إيران وفلسطين
عبد الإله إصباح
منذ أن نجحت الثورة الإيرانية في إسقاط نظام الشاه سنة 1979 أخذت على عاتقها نصرة القضية الفلسطينية، فبادرت على الفور إلى طرد سفير الكيان الصهيوني و إغلاق سفارته، كما اصطدمت سريعا بأمريكا إثر احتلال مجموعة من الطلبة السفارة الأمريكية واحتجاز مجموعة من الرهائن فشلت في الإفراج عنهم باستعمال القوة. شكلت قضية فلسطين ثابتا من ثوابت السياسة الإيرانية ولذلك اعتبرت الكيان الصهيوني هو عدوها الرئيسي في المنطقة وتمحورت سياستها على مواجهته من خلال الدعم القوي للمقاومة اللبنانية والفلسطينية بالمال والسلاح والتدريب العسكري والتكنولوجي. استطاعت بهذا الدعم والإسناد أن تجعل الكيان الصهيوني يعاني ويلات حرب استنزاف طويلة الأمد خاصة على الجبهة اللبنانية، وهو ما أجبر كيان الاحتلال على الانسحاب من جنوب لبنان مهزوما ومنكسرا.
صحيح أن مجموعة من الفصائل الفلسطينية لم تكن علاقتها في بداية الثورة متينة وراسخة بسبب تعدد الاقطاب الدولية والإقليمية المتدخلة في الشأن الفلسطيني، خاصة وأن ذلك تزامن مع اندلاع الحرب الإيرانية العراقية وتداعيتها على المنطقة وعلى القضية الفلسطينية، ولذلك لم يجد الدعم الإيراني وقتها الفصيل الفلسطيني الذي يتلقاه ويستخدمه في مقاومة الاحتلال الصهيوني. كانت إيران تقاتل على مجموعة من الجبهات، وتتصدى للمؤامرات الأمريكية وخططها الساعية للقضاء على الثورة. عانت من حصار اقتصادي خانق وواجهته وحدت من انعكاساته السلبية على اقتصادها واستطاعت في ظل كل ذلك أن تطور صناعة عسكرية مكنتها من إحداث قدر من التوازن في القدرات العسكرية مع كيان الاحتلال، وإمداد قوى المقاومة بمجموعة من الأسلحة المتطورة من ضمنها منظومة صواريخ شكلت مرتكزا لصمودها ونوعية عمليتها المتميزة فضلا عن المسيرات التي أصبحت تمتلك خبرة كبيرة في صنعها ووفرت منها مخزونا كافيا مكنها من إمداد حليفها الروسي بما يحتاجه منها في حربه ضد حلف الناتو في أوكرانيا. ومن المؤكد أنها لن تتوانى حتى تمتلك سلاحها النووي رغم العوائق والضغوطات الأمريكية التي تسعى الى منعها من ذلك
و لاشك أن المقاومة الفلسطينية ما كانت لتنخرط في عملية طوفان الأقصى لولا ارتكازها على الدعم الإيراني الذي وفر الأسلحة ولم يمارس أي وصاية أو اشترط ولاء وتبعية، وإلا لكان أمسك دعمه لأن المتصدر حاليا للمقاومة هو فصيل حماس وليس الجهاد الإسلامي المعروفة روابطه بإيران، وهذا الدعم غير المشروط تحقق بعد أن تصالحت حماس مع سوريا وانحازت لفلسطينيتها و تخففت كثيرا من المعطف الإخواني لصالح توجه وطني يعطي الأولوية للمقاومة وتحرير الأرض.
إيران إذن بدعمها ومساندتها للمقاومة ساهمت في إحباط المخططات الرامية لإقبار القضية الفلسطينية، التي كانت تجتاز أصعب المراحل في تاريخها بعد انخراط مجموعة من الأنظمة العربية في توقيع اتفاقية التطبيع مع الكيان الصهيوني، ولولا عملية طوفان الأقصى التي أطلقتها المقاومة في التوقيت الدقيق والمناسب، لاتجه مسار قضية فلسطين نحو النسيان والذويان. ولذلك تجد الفصائل الفلسطينية نفسها ممتنة للثورة الإيرانية بعيدا عن أي حسابات أديولوجية أو عقائدية، وهذا ما يتجلى في تصريحات قيادات من الجبهة الشعبية والجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين، فهذان الفصيلان اليساريان عبرا أكثر من مرة عن الامتنان والشكر لإيران لما قدمته و تقدمه من إسناد ودعم واحتضان للمقاومة بجميع فضائلها دون تمييز أو تحيز، ولا زالت إلى الآن تواصل هذا الدعم نصرة للثورة ولطوفانها الأقصى.