مذكرات

الإدريسي و أحراث و الآخرون.. عبد الإله إصباح يتذكر أيام مجد النضال الحقوقي بمراكش

 

في بداية التسعينات كنت أتردد باستمرار على دار الشباب عرصة الحام ض بمراكش، للاستطلا ع عن برنامج الأنشطة الفنية والثقافية التي تقرر عدد من الجمعيات تنظيمها بمقر الدار خلال القادم من الأيا م

وفي مرة استرعى انتباهي الإعلان عن نشاط حقوقي ستنظمه الجمعية المغربية لحقوق الإنسان من تأطير رشيد الإدريسي. توقفت طويلا عند الإعلان لسببين: الأول هو الجهة المنظمة أي الجمعية المغربية لحقوق الإنسان التي كنت أقرأ عن مواقفها وأصادف بيانتها وبلاغاتها في الجرائد الوطنية   باستمرار، والسبب الثاني ان من سيؤطر العرض اسم ليس غريبا عني فقد سيق لي التعرف عليه من خلال صديق مشترك ودار بيننا حديث عن الأوضاع السياسية بالبلاد دون أن اعرف حينذاك انتماءه السياسي  ولا الحقوقي. وصادفت اسمه مرار على صفحات جريدة الطريق وقد ترسخ في ذهني مقال له عن الروائي نجيب محفوظ وموقفه من اتفاقية كامب ديفيد. لم يخطر في بالي حينها أنه هو الكاتب بجريدة الطريق صاحب المقال عن نجيب محفو ظ.

قررت إذن حضور هذا النشاط الحقوقي المتميز، لم اعد اتذكر عنوان العرض بالتدقيق ولكن أظنه تمحور حول المواثيق الدولية لحقوق الإنسان، وقام بتقديم النشاط للجمهور رئيس الفرع أنذاك الأستاذ أحمد أبادرين وخلال تقديمه أشار إلى ان الانخراط في إحدى لجان الجمعية مفتوح لمن يرغب في ذلك. وفي هذه اللحظة راودتني فكرة الانخراط في الجمعية وفي النضال الحقوقي. فكرت في الأمر مليا وقررت خوض هذه التجربة المغرية والعمل ضمن إحدى اللجن الوظيفية، لجنة الدراسات والتكوين التي كان يرأسها مؤطر العرض رش ا لإدريس ي

واظبت على حضور اجتماعات اللجنة التي كانت تنعقد أسبوعيا، وكانت تتركز على تقديم عرض أو قراءة في إحدى مواثيق الشرعة الدولية لحقوق الإنسان وتبادل وجهات النظر حولها، كما كان الاهتمام منصبا على التعريف بقوانين الحريات العامة حتى يكتسب المنخرط ثقافة حقوقية وقانونية ويتآلف مع مصطلحات ومفاهيم حقوق الإنسان والقضايا ذات الصلة بذلك.

وقد استفدت كثيرا من هذه العروض، وبفضل المثابرة على حضور الاجتماعات تراكمت لدي تجربة مكنتني من تحمل مسؤولية مقرر اللجنة .تمن ت علاقاتي بعدد مناضلي الجمعية وأصبح العديد منهم من أقرب أصدقائي إلى الآن.

وأذكر أنه في بداية علاقتي بالجمعية، تم تنظيم نشاط إشعاعي بمناسبة اليوم العالمي للمرأة، وقد تم

تكليفي بالإشراف على معرض منشورات الجمعية ووثائقه ، ولم تكن لي تجربة في هذا المجال، كنت خائفا ومرتبكا خاصة لما توافدت أعداد كبيرة لحضور هذا النشاط وكانت المرة الأولى التي أواجه فيها مثل هذا العدد الغفير من الناس. كان خجلي يؤثر على تفاعلي مع الأسئلة التي تطرح علي، وكنت أحيانا أرتجل جوابا دون تفكير حتى اتخلص من عبء المواجهة سريعا. ومع ذلك كان يخالجني إحساس بالفخر لأنني كنت ادرك أنني أصبحت عضوا في تنظيم حقوقي  له وزنه المعتبر ضمن أهم منظمات حقوق الإنسان على مستوى المغرب والعالم العربي، ويناضل في صفوفه نخبة من المناضلين الذين قدموا تضحيات جسام وسنوات من عمرهم بين قضبان الزنازن دفاعا عن أفكارهم ومبادئهم المناصرة للدمقراطية وحق الشعب في تقرير مصيره السياسي والاقتصادي.

وكان من الطبيعي أن تتوطد علاقتي بالرفيق والصديق رشيد الإدريسي، إذ أصبحنا نلتقي في مقهى جواهر  قرب حديقة ماجوريل وغيره من مقاه الداوديات، ولا أنسى زياتي الأولى له في المنزل لآنها ارتبطت لدي بأغنية مارسيل خليفة تصبحون على وطن، و لا زلت إلى ألان كلما استمعت إلى هذه الأغنية  تحضر إلى ذهني تلك الزيارة التي  لا تنسى. وكانت المرة الأولى أيضا التي أستمع فيها إلى محاضرة الشهيد المهدي بن بركة حول التغلغل الصهيوني في إفريقيا، و قد اقترح علي الاستماع إلى شريط المحاضرة بعد نقاش مستفيض عن الشهيد ومواقفه.  وفي زيارة أخرى أطلعني على بحث الإجازة الذي انجزه عن الشهيد حسين مروة. وفي تلك اللقاءا ت سواء في المقهى أو المنزل كان الحديث يأخذنا مرار ا إلى تجربة ومحنة الاعتقال السياسي ضمن مجموعة مراكش 1984 والتي كان نصيبه منها أربع سنوات نافذة. أدركت أنه تجاوز الأثر النفسي لتلك التجربة عليه، يستحضرها بفخر واعتزاز دون مباهاة وبتواضع جم.

في أحد الجموع العامة لتجديد مكتب الفرع انتخبت عضوا ضمن التشكيلة الجديدة كمستشار، وتم انتخاب الأستاذ المعيار الإدريسي كرئيس للفرع وأعتقد أن الرفيق رشيد تحمل مسؤولية الكاتب العام والراحل مبروم لحسن أمين المال وقد انعقد ذلك الجمع العام بمقر الكنفدرالية الديمقراطية للشغل بشاؤع الرميلة. كان الأستاذ أحمدأبادرين قد انسحب من الفرع في جمع عام سابق وأسس لجنة الدفاع عن حقوق الإنسان احتجاجا على ما اعتبره هيمنة تيار سياسي على الفرع.

كان أهم نشاط حقوقي تم تنظيمه من طرف المكتب الجديد هو محاضرة حول الدستور المغربي التي القاها المناضل والحقوقي الكبير الاستاذ عبد الرحمان بن عمرو حيث فصل القول فيما اعتبره التناقض الصارخ بين هذا الدستور والمواثيق الدولية لحقوق الإنسان. وكما كان منتظرا عرف هذا النشاط حضورا جماهيريا مكثفا وكان من ضمن الأسباب التب جعلت السلطات تفكر في حرمان الجمعية من الاشتغال بدار الشباب. وهذا ما أقدمت عليه بالفعل بدعوى أن الجمعية لها طابع حقوقي وليس ثقافي أو تربوي، وكأن حقوق الإنسان ليست ثقافة وتربية في جوهرها.

كانت أهم مشكلة واجهت المكتب الجديد إذن هي إيجاد مقر للفرع،. وهكذا رحنا نجتمع كمكتب في المقاهي، وأحيانا في منزل من منازل أحد أعضاء المكتب لمدة طويلة إلى أن  سمح لنا الاتحاد المغربي للشغل باستعمال أحد قاعاته كمقر للفرع بعد الاتصال بقيادته المحلية .

النضال ضمن صفوف الجمعية أتاح لي التعرف على مجموعة من المعتقلين السياسيين، وخاصة من مجموعة 84، كان العديد منهم قد غادر السجن واستأنف نضاله في فرع الجمعية.

كان المناضل حسن أحراث من بين هؤلاء المناضلين، كان قد أمضى عشر سنوات من الاعتقال السياسي قضى معظمها مضربا عن الطعام. أضفى التحاقه بلجنة الدراسات والتكوين رهبة وهيبة على اجتماعاتها خاصة بالنسبة إلي أنا الذي طالما قرأت وسمعت عن الإضراب البطولي لمجموعة مراكش 84 وعن الشهيدين الدريدي وبلهواري، وها أنا ذا مع رفيق من رفاقهما.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى