مذكرات

محمد النواية : لماذا تسكننا الأمكنة فنسترجع الأزمنة؟

لوسات أنفو: محمد النواية

الأمكنة تعصرنا لتخرج بوح الماضي، وتوقظ فينا الحنين للأزمنة ودفئ اللحظات التي مرت في أحضانها، والاشتياق الدائم لعتباتها. والأمكنة تجمعنا في ألفة حميمية، تكلمنا ونكلمها؛ نتناغم معها، نسمع سحر كلماتها؛ نتذوق نكهتها؛ عوالمها تسبح بنا إلى المتعة وتعيدنا إلى الزمن الأول؛ تعيد إلينا ما اغترب عنا فتستفيق الكوامن وتتوالى الاستحضارات.

الأمكنة أيضا مرتبطة بالحب والعشق؛ تجمع العاشقين في حوار حميمي وتناغم روحي وتغدو مع تعاقب الأزمنة أطلالا وفضاءات تشهد على ما كان يبهج العين ويسر الوجدان. للأمكنة كذلك رائحة مرتبطة بالذاكرة؛ وذاكرة الشم هي التي تقودنا إلى معرفة هويتها. كل رائحة يتم خزنها في ذاكرة الشم حسب رموز معينة فعند إحساسنا  برائحة ما؛ يتم التعرف عليها حسب ما يقابلها من رموز متوفرة في أرشيف ذاكرتنا. تقنيات دماغ الإنسان تتذكر روائح الأمكنة وتتفاعل معها وتربطها بأشياء وأحداث كانت مسرحا لها. تنعش الروائح الذاكرة فتعيد لحظات كنا اعتقدنا أننا نسيناها، هل يمكن أن ننسى من نحب من الناس والأشياء. للأماكن رائحة تشبه الزمن ألذي أتت منه؛ عندما نزور مثلا الأماكن الأثرية نشم رائحة الزمان على أرضها وجدرانها.  الرائحة تهيج أرواحنا وتبعت في خواطرنا مشاعر مختلفة، بعضها مبهج وبعضها مؤلم. تذكرنا رائحة ما بمكان ابتعدنا عنه أو بفقدان شخص عزيز والحنين هو الذي يفرض روائح معينة على ذاكرتنا. الأمكنة كذلك نغمات موسيقية وكلمات بلغة متعددة . العلاقة بين المكان والزمان هو تبات المكان على عكس الزمان المتحول والمتغير بسرعته وأحداثه؛ وهذا قانون علمي فيزيائي لا جدال فيه . إعادة تصور الزمان الماضي إدراك نفسي على عكس المكان الذي يتم إدراكه حسيا، زمن ننتمي إليه بكل جوارحنا؛ زمن الطفولة مثلا الخالي من المسئوليات والمخاوف  وتلك الأيام الدافئة حين كانت الأشياء جيدة وجميلة نتمنى لو أننا تستعيدها ولو للحظات.

الحنين إلى ماضي مثالي حالة عاطفية نصنعها في إطار معين وفي أوقات وأماكن معينة يتم فيها استرجاع مشاعر عابرة ولحظات سعيدة من الذاكرة وطرد جميع اللحظات السلبية من أجل رفع المزاج وتحسين الحالة النفسية.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى