الرأي

قمة بريكس.. بداية تكريس عالم متعدد الأقطاب

التحكم في القرار الاقتصادي والسياسي يمر بالضرورة عبر كسر طوق الهيمنة الأمريكية

عبد الإله إصباح

حظيت قمة بريكس المنعقدة في جوهانس بورك باهتمام واسع على الصعيد الإعلامي، وذلك لما تمثله ككثلة سياسية واقتصادية في التوازنات الدولية، ولما تعد به من تحولات جيواستراتيجية ستشكل بدون شك منعطفا هاما نحو عالم جديد يقطع مع ما هو سائد حاليا من هيمنة غربية بزعامة أمريكا.

وقد تعزز هذا التحالف بعضوية دول وازنة ممثلة في السعودية والإمارات ومصر والأرجنتين، وسيتعزز بعضوية دول أخرى في القمم القادمة. ومن الواضح أن هذا التحالف ينطلق من إرادة راسخة لتجاوز القطبية الأحادية نحو عالم متعدد الأقطاب، وهو يملك بالفعل كل فرص النجاح لتحقيق هذا الهدف، لأنه يستند إلى مرتكزات قوية يستطيع بواسطتها مواجهة كل العقبات التي يمكن أن تعترضه. فهو يتوفر على القوة العسكرية الضرورية للدفاع عن مصالح أعضائه، ويرتكز على قوة اقتصادية  لكسب رهان المنافسة في الأسواق العالمية، فالصين هي ثان قوة على الصعيد العالمي، والسعودية والإمارتدولتان نفطيتان مؤثرتان في الأوبيك، والبرازيل والأرجنتين دولتان لهما وزنهما المؤكد في أمريكا اللاتينية. أما الهند، ففضلا عن وزنها الديمغرافي، فإنها قطعت أشواطا في المجال العمي والتكنولوجي.

ولعل أهم القرارات التي أسفرت عنها هذه القمة هي التأكيد على استعمال العملات المحلية في التبادل التجاري بين أعضاء التحالف، واستبعاد الدولار في كل معاملاتهم الاقتصادية، مع التطلع الراسخ إلى التعامل مستقبلا بعملة موحدة، قادرة على إزاحة الدولار من عرش الهيمنة على الاقتصاد العالمي

لقد ادركت دول مثل الهند والبرازيل والأرجنتين أن تطلعاتها إلى التحكم في قرارها الاقتصادي والسياسي يمر بالضرورة عبر كسر طوق الهيمنة الأمريكية، والتخلص من أي تبعية لها. وقد أكدت البرازيل هذا التوجه عندما انتخبت رئيسا يساريا مناهض لأمريكا في الانتخابات الأخيرة.

وتستطيع الصين من خلال تحالف البريكس أن تحقق طموحاتها في التربع على الاقتصاد العالمي، فالهند كقوة ديمغرافية ستشكل لها سوقا لمختلف صادراتها، وفي المقابل يمكن للهند أن تستفيد هي الأخرى من الصين سواء كسوق، أو كحليف اقتصادي يعتمد عليه.

ولا شك ان روسيا من خلال هذا التحالف ستعزز مكانتها في العالم كقوة عظمى، وستتمكن من فك العزلة التي يحاول الغرب حشرها فيها لإضعافها واستنزافها، وبالفعل استطاعت أن تجعل العقوبات الاقتصادية ترتد على الدول الاوربية دون أن يكون لها ذلك التأثير الذي ارادته امريكا منها.

 ويمكن القول إن بداية تشكل عالم متعدد الأقطاب انطلقت، وقمة البريكس الأخيرة ستعجل بهذا التشكل وستمده بكل شروط الترسخ والاستمرار. والدول التي تتطلع بالفعل إلى تحقيق نهضة اقتصادية ستكون مضطرة إلى الانخراط في هذه المنظمة بعيدا عن إملاءات صندوق النقد الدولي وباقي المؤسسات المالية والاقتصادية الغربية، التي عملت منذ عقود على عرقلة تطورها الاقتصادي وتقدمها الاجتماعي

وعلى المغرب أن يضع في الاعتبار أن تطوره الاقتصادي رهين بالاستفادة من هذه التحولات الاستراتيجية، وذلك من خلال تعزيز علاقاته بالدول الفاعلة والمؤثرة في البريكس على امل أن يصبح هو الاخر من ضمن أعضائها

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى