أحمد التوفيق والعلمانية
عبد الإله إصباح
صرح أحمد التوفيق في البرلمان أنه في لقائه مع وزير الداخلية الفرنسي في سياق زيارة الرئيس الفرنسي للمغرب، قال له الوزير ما معناه: ” أنكم مرتبكون إزاء العلمانية ” فرد عليه التوفيق ” المغرب بلد علماني” . طبعا أثار هذا التصريح موجة من ردود الفعل المتباينة بين مستنكر و مرحب بهذا التصريح. وما يثير الاستغراب حقا هو أن يصدر ذلك من الوزير، إذ لم يسبق له أن دافع عن العلمانية، وليس معروفا عنه أنه صاحب مواقف يدافع عنها بشجاعة وبجرأة، خاصة منذ أن تولى حقيبة الأوقاف منذ ما يناهز عقدين. فهو على هذا المستوى وزير يرغب في الحفاظ على منصبه ولن يصدر عنه ما قد يؤدي إلى إعفائه أو إغضاب الجهات العليا بتصريح غير محسوب العواقب. فهو إذن أدلى بذلك التصريح بعد أن تلقى الإشارة لفعل ذلك ولكتابة رسالة يرد فيها على بنكيران الذي استهجن تصريحه في تجمع حزبي. أحمد التوفيق لا يملك شجاعة التصرف من وحي ذاته وأفكاره، فهو دائما يبدو مرتبكا ومرتعدا أمام الملك ويبالغ في التضاؤل والانحناء أمامه وغالب الظن أن من أوحى له بأن يفعل ما فعله أراد أن يفعل النظرية الانقسامية كنهج في تدبير الحقل السياسي يتيح للملكية أن تظهر دوما بمظهر المؤسسة التي تحمي الوحدة وتحافظ على التوازنات وتقي من الفتن والانقسامات، فهذا الدور هو إحدى أسس شرعيتها الي تعمل دوما على إحيائه وإبرازه في العديد من المحطات والمناسبات.
حديث أحمد التوفيق عن العلمانية ورسالته في الرد على بنكيران يندرجان ضمن غايات محددة ليس من بينها الدفاع عن تصور حداثي للمجتمع، خاصة وأن الوزير لا يدخر جهدا في التنظير للمنظور المحافظ للدولة من خلال افتتاحياته للدروس الحسنية في رمضان، ففي أحدى هذه الدروس راح يدافع عن البيعة وسعى أن يجد لها مرتكزا في الفكر السياسي الحديث والمعاصر من خلال ادعائه أن مفهوم العقد الاجتماعي لجان جاك روسو يتطابق مع مدلول البيعة كما عرفت في التجربة الإسلامية مع الرسول من خلال بيعة الرضوان أو كما مورست وتمارس إلى الآن في التجربة المغربية، فهو لا يحمر له جبين من خلال هكذا تأويلات متعسفة تضرب عرض الحائط أدنى مرتكزات التحليل العلمي والمعرفة التاريخية، في سبيل أن يرضي السلطة و ترضى عنه هذه السلطة.
إن التوفيق يتنكر تماما لوظيفة المثقف، عندما ينغمس في التبرير والسعي لتكريس الأبعاد والمظاهر الأكثر محافظة في الدولة، فهو يتخلى عن وظيفة النقد التي بدونها لا يستحق أي مثقف لقبه، ويتحول إلى مجرد عضو في جهاز الدولة الإعلامي والإيديولوجي. والتوفيق يصر على إخبارنا بوظيفته بدقة عندما يرى نفسه مجرد خديم، فهو يستهل كل خطاب منه إلى الملك بعبارة ” يتشرف خديمكم يا مولاي” مستخدما عبارات وألفاظ تمتح من حقل الآداب السلطانية وفقه الإجماع والجماعة، بل إنه لم يتردد في توظيف مثل هذا المعجم في إدانته لناصر الزفزافي إثر مقاطعته لخطيب إحدى المساجد أثناء حراك الريف، ففي بلاغ له اعتبر أن الزفزافي “خرج عن الجماعة وأفسد الجمعة” محرضا ضده بمثل هذه التهم الثقيلة.
على أن حديث التوفيق عن العلمانية خلا من أي إحالة على أس من أسسها المثمثل في الديمقراطية، فكيف يستقيم الحديث عن العلمانية في تغييب تام للديمقراطية، ” علمانية التوفيق إذن علمانية بتراء
ليس له من هدف في إثارتها سوى الالتفاف على مضمونها الحقيقي وإفراغها من محتواها الدقيق كما جري مع مفاهيم أخرى كمفهوم الديمقراطية نفسه والمجتمع الديمقراطي الحداثي وغيرها من المفاهيم التي تصبح من كثرة استهلاكها إعلاميا مبتذلة وفارغة من المضمون ومنفصلة عن خلفيتها وسياقها الفكري والتاريخي.