استنزاف رمال الشواطئ بالمغرب.. حرب على أحياء البحر و تهديد لسكان السواحل
لوسات أنفو
رغم تعزيز الترسانة القانونية بالآليات الكفيلة بحماية السواحل المغربية من الأضرار البيئية، إلا أن الاستغلال غير المعقلن لرمال السواحل مازال يقلق المدافعين عن البيئة الذين يواصلون دق ناقوس الخطر جراء تعاظم الضغط على هذا المورد الطبيعي الهام و استنزافه اليومي تلبية للحاجيات العمرانية و الاقتصادية المتزايدة بسبب تزايد التوسع الحضري و ارتفاع وتيرة البناء.
و لم يعد مشكل جرف رمال سواحل المملكة قضية تخص المجتمع العلمي و المدني بالمغرب لوحده، و إنما وجدت صداها على المستوى العالمي حيث تواترت التقارير العلمية الصادرة عن منظمات و مراكز بحثية دولية تعني يالمشاكل البيئية، و كذا المتابعات الإعلامية لعدد من الفضائيات الأوروبية التي قدمت عددا من المواد الصحفية التي تقصّت مخاطر هذه الظاهرة في عدد من الشواطئ المغربية و التهديدات التي تمثلها على التوازنات الإيكولوجية و المخاطر التي تحملها للمناطق البحرية و المناطق المحيطة بها. و كان من أبرز هذه التقارير ذاك الذي صدر عن برنامج الأمم المتحدة للبيئة[1] سنة 2019، و الذي شخص وضعية استنزاف الكثبان الرملية بالسواحل المغربية مصدرا تحذيرا قويا من الكوارث التي سيتسبب فيها في حال عدم اتخاذ أي إجراءات جدية للحد منه.
و من النقط الخطيرة التي توقف عندها التقرير المذكور، أن نصف الرمال المستعملة في المغرب (حوالي 10 ملايين متر مكعب في السنة) تأتي عن طريق استخراج الرمال الساحلية بطرق غير قانونية مسببة في تفويت ما يقارب 5 مليارات درهم على خزينة الدولة لكون هذه الكمية الضخمة المستغلة يتم استخراجها بطرقة غير مصرح بها. ناهيك عن الميزانية الضخمة التي سيكون على الدولة مستقبلا صرفها لترميم نتائج أضرار هذا التخريب الخطير لعامل حمائي جد مهم وفرته الطبيعة.
البرنامج الأممي للبيئة توقف أيضا في تشخيصه لهذا الوضع الخطير الذي تعرفه السواحل المغربية، عند مناطق بعينها تعرضت ملامح شواطئها لتخريب واضح بسبب الاستنزاف المفرط و العشوائي لثرواتها الرملية. و من بينها منطقة توجد بين مدينتي آسفي و الصويرة تحول فيها الشاطئ إلى منظر صخري بعد إزالة كل رماله. و أشار أيضا إلى مدينة أصيلة في شمال المملكة على الساحل الأطلسي، التي عانت بدورها من تآكل رصيدها الرملي، بل إن بلدية المدينة اضطرت إلى رصد ميزانية مهمة سنة 2016 لجلب رمال إضافية لتغطية أجزاء من شاطئها حفاظا على جاذبيته السياحية. و يؤكد التقرير أن عددا من المباني القريبة من الساحل بهذه المدينة يتهددها خطر كبير بسبب تآكل الحماية الطبيعية للرمال نتيجة استنزافها، و ذلك بفعل الضغط المتزايد على هذه المادة و المرتبط بتضاعف الطلب عليها نتيجة توسع وتيرة التعمير بمدينة طنجة.
التقرير الذي أكد أن 55 بالمائة من الرمال التي تروج في السوق المغربية مجهولة المصدر، أوضح أن الطلب المحلي على هذه المادة تضاعف خلال العشرين سنة الأخيرة ثلاث مرات، و هو ما يجعل الدولة في مواجهة تحدي مستقبلي ناتج عما سيترتب عن هذا الاستنزاف من أضرار، و التي تتضافر فيها العوامل البشرية بنتائج التغيرات المناخية التي أصبح العالم بكامله مدركا لمخاطرها.
و تقاطعت مضامين هذا التقرير الأممي مع التقارير المتوالية التي أصدرتها منظمات مدنية عاملة في مجال البيئة محذرة من خطورة ما آلت إليها وضعية الكثير من الشواطئ المغربية جراء تناسل المقالع الساحلية لجرف الرمال. و في هذا السياق أكدت عائشة بن محمدي الأستاذة بجامعة ابن طفيل بالقنيطرة ورئيسة الجمعية المغربية لحماية السواحل والتنمية المستدامة (AMPLDD) في تصريح صحفي ، “إن إفراغ شواطئ المملكة من الكثبان الرملية الساحلية هو عمل ضار بالتوازنات المورفولوجية لجميع الديناميكيات الساحلية ومن المرجح أن يكون لذلك عواقب أكثر ضررًا، لأنها سوف تتحد مع حركة ارتفاع منسوب مياه البحر وسط التآكلات التي وصلت إلى ذروتها”.
و أكدت عائشة بن محمدي في مداخلة لها في اليوم الدراسي الذي أقيم بأزمور سنة 2018 حول الشريط الساحلي أن توفر المغرب على امتياز جغرافي منحه واجهتين بحرتين على امتداد 3500 كلم، يجعله مؤهلا إلى الانتقال من الاقتصاد الأخضر إلى الاقتصاد الأزرق الذي يجعل البحر أهم عامل في التنمية الاقتصادية و الاجتماعية. لكن هذا الانتقال يتطلب من صناع القرار على المستوى الوطني الكف إدارة ظهورهم للبحر في السياسات التي يخطونها ، و لن يتأت ذلك إلا باحترام التوازن البيئي للسواحل و الحد من استنزاف الثروات الرملية و حماية التنوع البيولوجي بها.
و تَمكّن الضغط المدني من أجل وضع حد لظاهرة نهب رمال السواحل المغربية من حمل السلطات على مراجعة قراراتها بخصوص الترخيص لشركات جرف الرمال بإنشاء المزيد من المقالع الساحلية في بعض المناطق، كما حدث في إقليم العرائش. حيث أبطلت عمالة الإقليم في أكتوبر 2020 تحت الضغط المتصاعد للمجتمع العلمي و المدني العامل في البيئة، الترخيص الممنوح من قبل عزيز الرباح وزير الطاقة و المعادن و البيئة حينها لشركة “درابور” المتخصصة في جرف الرمال لإنشاء مقالع إضافية بساحل العرائش. لتقرر اللجنة الإقليمية للمقالع التي يترأسها عامل الإقليم بإجماع كافة أعضائها الحاضرين برفض منح الترخيص لأي نشاط لجرف الرمال بسواحل الإقليم، نظرا للأضرار البيئية التي يتسبب فيها، والتهديد الذي يمثله لقطاع الصيد البحري..
و انتقل موضوع استنزاف الرمال الساحلية و ضررها على الثروة السمكية إلى قبة البرلمان المغربي، حيث حاجج عدد من النواب على ضرورة إيقاف هذا الاستغلال المدمر الذي أثر كثيرا على مردودية عدد من المصايد. بل تشكلت لجنة برلمانية عقب صدور التقرير الأممي المذكور أعلاه للتحقيق في قضية نهب رمال الشواطئ.
ومن جهته أصدر المعهد الوطني للبحث في الصيد البحري عدة تقارير تحذر من خطورة جرف الرمال على الصيد البحري، مؤكدا أن نشاط جرف الرمال قد ألحق أضرارا جسيمة بالتوازنات البيئية البحرية، وتسبب في تدمير مواطن توالد وحضانة عدد كبير من الأحياء البحرية، مثلما أن أنواع عديدة من الأسماك إما انقرضت أو هجرت موطنها مما تسبب في تحويل عدد من المصايد إلى صحراء قاحلة.
ويقر القانون 27.13 المتعلق بالمقالع والصادر بالجريدة الرسمية عدد 6374 بتاريخ 15 رمضان 1436 ( 2 يوليو 2015)، ص 6082 في ديباجته بوجود مجموعة من الاختلالات في قطاع المقالع “تهم طرق الاستغلال وتنامي ظاهرة المقالع العشوائية ونهب رمال الكثبان الساحلية والرمال الشاطئية، وعدم نجاعة المراقبة وما نتج عن ذلك من انعكاسات سلبية على الساكنة والبيئة الطبيعية والبنيات التحتية والعائدات المالية.” و رغم أن القانون المذكور يتوخى كما يعلن ذلك، ضمان الانتقال إلى نظام اقتصادي عقلاني وشفاف يقوم على مبادئ الحكامة الجيدة والشفافية، وربط المسؤولية بالمحاسبة، والتنمية المستدامة، والقضاء على الممارسات العشوائية بالقطاع وإضفاء الطابع الاحترافي عليه، وهيكلة القطاع وتدبيره تدبيرا شفافا، من خلال إجراءات وتدابير تشمل مجموع مراحل استغلال المقالع، بدءًا من مرحلة تحديد المواقع، وانتهاء بوضع حد لنشاط الاستغلال، مرورا بانطلاق وممارسة الاستغلال والتتبع؛ رغم كل ذلك إلا أن المنشغلين بالشأن الإيكولوجي بالمملكة يلاحظون أن منظومة المراقبة التي تشكل المدخل الرئيسي لإنفاذ أحكامه تشكل نقطة الضعف الأكبر في مسار تحقيق أهداف هذا القانون، إذ قلما أثبتت فاعليتها في مواجهة عمليات نهب و تهريب رمال السواحل.
و ينص القانون المذكور في المادة الرابعة من بابه الثاني على وجوب وضع مخططات لتدبير المقالع على صعيد كل جهة من جهات المملكة لتزويد السوق بمواد المقالع. حيث يجب أن تتقيد هذه المخططات بأحكام النصوص التشريعية والتنظيمية الجاري بها العمل وخاصة فيما يتعلق بالصحة والسلامة العامة والتعمير والبيئة وحماية الطبيعة والمآثر والتراث الثقافي والإنساني والمحافظة على الأصناف السمكية البحرية ومكامنها والحفاظ على الموارد الغابوية وموارد القنص والموارد السمكية واستغلالها والمناطق المحمية والأصناف النباتية والحيوانية والاستثمار الفلاحي والاستغلال الغابوي. مثلما يلزم جميع المقالع بالخضوع لمقتضيات القانون رقم 12.03 المتعلق بدراسات التأثير على البيئة[2] ونصوصه التنظيمية جميع أنواع المقالع.
البنك الدولي دخل بدوره على الخط في ملف التدهور البيئي للسواحل المغربية بتقديمه (سنة 2019) الدعم التحليلي و الفني لتصميم الخطة الساحلية الجهوية للبلاد بجهة الرباط سلا القنيطرة. و تتضمن الخطة رؤية جهوية تهدف إلى التثبيت البيولوجي للكثبان الرملية و تشجيع التنمية المستدامة للساحل بإعادة تأهيله، فضلا عن الاستخدام المستدام للموارد الساحلية وحمايتها. وينبني إعداد هذه الخطة على نهج ديناميكي متكرر ومتعدد التخصصات لتشجيع الإدارة المستدامة للمناطق الساحلية والمعروفة عالميا باسم الإدارة المتكاملة للمناطق الساحلية.
و تؤكد الأبحاث العلمية المنجزة على الصعيد العالمي أن تآكل الرمال الساحلية يدخل في صلب المخاوف من الكوارث المرتقب حدوثها جراء التغيرات المناخية. و في هذا الصدد قدم موقع scientific american ملخصا لدراسة علمية جديدة صادرة عن مركز البحوث المشتركة للمفوضية الأوروبية تشير إلى أنه من دون التخفيف من آثار تغيُّر المناخ والتكيُّف معها، فإن قرابة نصف شواطئ العالم ستكون عرضةً للتآكل بحلول نهاية القرن الحالي؛ بسبب عمليات التعرية الساحلية. وسيؤدي تآكل الشواطئ الرملية إلى تعريض الحياة البرية للخطر، وقد يتسبب في خسائر فادحة في المدن الساحلية التي لم تعد لديها مناطق عازلة لحمايتها من ارتفاع منسوب مياه البحر والعواصف الشديدة. بالإضافة إلى ذلك سيزيد من كلفة التدابير التي تتخذها الحكومات للتخفيف من آثار تغيُّر المناخ.[3]
و تتوقع الدراسة المذكورة أن خطر التآكل سيدمر 36097 كم (13.6٪) من السواحل الرملية حول العالم خلال 30 عامًا، كما يُتوقع أن يزداد الوضع سوءًا في النصف الثاني من القرن الحالي، وهو ما قد يتسبب في تآكل 95061 كم بما يعادل (25.7٪) من شواطئ العالم. يؤكد ميخائيليس فوسدوكاس -الباحث في مركز الأبحاث التابع للمفوضية الأوروبية، والمؤلف الرئيسي في الدراسة- أن التغيرات المناخية ستفاقم من تأثيرات عمليات التعرية الشاطئية، ما يهدد مناطق كثيفة السكان.
وتأكيدا لأهمية الرمال يوضح البرنامج الأممي للبيئة أن الرمال – بعد الهواء والماء – هي ثالث أكثر المصادر استخدامًا على هذا كوكب الأرض . فكل منزل، أو سد، أو طريق، أو كوب نبيذ والهواتف المحمولة جميعها تحتوي على الرمال. و في هذا الصدد يقول كيران بيريرا، مؤسس ورئيس رواة القصص في موقع SandStories.org وأحد الخبراء المشاركين في المائدة المستديرة الأولى التي تركز على الرمال، والتي تنظمها الأمم المتحدة للبيئة وقاعدة بيانات الموارد العالمية – جنيف وجامعة جنيف في منتصف أكتوبر: “إن الرمال ليست غير متناهية”.[4]
و ينبه البرنامج الأممي للبيئة إلى أنه إذا لم تتم إدارة الرمال بشكل صحيح ، فإن استخراج الرمال من الأماكن ذات النظم الإيكولوجية الهشة يمكن أن يكون لها تأثير بيئي ضخم. فالاستخراج على الشاطئ، على سبيل المثال، لا يؤدي فقط إلى تدمير التنوع البيولوجي المحلي بل يمكن أن يقلل من نطاق السياحة.
تحولت رمال الشواطئ المغربية إلى قضية كبرى لنشطاء البيئة، الذين يعاينون هذه الحرب المشتعلة ضد الثروة الرملية لسواحل المملكة، و التي تزداد ضراوة يوما بعد، و حتى انتشار فيروس كوفيد19 الذي أرهب العالم، لم يفلح في تقليص حدتها.و إذ يستعملون كل الوسائل المتاحة لهم للضغط على صناع القرار من أجل المزيد من اليقظة لحماية هذا الرصيد البيئي الثمين، فهم يراهنون على ألا يكون تغيير السياسات مجرد تغيير في التقنيات، و إنما تعديل جوهري في الرؤية كما قال أونطونيو غوتيريس الأمين العام للأمم المتحد في تقديمه لتقرير جديد للمنظمة الأممية حول حالة الطوارئ التي تواجه كوكبنا الصادر في فبراير 2021:”من خلال تغيير نظرتنا إلى الطبيعة، يمكننا التعرف على قيمتها الحقيقية. ويمكننا من خلال عكس هذه القيمة في السياسات والخطط والأنظمة الاقتصادية، توجيه الاستثمارات إلى أنشطة تستعيد الطبيعة والمكافأة من أجل ذلك. ويمكننا من خلال الاعتراف بالطبيعة كحليف لا غنى عنه، إطلاق العنان للبراعة البشرية في خدمة الاستدامة وتأمين صحتنا ورفاهيتنا جنبًا إلى جنب مع الحفاظ على صحة الكوكب.”[5]
[1] https://www.unep.org/ar
[2]– القانون رقم 12.03 المتعلق بدراسات التأثير على البيئة الصادر بتنفيذه الظهير الشريف رقم 1.03.60 بتاريخ 10 ربيع الأول 1424 (12 ماي 2003)؛ الجريدة الرسمية عدد 5118 بتاريخ 18 ربيع الآخر 1424 (19 يونيو 2003)، ص 1909.
[3] https://www.scientificamerican.com/arabic/articles/news/half-of-world-sandy-beaches-face-risk-of-erosion-egypt-will-lose-1000-km-of-its-coast/
[4] https://www.unep.org/ar/alakhbar-walqss/alqst/albd-fy-albhth-n-astkhraj-alrml-almstdam
[5] https://www.unep.org/ar/alakhbar-walqss/alnshrat-alshfyt/tqryr-tjmyy-jdyd-lbrnamj-alamm-almthdt-llbyyt-ywfr-mkhttana-layjad