الحوار

الباحث في الاقتصاد مصطفى عبقري (2): تفعيل دور مجلس المنافسة وإعادة فتح مصفاة سامير وتسقيف الأسعار من أهم إجراءات التخفيف من حدة ارتفاع الأسعار

أجرى الحوار عبد الرزاق بن شريج

س= رغم التوضيحات والتحليل الوارد في الجزء الأول من هذا الحوار فهناك من يرجع سبب عدم نجاح المخطط الأخضر للجفاف، ما تعليقكم على ذلك؟ “

بدايةً، يجب التأكيد على أن الجفاف ظاهرة طبيعية يعاني منها المغرب منذ عقود، وهي نتيجة للتغيرات المناخية، بالإضافة إلى الموقع الجغرافي للمغرب الذي يقع في منطقة شبه جافة. القول بأن مخطط المغرب الأخضر فشل بسبب الجفاف فقط غير دقيق. ففي حين أن الظروف الطبيعية تلعب دورًا، إلا أن بعض خيارات المخطط ساهمت في استنزاف الفرشة المائية، مما أدى إلى تفاقم أزمة المياه في بعض المناطق. وتشير الإحصائيات إلى ارتفاع في إنتاج الخضروات والفواكه، ولكن هذا الارتفاع كان مصحوبًا بزيادة كبيرة في استهلاك المياه، خاصة في محاصيل مثل الفواكه الحمراء والأفوكا.

إن استنزاف الموارد المائية عبر التركيز على الزراعة التصديرية، يجعل الأمن الغذائي للمغرب هشا، ويعرضه لتقلبات الأسعار العالمية

بالإضافة إلى الظروف الطبيعية والموقع الجغرافي والجفاف، فإن السياسات الزراعية التي اعتمدتها الحكومة المغربية في العقود الأخيرة ساهمت في استنزاف الموارد المائية. فقد تم التركيز بشكل كبير على الزراعة التصديرية، خاصة في محاصيل تتطلب كميات كبيرة من المياه مثل الطماطم والفواكه، مما زاد الطلب على المياه وأرهق الموارد المتاحة. للتذكير، تشير الوضعية المائية الراهنة في المغرب إلى تراجع ملحوظ في حصة الفرد من المياه، حيث انخفضت من 2560 مترًا مكعبًا في عام 1960 إلى 606 أمتار مكعبة في الوقت الحالي، وهو مستوى يقل عن عتبة الندرة المائية المحددة عالميًا (1000 متر مكعب للفرد سنويًا). وقد تفاقم هذا الوضع خلال السنوات الأخيرة (2018-2023)، حيث سجل المغرب عجزًا متتاليًا في المياه السطحية يتراوح بين 54% و83% مقارنة بالمعدل السنوي المعتاد، مسجلًا بذلك أدنى مستويات المساهمات المائية منذ عام 1945.” إن استنزاف الموارد المائية عبر التركيز على الزراعة التصديرية، والاعتماد بشكل كبير على استيراد المواد الغذائية الأساسية مثل الحبوب والزيوت والسكر. يجعل الأمن الغذائي للمغرب هشا، ويعرضه لتقلبات الأسعار العالمية.

س= ما هي العلاقة المباشرة بين غلاء المواد الفلاحية والمخطط الأخضر؟

في رأيي، يعود ارتفاع أسعار المواد الفلاحية وتدهور القدرة الشرائية للمواطنين إلى أسباب متعددة، تشمل التوترات العالمية والتضخم، بالإضافة إلى مشاكل في سلسلة توزيع الخضر والفواكه، وتعدد الوسطاء، والممارسات الاحتكارية والمضاربة، وغياب الرقابة الفعالة. ومع ذلك، يمكن القول إن ارتفاع أسعار المواد الفلاحية يعود جزئيًا إلى النتائج السلبية لخيارات مخطط المغرب الأخضر. على سبيل المثال، تشير وثيقة “الحصيلة والآثار 2008-2018” الصادرة عن وزارة الفلاحة إلى ارتفاع ملحوظ في الصادرات خلال تلك الفترة بحيث ارتفعت صادرات الطماطم بنسبة 62%، والفاصوليا الخضراء بنسبة 167%، ثم الفلفل بنسبة 366%، والفراولة الطازجة بنسبة 90%، وزيت الزيتون بنسبة 528%. على الرغم من زيادة الإنتاج، إلا أن توجهه نحو التصدير ساهم في ارتفاع أسعار العديد من المواد الفلاحية في السوق المحلية، كما هو الحال مع زيت الزيتون الذي تضاعف سعره أربع مرات في فترة قصيرة.

{لقد اعترفت الحكومة، بممارسات غير أخلاقية من قبل بعض المستوردين الذين استفادوا من الدعم وحققوا أرباحًا كبيرة دون خفض الأسعار}

فيما يتعلق باللحوم، فإن الارتفاع الكبير في أسعار هذه المادة يدفعنا إلى التساؤل حول دور مخطط المغرب الأخضر في هذا المجال. تشير الأرقام الرسمية إلى استقرار نسبي في حجم القطيع خلال فترة المخطط. حيث ارتفع عدد رؤوس الأبقار من 2814 ألف رأس في 2008 إلى 3884 ألف رأس في 2023، والأغنام من 17077 ألف رأس إلى 20657 ألف رأس. ومع ذلك، بقي عدد الذبائح المراقبة للأبقار مستقرًا نسبيًا (من 840 ألف إلى 880 ألفًا)، بينما انخفض عدد ذبائح الأغنام من 3200 ألف إلى 2092 ألفًا. هذا التباين يفسر جزئيًا ارتفاع أسعار اللحوم وعدم قدرة المخطط على تطوير قطاع تربية المواشي بشكل فعال. هذا الوضع أدى إلى التوجه نحو الاستيراد ودعم بعض المستوردين بشكل خاص، دون أن ينعكس ذلك إيجابًا على انخفاض الأسعار. وقد اعترفت الحكومة، عبر وزير التجهيز والماء، بممارسات غير أخلاقية من قبل بعض المستوردين الذين استفادوا من الدعم وحققوا أرباحًا كبيرة دون خفض الأسعار.

س= ألا يمكن اعتبار أسباب غلاء المعيشة بالمغرب خلال فترة الحكومة الحالية هي تأثير كوفيد 19، والجفاف، والحرب الروسية الأكرانية، وارتفاع أسعار البترول العالمي؟

صحيح أن غلاء المعيشة والتضخم أصبحا ظاهرة عالمية، ولكن هذا لا يعفي الحكومة من اتخاذ إجراءات استباقية للتخفيف من آثارهما على المواطنين. نحن في المنتدى الاقتصادي والاجتماعي والبيئي نرى أن أسباب غلاء المعيشة خلال فترة الحكومة الحالية لا تقتصر على تأثير كوفيد-19 والجفاف والحرب الروسية الأوكرانية وارتفاع أسعار البترول العالمية فقط. فالدليل على ذلك هو أن انخفاض أسعار البترول في الأسواق الدولية لم ينعكس بشكل مباشر على أسعار المحروقات في محطات الوقود. بالإضافة إلى ذلك، لم تتخذ الحكومة إجراءات ملموسة لحماية المواطن المغربي من ارتفاع الأسعار الناتج عن الممارسات الاحتكارية والمضاربات وتعدد الوسطاء، الذين يتحكمون في الأسعار بدون حسيب ولا رقيب.

س= لا يمكن تحميل الحكومات المتعاقبة مسؤولية غلاء المعيشة في ظل الجفاف الذي يضرب المغرب منذ أزيد من 5 سنوات متتالية، أليس كذلك؟

بالتأكيد، هذا سؤال مهم يتطلب تحليلاً معمقًا. لا شك أن الجفاف المستمر الذي يضرب المغرب يؤثر بشكل كبير على القطاع الزراعي، مما يؤدي إلى ارتفاع أسعار المواد الغذائية بسبب نقص المياه وتفاوت التساقطات المطرية. ومع ذلك، لا يمكن إعفاء الحكومات المتعاقبة من المسؤولية الكاملة. كان ينبغي على الحكومات المغربية اتخاذ إجراءات استباقية للتخفيف من آثار الجفاف، مثل تسريع وتيرة إنجاز مشاريع تحلية مياه البحر، التي تأخرت بسبب عدم صدور النصوص القانونية التطبيقية، وتحسين إدارة الموارد المائية، وتنويع مصادر الغذاء، وتقليل الاعتماد على الزراعة المطرية، ومكافحة المضاربة والاحتكار في الأسواق. بالإضافة إلى ذلك، كان يجب على الحكومات وضع سياسات اقتصادية لحماية المستهلكين من ارتفاع الأسعار، مثل دعم المواد الأساسية وتنظيم الأسواق. وأخيرًا، كان من الضروري تشجيع الزراعة المستدامة التي تقلل من استهلاك المياه.

س= ما هي السبل الاقتصادية التي يمكن أن تخفف من الغلاء الفاحش الذي تعرفه المملكة المغربية؟

نحن في المنتدى الاقتصادي والاجتماعي والبيئي على يقين بأن للتخفيف من حدة ارتفاع الأسعار، يمكن اتخاذ مجموعة من الإجراءات المتكاملة على النحو التالي:

ـ تفعيل دور مجلس المنافسة: العمل بحزم لمكافحة جميع أشكال الممارسات الاحتكارية والمضاربات التي تؤدي إلى ارتفاع الأسعار.

ـ إعادة فتح مصفاة سامير: بهدف تحقيق الأمن الطاقي وتقليل الاعتماد على استيراد المحروقات، مما يساهم في استقرار الأسعار.

ـ تسقيف الأسعار: تطبيق المادة 4 من القانون 104.12 المتعلق بحرية الأسعار والمنافسة، التي تتيح للحكومة إصدار قرار بتحديد سقف للأسعار لمدة ستة أشهر قابلة للتجديد مرة واحدة.

ـ إعادة تنظيم سلاسل التوزيع: تقليل عدد الوسطاء وتشجيع البيع المباشر بين المنتجين والمستهلكين من خلال دعم أسواق المزارعين والتعاونيات وتسهيل الوصول إلى المنتجات عبر المنصات الإلكترونية.

ـ مكافحة المضاربة والاحتكار بتشديد الرقابة على الأسواق وتفعيل دور الأجهزة الرقابية، وتعزيز الشفافية في الأسواق بتوفير معلومات دقيقة حول الأسعار والسلع المعروضة والمخزونة.

ـ تطوير البنية التحتية للأسواق وتحديثها لتوفير بيئة مناسبة للتخزين والعرض، وتحسين شبكة الطرق لتسهيل نقل المنتجات.

ـ تطوير الإطار القانوني بمراجعة وتحديث القوانين المتعلقة بتنظيم الأسواق ومكافحة المضاربة والاحتكار، وتفعيل القوانين وتطبيقها بحزم على المخالفين. تجدر الاشارة الى تنفيذ توصية مجلس المنافسة المتعلقة بإلغاء وظيفة الوكلاء ومراجعة الإطار القانوني (الظهير الشريف الصادر بتاريخ 7 فبراير 1962) المتعلق بمهام وكلاء أسواق الجملة.

ـ تحقيق الاستقرار في أسعار اللحوم والدواجن: تنويع مصادر الدعم وتوجيهها إلى صغار المنتجين والتعاونيات، وتقديم الدعم الفني والتدريب لتحسين الإنتاجية وخفض التكاليف.

ـ تعزيز الشفافية والرقابة بوضع آليات شفافة لتوزيع الدعم ومراقبة استخدامه ومحاسبة المخالفين.

ـ معالجة المشاكل الهيكلية بالاستثمار في تطوير البنية التحتية للقطاع ودعم البحث العلمي لتحسين الإنتاج وتنظيم الأسواق لمكافحة الاحتكار والمضاربة.

ـ إشراك القطاع الخاص والمجتمع المدني في صياغةوتنفيذ السياسات المتعلقة بقطاع اللحوم والدواجن.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى