الحكاية اسمها مكان

أيت وعزيق : عودة إلى ما قبل التاريخ

نقوش على الصخور المسطحة عمرها يصل إلى 7000 سنة تدعونا إلى التفكير بجدية في قضية الماء

يوسف أزوركي

وقفت أمام نقوش صخرية تعود إلى الاف السنين، أتمعن وأتأمل في عالم الأسلاف بأدق تفاصيله، نقوش تروي قصصا من حياة مضت، هنا بايت وعزيق، حيث كانت الأرض مزدهرة وتغمرها الأنهار والحياة، والفيلة والزرافات تسكن المروج الخضراء، اليوم تحيط بهذه النقوش أرض جافة وشديدة التصحر، تعاني من أثر التغير المناخي، لم يصمد غير هذه النقوش كوثائق بصرية، احتفظت بها صلابة الصخور عبر الزمن، لتظل شاهدة على الماضي السحيق للمنطقة، تذكرنا بما فقدناه من جمال الحياة.


إلى متحف مفتوح
بينما كنت أعبر الصحاري في طريق غير معبدة بطول 14 كيلومترا في اتجاه أيت واعزيق، انطلاقا من الطريق الوطنية رقم 12 عبر دوار إسدوان على بعد 8 كيلومترات من تزارين في اتجاه تغبالت زاكورة، متعرجا بين الأخاديد، لم أكن أرى حولي سوى مظاهر القحط والجفاف، الرياح الحارة كانت تلفح وجهي، كل ما يحيط بي يحيل على التصحر القاسي، عندما وصلت إلى الموقع حيث تنتشر النقوش على الصخور المسطحة التي تغطي مساحة شاسعة، محولة المكان إلى متحف مفتوح يعرض إرثا تاريخيا فريدا. تشكل هذه النقوش كنزا أثريا ثمينا يتيح لنا رحلة عبر الزمن، تأخذنا إلى ماض بعيد، تبرز فيه حياة ماضية من خلال تفاصيل فنية مدهشة.
ماضي حي وحاضر صعب
قبل أن أستعرض النقوش الصخرية تبادلت أطراف الحديث مع الحارس والمرشد الذي كلفته وزارة الثقافة بحراسة المكان، بعد أن ناولني شربة ماء باردة في هذا الجو الحار، سألته السؤال الذي يتردد على ألسنة سكان الجنوب الشرقي للمغرب حاليا ”هل لا يزال هنا ماء للشرب؟“ رد المرشد بحزن، مؤكدا على أن موارد المياه أصبحت شحيحة للغاية، وأن سكان المناطق المجاورة يواجهون صعوبة في تأمين مياه الشرب، وانطلقنا لنتفحص وندقق في هذه النقوش التي تعود إلى ما قبل التاريخ، والتي تعيدها الدراسات إلى العصر الحجري الحديث، وتحديدا بين 7000 و3000 سنة قبل الميلاد، كأننا نتجول في غابات السافانا، حيث نرى زرافة هنا، وفيل هناك، ووحيد القرن في النهر يستحم، صور تبقى شاهدا حيا على ماض مزدهر يتناقض بشكل صارخ مع واقع اليوم الذي يعاني القحط والتصحر.


تحدي البقاء
كلما تأملت هذه النقوش التي تعكس زمنا كان فيه هذا المكان مغطى بالغابات وتفيض بالموارد، حيث كانت الحياة البرية تعج بأنواع متعددة من الحيوانات الكبيرة، لكن الزمن لا يرحم. اليوم تكافح هذه الفيافي قسوة التصحر والتغير المناخي الذي أفرز واقعا قاحلا، لم تعد فيه ندرة المياه تهدد فقط الحيوانات الكبيرة التي رحلت، أو الغابات التي اختفت، بل أصبحت تهدد حياة السكان الذين لم يعد اهتمامهم يتجاوز مشكل الماء الشروب. هذا التباين الحاد يبرز الحاجة الملحة لإيجاد حلول مبتكرة وفعالة لمواجهات التحديات البيئية الحالية وتحولاتها المستقبلية.


إن كل لحظة من التأمل في هذه النقوش التي ظلت شاهدا حيا على ماض زاهر كان فيه الماء وفيرا، تذكرنا بأهمية حماية إرثنا الطبيعي ومواجهة التحديات البيئية بكل جدية، وتدعونا في الوقت ذاته للتفكير بجدية في الحاضر والمستقبل، والتحرك بشكل عاجل لحماية الماء كأحد أساسيات الحياة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى