
أجرى الحوار: عبد الرزاق بن شريج
تتصاعد أثمنة المواد الغذائية والاستهلاكية بالمغرب منذ سنوات، وحققت أرقاما قياسية مع مجيء الحكومة الحالية حكومة الكفاءات الساعية حسب تصريح رئيسها إلى جعل “مشروع الدولة الاجتماعية قرارات فعلية وإجراءات ملموسة”، وهو ما يدعو إلى البحث في العلاقة بين الغلاء الفاحش الذي عم المغرب، ومخطط المغرب الأخضر، والجفاف وكوفيد 19، والحرب الروسية الأكرانية، وارتفاع أسعار البترول العالمي، والجيل الأخضر … إلخ
جريدة le7info فتحت هذا الملف في حوار مع الباحث في الاقتصاد، رئيس المنتدى الاقتصادي والاجتماعي والبيئي الأستاذ مصطفى عبقري
الجزء الأول
س= تتحدث وسائل الإعلام الرسمية عن موضوع المخطط الأخضر، وما حققه لاقتصاد المغرب، لتقرب القراء من المقصود ب “المخطط الأخضر”؟
مخطط المغرب الأخضر عرف نفسه من خلال الوثائق الرسمية وهو يُعد استراتيجية وطنية طموحة ظاهريا أعطيت انطلاقتها في أبريل 2008، تهدف إلى جعل القطاع الفلاحي محركًا أساسيًا للتنمية الاجتماعية والاقتصادية في المغرب. تسعى هذه الاستراتيجية إلى الاستغلال الأمثل للإمكانات الفلاحية للمغرب، ومضاعفة الناتج الداخلي الخام الفلاحي، وخلق 1.5 مليون فرصة عمل إضافية، ومكافحة الفقر وتحسين الدخل الفلاحي، بالإضافة إلى زيادة قيمة الصادرات. ويرتكز المخطط على سبعة أسس رئيسة، أولها اعتبار الفلاحة رافعة للتنمية، وثانيها إقرار “التجميع” كآلية تنظيمية مبتكرة لتقاسم الأرباح وتحسين الجودة، وثالثها اعتماد الفلاحة للجميع عبر دعم الفلاحة العصرية والتضامنية، ورابعها جذب الاستثمار الخاص عبر تقديم “عرض المغرب” المدعم، وخامسها اعتماد المقاربة التشاركية والتعاقدية لإنجاز المشاريع، وسادسها إعادة هيكلة الإطار القطاعي في جوانب العقار، المياه، الجباية، التسويق، والمواكبة، وسابعها الحفاظ على الموارد الطبيعية من أجل فلاحة مستدامة، وذلك من خلال وضع مشاريع لتحسين قدرة القطاع الفلاحي على مواجهة التغيرات المناخية، وتضمين المشاريع تقنيات للتأقلم مع التغيرات المناخية، ودعم استخدام الطاقات المتجددة في الفلاحة، وإطلاق برنامج وطني لاقتصاد مياه السقي، وإعداد خريطة خصوبة التربة، وإرساء برنامج وطني لإعداد خرائط الأراضي الزراعية.
نحن في المنتدى الاقتصادي والاجتماعي والبيئي مقتنعون أنه كان من الضروري إجراء تقييم موضوعي لهذه المرحلة ضمن نقاش وطني مفتوح، لتحديد نقاط القوة والضعف، والوقوف على مكامن الخلل والنجاحات
ورغم الانتقادات التي وُجهت للمخطط، والتي أشارت إلى أنه صِيغ من قبل مراكز ومكاتب بعيدة عن الواقع وعن الفاعلين الرئيسيين في القطاع، إلا أن أهدافه تظل طموحة وجادة، وتجمع بين الأهداف التدبيرية التي تسعى إلى تحسين المؤشرات الكمية للقطاع الفلاحي ومساهمته في التنمية، والأهداف المتعلقة بتحسين الظروف المعيشية من خلال مكافحة الفقر، ودعم التشغيل، والحفاظ على الموارد الطبيعية لتحقيق تنمية مستدامة.”
على الرغم من هذا التقديم الرسمي المقتضب لمخطط المغرب الأخضر، فإن ذلك لا يمنعنا كمجتمع مدني من إجراء تقييم شامل لهذه التجربة التي امتدت من 2008 إلى 2020، قبل إطلاق استراتيجية “الجيل الأخضر 2020-2030”. نحن في المنتدى الاقتصادي والاجتماعي والبيئي مقتنعون أنه كان من الضروري إجراء تقييم موضوعي لهذه المرحلة ضمن نقاش وطني مفتوح، لتحديد نقاط القوة والضعف، والوقوف على مكامن الخلل والنجاحات. هذا التقييم البناء كان ضروريا لتصحيح المسار وتجنب تكرار الأخطاء، بدلاً من المضي قدمًا في خطة جديدة دون الاستفادة من الدروس المستخلصة من التجربة السابقة، خاصة وأننا في منتصف مدة تنفيذ استراتيجية الجيل الأخضر.
س= حسب الوثائق الرسمية خصصت الحكومة في شق من المخطط 150 مليار درهم لحوالي 900 مشروع يهم 400 ألف مزارع، وخصصت في الشق الثاني أكثر من 15 مليار درهم لتحسين الظروف المعيشية لثلاثة ملايين من سكان الأرياف فما أثر ذلك واقعيا.
تشير الأرقام الصادرة عن المندوبية السامية للتخطيط إلى انخفاض ملحوظ في معدلات الفقر بالوسط القروي خلال الفترة الممتدة من 2007 إلى 2019، حيث تراجع عدد الفقراء من مليون و945 ألف شخص إلى 513 ألفًا. بالإضافة إلى ذلك، سجلت نسب الهشاشة تحسنًا ملحوظًا، إذ انخفض عدد سكان القرى الذين يعانون من الهشاشة من ثلاثة ملايين و164 ألف شخص إلى مليون و574 ألفًا خلال الفترة نفسها. كما تراجعت نسبة الفقر المدقع في الوسط القروي من 14.4% إلى 3.9%. ومع ذلك، يجب التعامل مع هذه الأرقام بحذر، إذ لا يمكن نَسْب هذا التحسن النسبي بشكل كامل إلى سياسات مخطط المغرب الأخضر
س= هل يمكن اعتبار تولي وزير الفلاحة السابق، الذي قاد مخطط المغرب الأخضر، لرئاسة الحكومة مؤشرًا على نجاح المخطط؟
في رأيي، لا يوجد ارتباط مباشر بين التدبير المحكم لمخطط المغرب الأخضر وتعيين وزير الفلاحة السابق على رأس الحكومة في 2021. فتعيين رئيس الحكومة جاء كنتيجة لتصدر حزبه، الانتخابات التشريعية لعام 2021 بحصوله على 102 مقعدًا في البرلمان. وبغض النظر عن الظروف التي أحاطت بالانتخابات، والاتهامات بالخروقات، ودخول أصحاب النفوذ المالي وحتى المتورطين في قضايا فساد، فإن تعيين رئيس الحكومة تم وفقًا لنتائج الانتخابات، وتطبيقًا للمادة 47 من الدستور المغربي لعام 2011، التي تنص على تعيين الملك لرئيس الحكومة من الحزب الذي تصدر الانتخابات البرلمانية. بصفة عامة فتعيين رئيس الحكومة ليس بمكافئة على تدبيره لمخطط المغرب الأخضر ولكن هو نتيجة لمحطة انتخابية لما لها وما عليها.
بناء على مبدأ ربط المسؤولية بالمحاسبة، فإن مسؤولية وزير الفلاحة السابق والحكومات السابقة تظل قائمة
لذا، يجب تقييم نجاح أو فشل مخطط المغرب الأخضر بشكل مستقل، من خلال تحليل أهدافه الأصلية والأسس التي قام عليها، دون الخلط بين هذا التقييم وتقييم الأداء السياسي للحكومة أو رئيسها.
بناء على مبدأ ربط المسؤولية بالمحاسبة، فإن مسؤولية وزير الفلاحة السابق والحكومات السابقة تظل قائمة في هذا السياق. نحن في المنتدى الاقتصادي والبيئي على يقين بأن مخطط المغرب الأخضر لم يحقق النجاح المأمول، وهو ما أكدته أيضاً تقارير المندوبية السامية للتخطيط والمجلس الأعلى للحسابات.
س: ما هي المؤشرات التي تدل على عدم تحقيق مخطط المغرب الأخضر لأهدافه؟ أو بصيغة أخرى: أين أخفق مخطط المغرب الأخضر؟
لتقييم مخطط المغرب الأخضر، يجب الرجوع إلى أهدافه الأساسية. يمكن حصر أوجه قصوره على المستويات التالية:
مشاركة الفلاحة في التنمية: لم ينجح المخطط في جعل الفلاحة رافعة للتنمية، حيث لا تزال القيمة المضافة للقطاع الفلاحي في المغرب تشكل 11.1% فقط من الناتج الداخلي الإجمالي في عام 2023، وفقًا للبنك الدولي.
خلق فرص الشغل: لم يحقق المخطط النتائج المرجوة في خلق فرص العمل. وتشير مذكرة إخبارية للمندوبية السامية للتخطيط إلى استمرار فقدان القطاع الفلاحي لوظائف في الوسط القروي، حيث فقد حوالي 146,000 منصب شغل في عام 2024. وارتفع معدل البطالة في الوسط القروي من 6.3% إلى 6.8%. ووصلت نسبة البطالة بين الشباب (15-24 سنة) في العالم القروي إلى 20.6%. بالإضافة إلى ذلك، أشار الإحصاء العام للسكان والسكنى لعام 2024 إلى ارتفاع معدل البطالة في الوسط القروي من 10.5% في عام 2014 إلى 21.4% في عام 2024.
السيادة الغذائية المغربية: ساهمت خيارات مخطط المغرب الأخضر وهشاشة السيادة الغذائية في جعل المغرب عرضة بشكل خاص لفترات الجفاف والاضطرابات الدولية، مما يهدد الأمن الغذائي بشكل كبير.
الدعم الضعيف للفلاحين الصغار: يعاني الفلاحون الصغار من ضعف الدعم وتعقيد إجراءات الحصول على المنح والقروض.
استنزاف الفرشة المائية: شجع المخطط على زراعة الفواكه الحمراء والخضروات والأشجار المثمرة، مما أدى إلى استنزاف الفرشة المائية وتعريض مناطق واسعة لخطر العطش.
(يتبع)