الحدثوطني

محمد بنسعيد أيت ايدر…كبرياء المناضل وكرامة المواطن

عبد الإله إصباح

فقد المغرب برحيل المناضل اليساري الكبير محمد بنسعيد أيت ايدر قامة شامخة في النضال من أجل مغرب حر وديمقراطي يضمن لمواطنيه ومواطناته الكرامة والعيش الكريم.تتيح سيرة الرجل استخلاص مجموعة من الدروس والعبر المرتبطة بتاريخ المغرب المعاصر، هو الذي كان شاهدا على العديد من الأحداث والمنعطفات الحاسمة في هذا التاريخ. خبر الفقيد الكبير تجربة الكفاح المسلح ضد الاستعمار من موقع انخراطه في جيش التحرير، وأدرك مبكرا أن تصفية النهائية للاستعمار تقتضي  الابقاء على هذا الجيش فاعلا وعدم التفريط فيه لأنه يشكل الضمانة الوحيدة التي تجبر المستعمر على الرحيل مهزوما ومنكسرا، وقد كان هذا الجيش عازما على استكمال تحرير ما تبقى من التغور المغربية بالصحراء، إلا أن حسابات السلطة في نهاية الخمسينات كانت لها اولويات أخرى مرتبطة بتبيث ركائزها  وتحييد كل القوى للانفراد بالساحة السياسية وبسط هيمنتها  التامة دون منافس أو منازع. وقد سبق للفقيد الكبير أن اعتبر عمل السلطة على حل جيش التحرير  والحيلولة دون استكمال مهمته بطرد المستعمر الاسباني من الصحراء المغربية، هو المسؤول عما آل ملف الوحدة الترابية من تعقيدات ونزاعات مع أطراف إقليمية أخدت تنازع المغرب في سيادته على صحرائه ونتج عن ذلك أن قضية الصحراء التي لم تحسم بحرب التحرير الشعبية أصبحت معضلة تكلف الشعب المغربي  تضحيات جسام على حساب تنميته وتقدمه.

ومنذ بداية الاستقلال، اختار الفقيد الانحياز إلى صفوف الجماهير الكادحة، فكان من الطبيعي أن يعارض التوجهات اللاشعبية واللاديمقراطية للسلطة، فتعرض للقمع وأجبر على اللجوء إلى المنفى في الجزائر أولا ثم في فرنسا. وهناك أسس مع ثلة من المناضلين منظمة 23 مارس ذات التوجه الماركسي اللينيني و أشرف على الصحيفة الناطقة باسمها، و مكث في المنفى إلى أن عاد إلى المغرب  في بداية الثمانينات إثر عفو ملكي.

كان صوتا مزعجا باستماتته وعناده . لم يخضع للتدجين والترويض، ظل محافظا على اعتزازه بنفسه  و متشبتا بكبريائه.

وفور عودته باشر تأسيس الحزب السياسي المعروف بمنظمة العمل الديمقراطي الشعبي وشارك في الانتخابات البرلمانية سنة 1984، ومثل المنظمة في ذلك البرلمان المنبثق عن تلك الانتخابات. دافع في البرلمان عن قضايا الشعب وطالب مرارا بتصفية الاجواء السياسية بإطلاق سراح جميع المعتقلين السياسيين . كان البرلمان بالنسبة إليه واجهة نضالية يمكن استثمارها في التنديد بسياسة الدولة والدفاع عن مطالب الجماهير. امتلك شجاعة نادرة في مواجهة السلطة وعدم الخضوع لأوامرها بالسكوت عن الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان. عندما بلغ إلى علمه مأساة معتقلي تازمامارت قرر أن يفضح ذلك من خلال استجواب موجه للحكومة، تعرض لضغط شديد لكي يتراجع عن قراره، ولكنه لم يفلت الموعد لأدراكه أن الفرصة متاحة لوضع نهاية لتلك المأساة الفظيعة، لأن وسائل الإعلام الأجنبية كانت حاضرة في تلك الجلسة التاريخية، وبالفعل، بعد ذلك الاستجواب أفرجت السلطة عن جميع المعتقلين و هدمت سجن تازمامارت وتخلصت منه، غير أن عذاباته بقيت تروى في كتب وسير من طرف الضحايا. وبذلك يكون الفقيد بنسعيد قد جعل من البرلمان  منبرا للمواجهة والنضال و فرصة للتبشير بالبديل السياسي الديمقراطي.

لقد كان صوتا مزعجا باستماتته وعناده . لم يخضع للتدجين والترويض، ظل محافظا على اعتزازه بنفسه  و متشبتا بكبريائه. يروي في لقاء صحفي أنه دعي مع وفد من احزاب المعارضة للقاء الملك الحسن الثاني، كان كل أعضاء الوفد يقبلون يد الملك عند السلام عليه، إلا أن الفقيد الكبير اكتفى بمصافحته، ولم يعجب ذلك الحسن الثاني فتوجه إليه بالسؤال غاضبا من أنت؟ فأجابه الفقيد” بن سعيد أيت ايدر”، فأردف الحسن الثاني ” ألا تعرف تقاليد المخزن؟ فتكهرب الجو وعند نهاية اللقاء سارع إدريس البصري يطلب من بنسعيد الاعتذار للملك إلا أنه رفض بإصرار.  هو ذا إذن المناضل الكبير الذي لم يضعف أمام جبروت السلطة واختار التشبث بموقفه مهما تكن العواقب.

عند عرض دستور 1996 للاستفتاء، رفض التصويت بنعم رغم موقف حلفائه في الكتلة، فاشتد غضب السلطة عليه و دبرت مع التوجه اليميني في منظمة العمل انشقاقا وفرت لرموزه منصة فندق حسان وفتحت لهم وسائل الإعلام العمومي لتبرير اختيارهم التصويت بنعم على الوثيقة الدستورية. انخرط التوجه اليميني في التنظير للتقرب من السلطة والتماهي مع اختياراتها، بينما استمر المناضل الكبير على خط النضال الجذري والوضوح السياسي، فعارض حكومة اليوسفي من منطلق عدم قيامها على اسس ديمقراطية تمكنها من تحقيق تطلعات الشعب في الحرية والكرامة. وقد انصفته التطورات اللآحقة عندما تم إعفاء اليوسفي سنة 2002 الذي شرح في محاضرة ببروكسيل نواقص تجربته الحكومية وعوامل الخلل فيها، أي غياب الأساس الديمقراطي الذي اشترطه بنسعيد  للتصويت بنعم على الدستور والمشاركة في الحكومة. ذلك الأساس الذي يشكل المدخل الرئيسي للكرامة والمواطنة الحقة.

نعم، فقد اليسار بالمغرب مناضلا فذا خلف وراءه تجربة حياة و نضال  ثرية وإرثا من المبادئ والقيم وسيرة كفاح وصمود، فلترقد روحه في سلام واطمئنان

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى