول إنه كان لأبيه منافس واحد يعترف له ببراعته وحنكته في تحضير التبزيرة الدمناتية؛ رجل من الطائفة اليهودية المستقرة في المدينة في ذلك الوقت، وكان هذا الأخير الوحيد من طائفته الذي يتقن تحضير التبزيرة “على حقها وطريقها” حسب قوله.

مكون هوياتي

يتساءل المرء عن الوصفة السرية للتبزيرة الدمناتية، فالعطارة في دمنات لايخفون مكوناتها: “الكوزة الصحراوية، النويورة، كوزةالطيب، المغيزلات، القرفة، اسكنجبير، البسيبيسة، الإبزار الأبيض، قعقلا.” كلها مكونات مستوردة بالأساس من الهند والبرازيل، تختلف أثمنة هذه المكونات، لكنها غالية  بالمقارنة مع العطرية العادية، لايخفى على أحد  أن هذه المكونات هي أساس التبزيرة الدمناتية، لكن لماذا تفشل كل محاولات العديد من العطارة في المدن الأخرى في تحضير و استخلاص قوام التبزيرة الدمناتية؟

تقول لالة حكيمة إحدى مرتادات حانوت ” السي مصطفى” عطار في زنقة التجار، إنها حاولت أن تساعد أحد العطارة القريب لمقر سكنها في مدينة بني ملال في تحضير التبزيرة الدمناتية، لكي لا تضطر دائما أن تأخذها معها في كل مرة زارت فيها مدينة دمنات، خاصة وأن زياراتها أصبحت قليلة في الآونة الأخيرة، لأنها تعتبرالتبزيرة مكون أساسي في مطبخها،  تقول ” ولفتها مايحلاش ليا الطاجين بلا بها”  لهذا السبب طلبت من ” السي مصطفى” أن يعطيها القوام اللازم للتبزيرة، لكن النتيجة لم تكن مرضية ”  ديت ليه نفس القوام  للعطار اللي حدايا فبني ملال ولكن ماخرجاتش ليا التبزيرة الدمناتية …في الحقيقة كانت باسلة”.

 يجيب العطار مصطفى أن السر لا يكمن في المكونات وحدها بل الأمر يتجاوزها، السر إرث ثقافي يميز دمنات عن غيرها، هو تقليد متوارث عبر أجيال من العطارة منذ زمن بعيد، أخذناه عن أبائنا كأمانة في أعناقنا، وسنعمل على إيصاله لأبنائنا، علنا نساهم ولو قليلا في الحفاظ على أصالة هذه المدينة العتيقة.

التبزيرة الدمناتية مكون أساسي في مطبخ سكان المدينة، هي هوية الطاجين الدمناتي، الذي يبرع “الدمانتة”، في تحضيره خاصة ” طاجين القن”(الأرنب). لكن يمكن اعتبارها أكثر من ذلك، فهي مؤنسة المغترب في غربته. فرائحتها الساحرة، تأخذك وتسافر بك إلى عوالم من ذكرياتك الجميلة مع الأحباب، تجدها مركونة في أمتعة المسافر أينما كانت وجهته، فما إن يكون لديك صديق ابن مدينة دمنات أو نواحيها، فانتظر أن تأتيك التبزيرة الدمناتية كهدية، عربون محبة ونوع من الترحيب بك لتكون من أحبابه الأعزاء، ولكن تأكد أنه في المرة الثانية بعد نفاذ الكمية التي أتى بها لك،  أنك أنت  من سيطلبها منه.

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى