الباحث في السياسة التعليمية سعيد أخيطوش : اعتماد حرف تيفيناغ جعل المدرسة المغربية بعيدة عما يمكن أن تنتجه الجامعة المغربية
حاوره: عبد الرزاق بنشريج
مَرَّ أزيد من 24 سنة على خطاب أجدير يوم 17 أكتوبر 2001 م وعلى صدور الظهير الملكي 1.01.299 المحدث للمعهد الملكي للثقافة الأمازيغية وتحديد أدواره خصوصا في جانب تهيئ اللغة والمساهمة في إنتاج الوثائق اللازمة لتدريسها، ولم يتحقق – حسب تصريح وزير التربية الوطنية يوم الإثنين 13 يناير 2025 –فيما يخص تغطية المدارس الابتدائية بتدريس الأمازيغية فلم تحقق سوىبنسبة تقارب 40%،مما يدل على أن هناك عراقيل ساهمت في تأخير تعميمها.
الأستاذ سعيد أخيطوش المفتش التربوي، والباحث في ديداتيك اللغة الامازيغية، والمشارك في التأليف المدرسي الامازيغي، والقيادي الوطني في نقابة مفتشي التعليم يوضح للقراء أهم المراحل والأشواط التي قطعها تدريس اللغة الأمازيغية بالمدرسة الابتدائية المغربية والعراقيل المساهمة في عدم تعميمها رغم وعود الحكومات المتعاقبة.
الجزء الأول من الحوار
كرس دستور 2011 الأمازيغية لغة رسمية، وتم جعل يوم 14 يناير عيدا رسميا بالمغرب واعتباره اليوم الأول من السنة الأمازيغية، فما هي الرمزية السياسية والتربوية والاجتماعية لهذه الإجراءات؟
ج= ترسيم اللغة الأمازيغية في المغرب، إبان المراجعة الدستورية الأخيرة لسنة 2011، يعكس اعترافًا وطنيًا بأهمية اللغة والثقافة الأمازيغيين كجزء لا يتجزأ من الهوية الوطنية. حيث يعتبر هذا القرار خطوة مهمة نحو تعزيز التنوع الثقافي واللغوي في البلاد، واحتراما لحقوق الأمازيغ في الحفاظ على لغتهم وتراثهم.
ترسيم اللغة الأمازيغية في المغرب، دلالة على إشاعة ثقافة حقوق الإنسان، وتعزيز توازن القوى السياسية، ودخولها إلى المدرسة المغربية مكن من تعزيز التفاهم والاحترام المتبادل
بالإضافة إلى ذلك، فقرار الترسيم عزز من الانتماء والاندماج الاجتماعيين لجميع مكونات المجتمع المغربي وانصهارها ضمن وحدة ذات روافد متعددة وذات إرث تاريخي متنوع المصادر. كما أن ترسيم اللغة الأمازيغية يحمل دلالات سياسية عميقة يمكن إجمالها في:
- الاعتراف بالهوية الثقافية الأمازيغية باعتبارها جزء من الهوية الوطنية المغربية الموحدة، وملكا لكل المواطنين المغاربة دون تمييز بين الناطقين باللغة الأمازيغية وغير الناطقين بها.
- تعزيز مفهوم التعددية والانفتاح على مختلف المكونات الثقافية داخل المجتمع المغربي.
- إشاعة ثقافة حقوق الإنسان، حيث يمثل هذا القرار خطوة مهمة نحو ضمان حقوق الإنسان للأمازيغ، من خلال تعزيز حقهم في التعبير بلغتهم عن ثقافتهم.
- تعزيز الاستقرار الاجتماعي والسياسي من خلال إظهار احترام الدولة لجميع مكوناتها الثقافية.
- تعزيز توازن القوى السياسية والاعتراف بمطالب الحركات الأمازيغية.
أما من الناحية التربوية فقد شكل إدماج اللغة الأمازيغية في المواد المدرسة بالمدرسة العمومية المغربية تعزيزا للهوية الثقافية الأمازيغية من خلال توفير الفرصة للمتعلمين الأمازيغ للتعرف على لغتهم وثقافتهم، مما يعزز انتماءهم الهوياتي وتنمية مهاراتهم اللغوية ناهيك عن كون التعلم بلغتين أو أكثر يمكن أن يعزز المهارات اللغوية والعقلية للمتعلمين بصفة عامة،ويعكس ذلك التعددية اللغوية في المناهج الدراسية والتزام النظام التعليمي بالاحترام والتقدير لكافة الثقافات واللغات الموجودة في البلاد. كما أن دخول الأمازيغية إلى المدرسة المغربية مكن من تعزيز التفاهم والاحترام المتبادل من خلال الفهم المتبادل والتسامح بين مختلف المجموعات الثقافية في المغربوساهم بشكل كبير في البحث والتطوير في الدراسات اللغوية والثقافية ببلادنا.
مَرَّ على قرار تدريس اللغة الأمازيغية بالمدرسة المغربية أزيد من 22 سنة،وحسب تصرح وزير التربية الوطنية محمد برادة يوم الإثنين 13 يناير 2025 خلال جلسة الأسئلة الشفوية الأسبوعية بمجلس النواب، لم تُمَكِّنالدولةسوى 650,939 تلميذًا وتلميذة من تلقي دروس في اللغة لأمازيغية، فما هي أهم أسباب هذا التعثر؟
ج= من المعلوم أن تدريس اللغة الأمازيغية بالمدرسة المغربية قد تدرج عبر المراحل الثلاث الأساسية، والتي اختلفت فيها النقاشات والتدخلات وكمهتمين وباحثين في السياسة التربوية بالمغرب، وباعتبار ظروف ومعيقات انبعاث اللغة من جديد نجد أنفسنا في مأزق ثنائية الممكن والمستحيل في بلوغ هدف تعميم تدريس اللغة الأمازيغية بالمغرب، خصوصا ما تعلق بالعشرين سنة الأولى أو ما طبع المرحلتين الأولى والثانية والذي يوحي باستحالة الأمر نظرا لعدم كفاية الإجراءات المتخذة وغياب الرغبة الحقيقة لتنزيل تدريس اللغة الأمازيغية بالمدرسة المغربية.
|
وهو عكس ما قد يصل له نفس المهتم والباحث بالنظر لما تعرفه المرحلة الثالثة من تدابير وإجراءات، ليبقى العائق الحقيقي الحالي لبلوغ التعميم المأمول للغة الأمازيغية في كل أقسام المدرسة المغربية هو نظرة الأشخاص وخصوصا من يوكل لهم تدبير الأمر داخل الإدارات والمؤسسات التعليمية. فتسجيل تعيين المدرسين المتخصصين في مناطق يصعب فيها تطبيق التخصص لازال مستمرا وعدم تتبع مآل المدرسين المزدوجين المستفيدين من التكوين أيضا أمر واقع يجب الالتفات إليه كما أن التحسيس المنصوص عليه بخصوص آباء وأولياء متعلمي التعليم الخصوصي يجب توجيهه للمستثمرين في القطاع وجعله ضمن الشروط الأساسية للحصول على التراخيص اللازمة للاشتغال. هذا كله دون إغفال التأثير السلبي الكبير للخلط الحاصل لدى المهتمين والمدرسين خصوصا بين الدفاع عن تدريس اللغة الأمازيغية باعتبارها مادة دراسية تستحق النهوض بها إسوة بباقي المواد والنضال السياسي والثقافي الأمازيغيين خصوصا إذا استحضرنا التزايد الواضح للمدرسين الموكول لهم تدريس المادة واللغة الأمازيغية. ومن أهم المسائل التي تجعل الشك يدب في النفوس أيضا بخصوص التعميم المأمول هو غياب أي دور للجامعة المغربية للمساهمة في تكوين متخرجين قادرين على ولوج المدرسة المغربية لتدريس اللغة الأمازيغية، فجل الطلبة لا يزاولون دراساتهم الجامعية بحرف تيفيناغ في كل المواد والمجزوءات التكوينية الخاصة بالجامعة بل يتم اعتماد الفرنسية والحرف اللاثيني وهو ما يفسر ولوج مهنة تدريس الأمازيغية من قبل أصحاب التخصصات الأخرى وعدم تمكن حاملي الإجازة في الدراسات الأمازيغية من ذلك وهو ما يفسر أيضا تنظيم المباراة الخاصة بهذه الفئة مرتين كل سنة لبلوغ العدد المطلوب.
بصفتك مهتما بديداكتيك اللغة الأمازيغية، وعطفا على جوابك السابق ألا ترى أن اعتماد حرف تيفيناغ تسبب في صعوبة تداولها وانتشارها؟
ج= اعتماد حرف تيفيناغ جعل المدرسة المغربية بعيدة جدا عما يمكن أن تتيحه الجامعات المغربية التي تحتوي على شعب في الدراسات الأمازيغية من بحث وتطوير للهيكلة اللغوية الأمازيغية ببلادنا. فجل المدرسين والمدرسات الناجحين في مباراة أطر التدريس في تخصص الأمازيغية نجدهم من تخصصات أخرى نظرا لكون أهل التخصص في الدراسات الأمازيغية يدرسون بالحرف اللاثيني. ليبقى المطلب الأساسي في هذا الباب هو التوحيد أولا سواء باعتماد تيفيناغ في المدرسة والجامعة رغم صعوبة تعرض المتعلم في سلك الابتدائي لعدة أنماط لغوية وخصوصا عدة تمثيلات حرفية يختلف كل منها عن الأخر، أو اعتماد تمثيل حرفي أخر.
|
ومن أهم الأمور التي لا يمكن تجاهلها هو ضرورة تطوير اللغة وتهيئتها من قبل المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية الذي يتحمل هذه المهمة بموجب الظهير المحدث لهذه المؤسسة، حيث أن أي تأخر في تهيئة اللغة وجعلها أكثر تقعيدا وشفافية ينعكس سلبا على تعليم نفس هذه اللغة وبالتالي يصبح المبتغى الكامن في تعميم استعمالها بالحرف المعتمد حاليا شبه مستحيل خصوصا عند استحضار الغنى اللغوي الذي تعرفه الأمازيغية من حيث المرادفات والمصطلحات وعدد فروعها واختلاف نطق كلماتها بين مختلف مناطق المغرب.
ترقبوا الجزء الثاني من الحوار