أيوب داهي يكتب: ” التناقض المركزي داخل النسق السياسي المغربي”
ان تحميل المؤسسة الملكية مسؤولية الاوضاع الاقتصادية و الاجتماعية عجز عن خوض الصراع الايديولوجي
لوسات أنفو : أيوب داهي
لا أعتقد أنه سيكون من باب المزايدة و لا من باب التحامل مع وجود مؤشرات بأبعاد متعددة لا يمكن تغطية شمسها بغربال, القول أن أحد أبرز عناوين الازمة المركبة التي تعيشها بلادنا تتحمل وزرها المنظومة الحزبية القائمة برمتها , التي غذت عاجزة على الاضطلاع بأدوارها في انتاج الافكار و تعبئة المجتمع بزخم الخطاب و المساهمة في تدبير الشأن العام عن طريق بلورة البرامج و تنزيل المشاريع, بل و التخلي في أحايين كثيرة عن صلاحيات و اختصاصات يضمنها لها القانون و الدستور . في نفس الوقت الذي لا يخفي فيه طيف واسع من المثقفين و المفكرين و الصحافيين المغاربة المهتمين بالشأن السياسي الوطني و جزء هام من المجتمع المدني و مناضلي الحركات الاجتماعية احباطهم و استيائهم للنفق الذي آلت اليه الممارسة الحزبية في المغرب, لدرجة ان هناك من يذهب أبعد ليخلص ان المؤسسة الحزبية المغربية هي أسوء مؤسسة موجودة على الاطلاق.
تتحمل الدولة طبعا عبر وزارة الداخلية الجزء الاوفر في اضعاف الفاعل الحزبي الاصيل, مرة بقمعه و اضطهاده و اخرى باحتوائه و اغرائه و في مناسبات عدة بشيطنته و تحييده و عزله. هدفها من هذا كله خنق اي تصور سياسي منظم يمكن ان ينبثق بشكل مستقل عن ارادة الدولة و يشكل اطروحة بديلة لأطروحة الاجماع ونظرية الثوابت.
هذه الاسطر هي محاولة أخرى تبتغي العثور على الخيوط التي ستنتظم لكي تؤدي للجواب على سؤال الانتقال الديموقراطي المنتظر, حيث تهدف الى تدقيق لأهم فاعلي اللوحة السياسية المغربية و درجة تأثير كل فاعل على حدى و مدى امكانات مساهمته في عملية الانتقال الديموقراطي.
تفترض مقدمة هذا النص ”موتا اكلينيكيا لمؤسسة الحزب” و اكتفاء هذه المؤسسة بلعب أدوار ثانوية اما تنفيذية عندما تكون جزءا من الحكومة او عندما يناط اليها دور ”المعارضة” الشكلية حسب الطلب و الحاجة. و منه فلن يكون من باب الاحكام المسبقة جزمنا القول ان كل الاحزاب التي تعاقبت على تشكيل الاغلبيات الحكومية منذ اول حكومة او تلك التي تحظى بفرق برلمانية و ترتدي ثوب المعارضة هي جزء من الدولة تستعملها كقنوات تمرر عبرها مخططاتها.
مؤسسة الحزب اذا تعي جيدا مهامها و أدوارها , هي موجودة لتنفذ برامج و مشاريع المؤسسة الملكية او مساعدتها في ذلك من جهة , و من جهة اخرى لتنتصب شماعة يعلق عليها فشل تنزيل البرامج و المخططات التنموية.
مركزية المؤسسة الملكية داخل الحقل السياسي المغربي هي خلاصة لا غبار عليها, هي الفاعل الاول و الاساسي, هي عصب الحياة السياسية و محركها, أما جوقة الاحزاب المتحلقة حولها فهي مجرد كومبارسات و أبراج مراقبة يُضبط بها ايقاع اللعب السياسي و أذرع تُسوَقُ من خلالها واجهة ديموقراطية مفترضة.
الفاعل السياسي الثاني من حيث التأثير هو الفاعل ” الاسلامي” و خاصة جماعة العدل و الاحسان , يقاس ذلك بقدرتها الكبيرة على تحريك الشارع, و يتحدد بشكل ملحوظ فشل او نجاح عدد من النضالات الشعبية بمدى التزام او عدم التزام الجماعة داخلها.
الى هنا تبدو الصورة شبه مكتملة, فحقلنا السياسي يقتسمه من حيث التأثير لكن بدرجات متفاوتة فاعلان اثنان, هما النظام السياسي بترسانته الحزبية و المدنية و الاعلامية و الاسلاميين و على رأسهم جماعة العدل و الاحسان و من هنا نستنتج الصراع الوجودي الذي تخوضه الدولة اتجاه تيارات الاسلام السياسي عموما.
هناك تيار سياسي ثالث هامشي و اقل تأثيرا , نعم انه يسار ” الشارع” هذا اليسار ينقسم بدوره الى معسكرين, معسكر أول يمني النفس و متعطش للالتحاق بتشكيلة المخزن, يقدم ما يكفي من الضمانات لذلك, فهو يحاصر نفسه و يرفض ان يتمدد رغم الامكانات التي يتوفر عليها و الرصيد النضالي التاريخي الذي راكمه. و هنا دعوة صادقة لمناضلي هذا اليسار الشرفاء و خاصة شبابه لبذل جهد مضاعف من اجل اعادة هذا اليسار الى رشده و سكته الصحيحة وهذا أملي شخصيا خاصة و انا اعرف طينة مناضلي هذا اليسار في القواعد و الكم الهائل من المناضلين المبعدين و المضطهدين و انني اذ انتهز هذه الفرصة لأحذر قيادته من مغبة الانحراف عن خطه و ندعوها للعن ”الشيطان الرجيم” و العودة لأحضان الشعب و الجماهير و النضال الديموقراطي.
أما المعسكر الثاني من يسار ”الشارع” فهو المتعلق بتلابيب الاسلاميين الحالم بموطئ قدم في مشهد سياسي جديد ممكن قد يأتي بهذا التيار للسلطة , خصوصا مع التحولات السريعة التي تشهدها المنطقة.
للخروج من هذا المأزق و حتى لا يبقى هذا اليسار هامشيا و لاعبا احتياطيا, فأرى ان ليس له من حل آخر الا الانتظام في جبهة سياسية بعد ان استحال سيناريو الوحدة, جبهة منخرطة و داعمة لكل أشكال الحراكات الاجتماعية و الشعبية, بهذا فقط سيصبح هو الاخر احد اطراف التناقض داخل النسق السياسي المغربي.
هذا التقسيم يضعنا أمام خريطة سياسية تتضح أكثر فأكثر , فتواري الفاعل الحكومي و اختبائه وراء ما يسميه تارة ”تنفيذ التوجيهات الملكية” و تارة اخرى ”برنامجي هو خطب جلالة الملك” و تعاظم قوة و تأثير المؤسسة الملكية معتمدة على صلاحياتها الدستورية و شرعيتها الدينية و التاريخية, , كلها عوامل تضع المؤسسة الملكية في واجهة الحياة السياسية-ربما بدون ارادة منها- و من جهة اخرى فان تشظي قوى المعارضة السياسية و استقطابها الذي ما فتئ يتعمق يدفع بالحركات الاجتماعية هي الاخرى الى واجهة النضال السياسي لتملئ فراغ هذه الهيئات. هذا التقسيم يمنح فرصة تحديد دقيق لطبيعة التناقض المركزي الذي يخترق التشكيلة السياسية المغربية. فالواضح الان و اعتمادا على ما سبق و بعد ان سيطرنا على المشهد حتى نقفز على كل تشويش يمكن ان يضبب الصورة, ان التناقض المركزي داخل النسق السياسي المغربي هو بين ”النسق المتحكم في الدولة” و بين ” الاحزاب و التنظيمات المنخرطة في الحركات الاجتماعية” و حل هذا التناقض هو بلوغ نظام الملكية البرلمانية المطلب الذي ننتظره منذ فجر الاستقلال. علما أن الملكية التنفيذية أكدت نفسها في السياق الذي نتحدث عنه مضطرة لملء الموقع الشاغر الذي تَشّكَل بعد انسحاب الأحزاب من أداء دورها، و تحول مهمتها الوحيدة إلى ترقب الفعل الملكي لكي تصفق له، مدركة أن ذلك هو الفعل السياسي الجوهري المنتظر منها.
ان تحميل المؤسسة الملكية باعتبارها ”أم” المؤسسات في المغرب مسؤولية أوضاع البلاد الاقتصادية و الاجتماعية هو شكل من أشكال الترف الفكري و نوع من العجز على خوض الصراع الايديولوجي داخل المجتمع, هذا الاخير الذي يدرك و لو حسيا أهمية هذه المؤسسة في استقرار البلد و الطامح لتحول سياسي عميق –ولو بوعي حسي – و باقل كلفة ممكنة يحتفظ للملكية بمكانتها الاعتبارية و يعطي للشعب السيادة و الحق في انتخاب مسؤوليه و محاسبتهم. ان توحيد النضال و الجهود خدمة لهذا الطرح هو في نظري الكفيل بنقل البلد نحو الديموقراطية السياسية و حكم المؤسسات.
ان استحضار مركزية الحركات الاجتماعية في المسار الذي يفصلنا عن الوصول لنظام الملكية البرلمانية هو محدد نجاح او فشل هذه المهمة, لان هذه الحراكات الشعبية في نظري و التي لا تعترف بأي حمولات ايديولوجية هي لوحدها قادرة على دمج كل تيارات المجتمع الفكرية و السياسية و هو الشرط الذي بدونه لا يمكن أبدا التقدم في انجاز هذه المهمة ,و ايضا لان هذه الحركات هي الاكثر قدرة على استنهاض همم الناس و حثهم على ضرورة البحث عن المشترك من اجل تحقيق المنشود , لان من يقودها غالبا ما يكونون وجوه تغيب عنها الحسابات السياسية الضيقة و تتمتع بالمصداقية و يغلب عليها هم البناء الوطني وتحقيق المنفعة العامة, في حين ينحصر دور الهيئات السياسية في مهمة التأطير و تسقيف المطالب و تسيسها و مباشرة المفاوضات مع المؤسسة الحاكمة, من أجل انتقال سياسي حقيقي سلس نستحق من خلاله و فقط لقب ” الاستثناء المغربي”.