الحوار

هشام نوستيك: الأديان إرث قديم وخطير لم نعد في حاجة إليه

عالمنا المتخلف هو مجرد تراشق بالأحذية وخدمة أجندات أيديولوجية

لوسات أنفو

حاوره؛ إلياس أبو الرجاء/عادل أيت واعزيز 

 

مسلم جهادي سابق، من مواليد مدينة القنيطرة بالمغرب، تأثر بالجماعات الإسلامية، وحط رحاله بألمانيا خلال حرب البوسنة والهرسك. هو هشام نوستيك، الحاصل على الماجستير في اللسانيات، و المعروف سابقا بـ”كافر مغربي”، ناقد أديان، وصانع محتوى، تخلى عن الديانة الإسلامية بعد انفتاحه على أفكار جديدة. بصم هشام نوستيك الذي يقطن الآن في كندا بمونتريال، بصمته في مواقع التواصل الإجتماعي، حيث أنتج العديد من الأعمال والبرامج الفنية التعليمية والصحية، وبرامج أخرى ذات طابع ساخر ينتقد فيها الأديان، يقوم بنشرها على حساباته بمواقع التواصل الإجتماعي. كما خاض نوستيك مناضرات مع ثلة من المتدينين وشيوخ الإسلام. ويُعِد برنامجا حواريا: “حوارات هشام” يستضيف فيه مختلف الأشخاص من توجهات متعددة.

لم يكتفي هشام بعالم الشاشة، بل واصل في مشاركة آرائه وأفكاره وحياته في عالم الورق أيضا، حيث أصدر مجموعة مؤلفات كلها بالدارجة المغربية أولها؛ مذكرات كافر مغربي، حوار مع المسلم لي ساكن فيا، العدمية البراغامتية. وهي كلها أعمال حطمت أرقاما قياسية في المعرض الدولي للنشر والكتاب بالرباط من حيث عدد القراء المقبلين عليها.

في هذا الحوار، نقترب من حياة هشام نوستيك، لنتعرف على مساره أكثر، وعلى أفكاره وآرائه في الفكر والدين والسياسة والمجتمع والإنسان.

س؛ عشت طفولة متقلبة بمدينة القنيطرة، بين وفاة الأب والأم وظروف أخرى. هل لك أن تحدثنا قليلا عن طفولتك؟

طفولتي الصعبة تتشابه بتلك التي عاشها الكثير من أبناء الأحياء الشعبية الفقيرة. بعد وفاة الوالدين احتضنتني أختي التي أدّت دور الأب والأم في آن واحد، استطعت على الرغْم من الظروف القاسية متابعة دراستي والحصول على البكالوريا. تأثرت في مرحلة الطفولة والشباب بالجماعات الإسلامية، خاصة جماعة العدل والإحسان التي كان أعضاؤها يجتهدون في استقطاب صغار السن. الجماعة، بالرغم من كل مساوئها، كان لها الفضل في ابتعادي عن الكثير من الأخطار كالمخدرات وعالم الإجرام.

س؛ حينما سافرت لألمانيا، تصادفت مع حرب البوسنة والهرسك سنة 1992، كما انتميت لإحدى الحركات الجهادية بعد أن تشبعت بأفكارها. ما الدواعي التي كانت وراء التحاقك بها وما هو الدور الذي كنت تقوم به؟

عندما وصلت لألمانيا كان المسجد هو الملجأ، قطنت فيه مدة طويلة تعرفت خلالها على مجموعة كبيرة من المجاهدين الذين كانوا يتخذون المسجد، بسبب موقعه الاستراتيجي، محطة مؤقتة في طريقهم للعبور إلى البوسنة، كنت صغير السن فتأثرت بالجو الجهادي الذي كان يخيم على المسجد. تلقنت جل ما أعرفه عن الإسلام في هذه الحقبة. ومع مرور الوقت، كلفت مسؤوليات أكبر، أصبحت مشرفا على المكتبة ثم مشاركًا في خطب الجمعة. حدثتني نفسي بالجهاد بشكل تلقائي، خاصة بعد استشهاد رفيقين كانا يسكنان معي في المسجد. مهمتي في البوسنة كان ظاهرها المساعدة الإنسانية من ملبس ومأكل، لكن باطنها كان جهادا قتاليا.

س؛ طالما اعتبرت المسيحية نقطة تحول في حياتك، وتخليت عن فكرة الأديان بعدها مباشرة بعد اطلاعك عليها. كيف ذلك؟

لم أترك الإسلام بعد اطلاعي على المسيحية. الذي حدث هو أن دراستي للمسيحية جعلتني أكثر انفتاحا على الفكر المخالف. المؤمن عنده انحياز تأكيدي لإيمانه. عند الاصطدام بمعلومات (حقيقية) تعارض مسلماته حينها يصبح أكثر اعتدالًا وتقبلا لاحتمال أن يكون مخطئًا.

س؛ بدأت بالظهور في مواقع التواصل الاجتماعي عبر مجموعة من اللقاءات والبرامج التي تطلقها في قناتك على اليوتيوب، والتي كنت تنتقد فيها الأديان بشكل ساخر. لما هذه الساركازم بالظبط؟

السخرية أداة نقد مشروعة وضرورية أحيانا. المقدس ليس منزهًا عن النقد وإلا سنحتاج لتكميم أفواهنا جميعا، فالمقدس عندي ليس مقدسًا عند الآخر، والعكس صحيح. أعدّ الأديان إرثًا قديمًا وخطيرًا لم نعد في حاجة إليه. هدفي من السخرية كان ولازال هو ألا يأخذ الإنسان الدين بجدية أكثر من اللازم ويصبح خطرا على نفسه ومحيطه.

س؛ ولكن ألن يعرض هذا حياتك للخطر، وهل سبق أن تعرضت لتهديدات مباشرة؟

نعم، أعلم ذلك. التهديدات كانت قوية في الماضي، لكنها اليوم تكاد تكون منعدمة. هذه إشارة إيجابية أننا في الطريق الصحيح.

س؛ انتقلت من السخرية إلى الجدية في برنامجك “حوارات هشام” الذي استضفت فيه شخصيات متنوعة. كيف استطعت أن تجمع بين كل هؤلاء الضيوف من مختلف الثقافات والتوجهات والأديان؟

نحن في أمس الحاجة لثقافة حوار حقيقية. للأسف جل ما يحدث في عالمنا “المتخلف” هو مجرد تراشق بالأحذية وخدمة أجندات أيديولوجية. أحاول بواسطة برنامج “حوارات هشام” أن أساهم في خلق جو سليم للحوار على الرغْم من الاختلاف. الهدف هو الإنصات للرأي المخالف سواء اتفقنا مع مضمونه أم لا، ليس بصراعات الديكة ترقى المجتمعات وإنما بمناقشة الأفكار.

س؛ لم تكتف بالعالم الرقمي، بل أصدرت مجموعة من المؤلفات، من ” مذكرات كافر مغربي” إلى ” حوار مع المسلم لي ساكن فيا” وصولا إلى “العدمية البراغماتية”، وهي كلها مزيج بين العربية الفصحى والدارجة المغربية. لما هذا المزج بين اللهجات، وكيف تلقى القارئ المغربي هذه الإصدارات؟

اللغة التي أستعملتها في الكتابة ليست مزيجًا بين الفصحى والدارجة، بل هي اللغة المغربية بعينها التي تحوي في طياتها كلمات عربية. استعملت كذلك كلمات فرنسية أصبحت كذلك جزءًا من لغتنا المغربية. لماذا المغربية وليس العربية الفصحى؟ لأنني أريد التواصل مع المغاربة بلغتنا الأم (بجانب الأمازيغية). إذا كان الهدف من الكتابة هو إيصال الأفكار بأفضل طريقة ممكنة، فمن المنطقي جدا الكتابة باللغة التي يتحدثها عامة المغاربة. هذا الإختيار تلقاه القارئ المغربي باستحسان كبير ظهر جليا في عدد النسخ التي بيعت.

س؛ في إصدارك الأخير ” العدمية البراغماتية” تحدث كثيرا عن فلسفة الحياة، بل وإنك جمعت بين مفهومين متباعدين. نريد أن نعرف ما الذي يقصده هشام نوستيك بالظبط بهذا المفهوم، ثم ألن يشكل لك الأمر ورطة معرفية واقتحاما لمجال كبير؟

لا أعتبر الفلسفة والتأمل الوجودي والوجداني مجالًا لا يمكن للبسطاء مثلي اقتحامه، الإنسان فيلسوف بطبعه وكلنا لنا الحق الكامل في التعبير عن أفكارنا عن الحياة. “العدمية البراغماتية” أداة وأسلوب حياة أكثر من كونها فكرة فلسفية. ضرورة البعد الفلسفي تبقى حبيسة القاعدة التي بنيت عليها هذا التوجه العملي. اؤمن بعدمية وعبثية الحياة، وجودنا لا معنى له، نقضي لحظة قصيرة فوق هذا الكوكب ثم نرحل وكأننا لم نكن. هذه حقيقة (في نظري)، لكن إن بقيت العدمية هي الأساس فسننتج جيوشا من البشر العدميين وسندمر الحضارة، لذلك نحتاج إلى توازن، إلى طريقة تجعلنا نتعامل مع بعبع العدمية، هنا يأتي دور البراغماتية. نعم الحياة ليس لها معنى لكن سنتعامل معها بنفعية. سنحاول أن نحصل على أكبر قدر من السعادة وأقل قدر من الشقاء. كيف ذلك؟ هذا ما يحاول الكتاب شرحه.

س؛ تعيش الآن في مونتريال بكندا، كبلد يتقلص فيه هامش التعصب، ويتوسع فيه مجال الحريات، كيف تنظر لواقع الحريات في البلدان الإسلامية، وبالخصوص المغرب؟

لم تعد كندا كذلك للأسف. بعد سيطرة “اليسار المخصي” على زمام الأمور، بدأ تكميم أفواه كل من يصبح ضد تيار اليسارية الجديدة. بخصوص المغرب، أظن أننا أفضل حالا من أغلب الدول الإسلامية. الطريق مازال طويلًا لكن هناك ضوء في نهاية النفق.

س؛ طالمَا نصحت الشباب المغربي بالهجرة. هل تعتقد أن المغرب لم ويوفر بعد لطاقاته ما يجعلهم يستقرون فيه؟

الذين أنصحهم بالهجرة هم من يئسوا من فرص تحسين العيش في المغرب. أما من له من الإمكانات والطاقات ما يسمح له من أن يساهم في بناء المغرب الذي نصبو إليه، فأملي هو أن يبقى في المغرب ويشارك في تنمية الوطن.

س؛ علاقة بالمغرب دائما، كنت من المطالبين بملكية برلمانية، لماذا في رأيك هذا النظام من الحكم دون غيره؟

كنت ولازلت أعتقد أن الملكية البرلمانية هي أنسب نظام حكم في المغرب. لا أقول الأفضل على الإطلاق، لكنها الأنسب لنا تاريخيا وجغرافيًا وسياسيًا. المعترضون على فكرة الملكية البرلمانية لم يقدموا إلى الآن أي أبدال جدية، بل كل ما يطالبون به لا يعدو أن يكون أحلام يقظة.

س؛ خاض نوستيك تجربتي زواج، بينما الآن أنت ضد فكرة الزواج، ما السبب في ذلك؟

ثلاث تجارِب (هههه)، أنا لست ضد فكرة الزواج، أنا ضد الزواج للأسباب الخاطئة. هناك من يحتاج للزواج من أجل استقراره النفسي وهناك من لا يحتاجه. لكن الأهم في كل هذا هو اختيار شريك الحياة المناسب بناء على معرفة جيدة لطبيعة الجنس الآخر، وكذلك دراسة سلبيات الإرتباط والإنجاب.

س؛ أطلقت على نفسك في البداية اسم كافر مغربي، والآن أصبحت تسمي نفسك هشام نوستيك. أين يمكن أن تصنف نفسك اليوم، ملحد أم ربوي أم لاأدري أم شيئا آخر؟

كنت ومازلت ملحدًا لا أدريا. لا أؤمن بالآلهة الشخصية، وفيها الإله الإبراهيمي، وأنا لا أدري فيمَا يخص أسباب الكون الربوبية. أظن أن هذا الموقف هو الأقرب للمنطق والعقلانية.

س؛ لكنك ترفض الظهور بوجهك الحقيقي، وهناك من يقول أنك لا تستطيع ذلك. ما رأيك حول الأمر؟

لا أظهر بوجهي الحقيقي لأسباب عائلية بعيدة كل البعد عما يروج له البعض. لا أدري صراحة لماذا هذا الاهتمام المبالغ فيه بمظهري؟ وكأن ظهوري سيغير مضمون ما أقوله صوتا. أو كما أقول مازحا، ظهوري لن يحول حديثًا صحيحًا إلى حديث ضعيف.

س؛ وهل من الممكن أن تظهر بوجهك الحقيقي في المستقبل؟

نعم، هي مسألة وقت فقط. بعد زوال أسباب الامتناع.

س؛ زرت مؤخرا المغرب وتجولت في عدد من مدنه. ألم تفكر أن هذا السفر قد يعرض حياتك للخطر؟

نعم، فكرت في ذلك وقمت بجميع الاحتياطات اللازمة. لكن الذي شجعني في نهاية الأمر هو ما لاحظته من زيادة نسبة تعايش المغاربة مع اللادينية واللادينيين.

س؛ كسؤال أخير. كيف تقيم وضعية الصحافة والإعلام بالمغرب؟

هناك أزمة صحافة وإعلام في العالم بأسره. تحول الصحفي اليوم مكرها إلى مروج لأخبار “البوز”، بل أكبر منصات الإعلام تحولت إلى أبواق أيديولوجية هدفها جمع المال. أصبحت الصحافة النزيهة التي تمثل بحق السلطة الرابعة عملة نادرة. المغرب، بالرغْم من كل الانفتاح والتميز مقارنة بدول الجوار، مازال لم يصل إلى المستوى الذي نطمح إليه جميعنا.

 

 

 

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى