الرأي

إحراق القرآن من منظور حقوق الإنسان

عبد الإله إصباح 

أثار إقدام سويدي من أصل عراقيى على إحراق نسخة من القرآن بترخيص من القضاء ردود فعل شعبية في أغلب الدول الإسلامية تمثلت في مظاهرات حاشدة تم في بعضها إحراق العلم السويدي. كما أصدرت مجموعة من الدول العربية والإسلامية بيانات تندد فيها بهذا الفعل المتطرف، ومنها من استدعت ممثلها الديبلوماسي للتشاور أو استدعت سفير السويد لإبلاغه احتجاجا شديد اللهجة.

وقد أكدت الحكومة السويدية أن هذا الفعل غير مقبول وإن كان قانونيا، كما أن الشرطة السويدية لم ترخص لذلك الشخص عندما طلب ذلك، فتوجه إلى القضاء الذي رخص له

والذي يهمنا هنا، هو النظر إلى هذا الفعل من منظور حقوق الإنسان، بمعنى هل ما أقدم عليه ذلك الشخص يندرج ضمن الحقوق التي نصت عليها المواثيق الدولية في هذا الصدد. من المعلوم أن هذه المواثيق أكدت على حق كل شخص في حرية الفكر والوجدان والدين، ويشمل هذا الحق حريته في تغيير دينه أو معتقده، وحريته في إظهار دينه أو معتقده بالتعبد وإقامة الشعائر والممارسة والتعليم بمفرده  أو مع جماعة وأمام الملأ أو على حدة (المادة 18 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان)

كما أن المادة 19 من نفس الإعلان نصت على أنه ” لكل شخص حق التمتع بحرية الرأي والتعبير ويشمل هذا الحق حريته في اعتناق الآراء دون مضايقة، وفي التماس الأنباء والأفكار وتلقيها ونقلها إلى الآخرين ، بأية وسيلة ودونما اعتبار للحدود.”

فهل إحراق نسخة من المصحف تندرج ضمن هذه الحقوق؟ ،لنلاحظ أن المادتين معا لم تتم الإشارة فيهما إلى حق اي شخص في إظهار كراهية أي دين اومعتقد والتعبير عن تلك الكراهية. واضح أن الشخص السويدي عبر عن كراهية واضحة ضد الإسلام والمسلمين، بل عبر عن ذلك بعنف رمزي بارز هو الإحراق. وفعله ذاك لا يتضمن فقط التعبير عن الكراهية، بل أيضا التحريض عليها والتحريض على العنف. فكيف للقاضي الذي رخص لم يلمس كل هذا في إرادة الإحراق التي طلب منه الترخيص  لتجسيدها فعليا وأمام الملأ  وأمام كاميرات القنوات التلفزية العالمية؟ قد يكون لذلك احتمالان، إما أن القاضي غير مستوعب جيدا لمبادئ الشرعة الدولية لحقوق الإنسان، أو أن له توجهات يمينية متطرفة عبر عنها  من خلال ترخيصه، والاحتمال الثاني في نظرنا هو الأرجح.

إن الجوهر الأخلاقي لمبادئ الشرعة الدولية هو نبذ الكراهية والعنف والعنصرية، لآن هدفها الأسمى هو حماية العيش المشترك وترسيخ الاعتراف المتبادل بين الأفراد والشعوب حفاظا على السلم العالمي وتجنب النزاعات والحروب المدمرة. والمادة 20 من العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية واضحة في هذا الشأن، ففي بندها الثاني نصت على ما يلي: ” تحظر بالقانون أي دعوة إلى الكراهية القومية أو العنصرية أو الدينية وتشكل تحريضا على التمييز أو العداوة او العنف “

يتضح إذن أن العنف الرمزي الذي أقدم عليه ذلك الشخص لا علاقة له بأي حق من حقوق الإنسان، بل إنه يناهضها و يناقضها تماما، كما أنه يهدد السلم الأهلي بالسويد بل وقد  يؤدي إلى نشوب  فتن  ونزاعات دينية وطائفية في العديد من البلدان، والترخيص له إذا افترضنا حسن النية ينطوي على سوء تقدير  أرعن وعلى الافتقار إلى حس سياسي   يضع في الاعتبار وزن المشاعر الدينية في العلاقات الدولية

ومع كل ذلك، يبقى أحسن رد فعل إزاء مثل هذه الممارسات هو اللامبالاة والتجاهل، لآن من يقدمون عليها يكون هدفهم هو تحقيق قدر من الاستفزاز وبث مشاعر الحقد والكراهية، و زرع بذور الفتن والانقسامات داخل المجتمعات. وهي ممارسات قد تستمر ولا تتوقف، وقد تلجأ إليها أجهزة استخبارات الدول الاستعمارية لتنفيذ أجندتها السياسية وبسط هيمنتها من خلال النفخ في المشاعر الطائفية وتفجير الحروب الأهلية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى