أمين معلوف الأمين الدائم للأكاديمية الفرنسية: سيرة كاتب ربط بين الشرق والغرب بالرواية
لوسات أنفو: عادل أيت واعزيز
“إن المرء في بلده الأم يولد مُحباً للترحال ومتعدد اللغات، والعائلة هي من تؤسس «الهوية الشتاتية» لأبناء جلدته الذين يتركون مثله لبنان ليشقوا طريقهم حول العالم.” هكذا كتب أمين معلوف (74عاما) وهكذا عاش، من بيروت التي ازداد فيها سنة 1949م، إلى الإقامة في باريس منذ سنة 1976م، وبعد اندلاع الحرب الأهلية اللبنانية عام 1975م. واستقر هناك ليمد جسور الغرب والشرق بالشعر والروايات والسياسة والمسرح. وبعد أن خاض تجربة صحافية على منوال والده، أبرزته فيها دراساته لعلم الاجتماع والاقتصاد.
وعلى خطى والده، رشدي المعلوف، الكاتب والصحافي والرسام البارز، وعلى طريق الأدباء اللبنانيين المتكلمين بالفرنسية من قبيل؛ نادية تويني وصلاح ستيتية وشارل قرم… يطرق أمين معلوف أبواب الأدب، ودخلها بروايات تستلهم التاريخ الشرقي وثقافته، وبلغة سردية يقتحم فيها مفاهيم الآخر والهوية والمنفى والوطن والترحال والاختلاف، فكتب في الرواية أعمال عديدة من بينها «Leon l’Africain» (ليون الأفريقي) عام 1986، «Samarcande» (سمرقند) عام 1988، «رحلة بالداسار» عام 2000، «Nos freres inattendus» (إخوتنا الغرباء) سنة 2020، حدائق النور ( Les jardins de lumière) عام 1991، موانئ المشرق ( Les Échelles du Levant)، رحلة بالداسار( Le Périple de Baldassare)، صخرة طانيوس (Le Rocher de Tanios)، الهويات القاتلة (Les Identités meurtrières)، غرق الحضارات ( Le naufrage des civilisations) .. وأعمال روائية أخرى عديدة.
في مقابل الرواية، ألَّف معلوف مؤلفات في الفن والسياسة والتاريخ نذكر منها؛ «Les Croisades vues par les Arabes» (الحروب الصليبية كما رآها العرب) عام 1983، و«Les Echelles du Levant» (موانئ المشرق) سنة 1996، «Les Identités meurtrières» (الهويات القاتلة) سنة 1998، «Le Dérèglement du monde» (اختلال العالم) عام 2009، «Un fauteuil sur la Seine» (مقعد على ضفاف السين) عام 2016، حيث يروي حياة الأكاديميين الـ18 الذين سبقوه إلى الكرسي التاسع والعشرين (رقم مقعده في الأكاديمية الفرنسية) منذ عام 1635. كما ألف نصوصا في الأوبرا، أحدها «L’Amour de loin» (الحب عن بعد) في مهرجان سالزبورغ سنة 2000 للفنلندية كايا سارياهو.
بدأ أمين معلوف نشاط الصحافي بجريدة النهار بعد تخرجه، وغطى أحداثا عالمية كبرى، كحرب الفيتنام وسقوط النظام الملكي في إثيوبيا. أما حين حط رحاله بفرنسا فقد عمل مع مجلة إيكونوميا الاقتصادية، قبل أن نضم إلى المجلة الأسبوعية «Jeune Afrique» («جون أفريك» أو «أفريقيا الشابة») الأسبوعية التي أصبح فيما بعد رئيس تحريرها.
كأي كاتب بعيد ومغترب عن بلده الأم، فإنه ظل يستحضر لبنان في كتاباته، فكان لها مكان في رواية «صخرة طانيوس»، كاتبا: «لم أبتعد يوماً عن لبنان، بل بلدي هو الذي ابتعد عني». وهي الرواية التي حصل بفضلها أمين عن جائزة غونكور الأدبية المرموقة عام 1993. وليست الجائزة الأولى التي يحظى بها أو التكريم الوحيد الذي كُرم به، بل نال جائزة الصداقة الفرنسية العربية لعام 1986 عن روايته “ليون الإفريقي”، ثم نيشان الاستحقاق الوطني من رتبة ضابط عام 2003، وفي سنة 2010 حاز على جائزة أمير اوسترياس (أوشتوريس) الإسبانية للأدب، وبعدها بثلاث سنوات وشح بوسام الأرز الوطني اللبناني ونيشان الاستحقاق الوطني من رتبة قائد، كما أضاف لرصيده عام 2016 جائزة الشيخ زايد للكتاب عن «شخصية العام الثقافية»، وفي بدايات سنة 2020 قلده ايمانويل ماكرون وسام الاستحقاق الوطني تقديرا لانجازاته في عالم الأدب.
يعيش أمين معلوف داخل هويتين متغيرتين، ففي عام 1993 التي عاد فيها للبنان بعد غياب استمر عشر سنوات دون قائلا: «لا أحاول أن أعرف إلى أي بلد أنتمي، فأنا أعيش هذه الجنسية المزدوجة، اللبنانية والفرنسية، بطريقة متناغمة». وهو الذي حصد عدة شهادات أكاديمية، كالدكتوراة الفخرية من جامعة لوفان الكاثوليكية ببلجيكا، وشهادة من الجامعة الأميركية في بيروت، ومن جامعة روفيرا إي فيرجيلي الإسبانية، ومن جامعة إيفورا البرتغالية. وقبل أن يتم انتخابه يوم أمس الخميس 28سبتمبر 2023 أميناً دائماً جديداً للأكاديمية الفرنسية، كان معلوف أول كاتب لبناني والعربي الثاني بعد الكاتبة اسيا جبار، الذي يحصل على عضوية الأكاديمية منذ سنة 2011. ليس هذا فحسب بل، شغل المقعد رقم 29 الذي كان يشغله في السابق عالم الأنثروبولوجي والمفكر الفرنسي كلود ليڤي-ستروس.
وفي محفل انتخابه عضوا بالأكاديمية، نقتبس من خطابه فقرة مبتسمة لهذا الكاتب الإنساني يقول: «منذ 25 عامًا مضت وقفت تحت هذه القبّة للمرّة الأولى. كنت قد أصدرت رواية للتوّ. قلّدتموني جائزة، دعوتموني، أنا وغيري من الفائزين، إلى الاجتماع السنوي العام. الاجتماع كان يرأسه كلود ليفي شتراوس. وأنا طالب في العلوم الاجتماعية في بيروت قرأت له «من العسل إلى الرماد». لقد كان بالنسبة إليّ، كما بالنسبة إلى كلّ أبناء جيلي، كاتبًا رمزيًا. عندما سمعته يُعلن اسمي وعنوان روايتي كنت أُحلّق فوق غيمة. لم أكن أنتظر أكثر من ذلك. وطبعاً، لم أنتظر أن أقف هنا وسطكم ألقي خطابي وأرثيه».
وفي هذا الخطاب من سنة 2012 توجه إليه جان كريستوف روفان، صديقه وزميله لحظة استقباله قائلا “أنت بالفعل رجل ذو لباقة خالصة وتظهر لديك في كل مناسبة علامات التقدير الكبير لجميع من تخاطبه”. وهو نفسه الخطاب الذي لم تغيره الظروف، ليتوجه إليه مجددا صديقه روفان، هذه المرة كمنافس له في انتخابات رئاسة الأكاديمية، وبعد فوز معلوف، قال له: ”كل أعمالك، كل أفكارك، كل شخصيتك، هي جسر بين عالمين… يحمل كل منهما نصيبه من الجرائم، ولكن أيضاً من القيم. هذه القيم هي التي تريد توحيدها». وتوالت تعليقات الكتاب والأدباء التي تحتفي بتربع أمين أمينا للأكاديمية، وأحدهم الكاتب المغربي الطاهر بن جلون الذي صرح لقناة فرانس 24:”أمين إنسان محترم جدا، وله سمعة رجل طيب ومتسالم، وهذا ساهم في اختياره، صحيح أننا فرونكفونيين لكن العمق والروح التي نكتب بها هي من لبنان والمغرب، أمين معلوف إنسان مسؤول عن أعماله، ويلح على أن يكون الانسان مناضلا من أجل السلام والحرية.”
يقضى أمين معلوف إقامتين، الأولى في باريس والثانية في جزيرة يو في منطقة فانديه الفرنسية، وهو أب لثلاثة أبناء، وعمّ عازف الترومبيت إبراهيم معلوف، وتميز مشروعه الأدبي سبره لأغوار التاريخ الإنساني، ووضع أنظاره في «الهوية الثقافية لحوض البحر الأبيض المتوسط». واكتشف أن هناك دوما شيئا مشتركا ضمن اختلاف الحضارات، وحركة التاريخ تجعل من كل حضارة وحضارة ساعية للسير على الدرب نفسه.