ثقافة

في اليوم العالمي للترجمة: علي القاسمي عن مشاكل المترجم العربي في المنظمات الدولية

لوسات أنفو: إلياس أبوالرجاء

في اليوم العالمي للترجمة، اخترنا أن نستحضر وإياكم هذا النص للمفكر والأديب والمترجم العراقي علي القاسمي المقيم بالمغرب، والذي ورد في العدد 33 من مجلة اللسان العربي في يونيو 1989، حيث يناقش فيه علي القاسمي بعض المشاكل المتعلقة بالترجمة، ويميز في ذلك بين المترجم الأدبي والمترجم الدولي.

جرائم الترجمة:

قبل ثلاث سنوات فقط نشر الأستاذ جوليو – سيزار سانتوير الأستاذ بجامعة ليون كتابا بالإسبانية بعنوان (جريمة الترجمة) أو كما ترجمه بعضهم إلى الإنجليزية (هؤلاء المترجمون المجرمون). والأستاذ المؤلف هو نفسه مترجم مشهود له بالكفاءة والمقدرة. ويفتتح مقدمة كتابة بالقول إنه لا يفهم لماذا لا تعج السجون بالمترجمين ولا تزخر المحاكم بهم مادام العديد منهم يقترف جرائم السرقة، والكذب، والتزوير ، والجهل. ثم يعقب على ذلك شارحا: «إن مما لاشك فيه أن سمعة كثير من المؤلفين الأجانب قد نالها الأذى وأصابها الضرر من جراء الترجمات الاسبانية لأعمالهم، فقد تمت صياغة هذه الترجمات بأسلوب رديء، وأغفلت فقرات برمتها أو ترجمت بكلام لا معنى له، حيث أن القارئ الاسباني لابد أن يتساءل لماذا يتمتع ذلك المؤلف بتلك السمعة الطيبة في بلاده …). ويخلص المؤلف إلى القول بأن المثل الايطالي “المترجم خائن” (…traduttore, traditor) صادق تماما ويقترح يكتب على أغلفة بعض الكتب المترجمة (خيانة فلان) بدلا من (ترجمة فلان). ولكي يبرهن المؤلف على صحة وجهة نظره وصوابها يضرب في كتابه الذي يقع في 225 صفحة أمثلة على الأخطاء الصارخة في ترجمة الأعمال الأدبية الشعرية والنثرية وفي ترجمة الأفلام السينمائية.

وإذا كان في حكم الأستاذ سانتويو شيء من القسوة على المترجمين فإن له ما يبرره بالنسبة للمترجمين الاسبان الذين سرد نصوصا من ترجماتهم حافلة بالأغلاط الفظيعة مليئة بالتجاوزات الشنيعة. وليس لدينا ما يرجح اختلاف الوضع في الأقطار الأخرى عنه في اسبانيا. وليس لدينا ما يشير إلى أن المترجمين الاسبان أقل براعة من نظرائهم المترجمين في بقية أنحاء العالم، ولو اضطلع بعض أساتذة الترجمة في البلاد العربية أو أوربا أو أمريكا بدراسة مقارنة للكتب المترجمة وأصولها كتلك التي قام بها الأستاذ سانتويو لتوصلوا إلى نتائج لا تختلف عن نتائجه كثيرا على الأرجح.

بين المترجم الأدبي والمترجم الدولي:

وفي ظني أن الخطأ الذي يقع فيه مترجم النص الأدبي (وسأشير إليه فيما يلي بالمترجم الأدبي) أقل فداحة من الخطأ الذي يرتكبه المترجم العامل في المنظمات الدولية أو المؤتمرات العالمية (وسأشير إليه فيما يلي بالمترجم الدولي). فخطأ المترجم الأولى يؤدي إلى الاساءة إلى النص الأدبي والتقليل من قيمته الجمالية وبالتالي حرمان القارئ من التمتع بالنص المترجم بنفس الدرجة التي يبلغها قارئ النص بلغته الأصلية.

أما خطأ المترجم في المنظمات الدولية أو المؤتمرات العالمية فقد يتسبب في إطالة المناقشات، أو عدم التوصل إلى اتفاق مرجو، أو حتى إلى توتر العلاقات بين الأطراف المعنية. وكم من مرة لاحظت في المؤتمرات الدولية نقاشا يحتد وجذلا يتفاقم نتيجة عدم استطاعة الترجمان (المترجم الفوري) نقل أقوال المتكلم بأكملها، أو بسبب نقله لمعان لم يرم إليها المتكلم ولم يقصدها بتاتا، وقد اعتذرت إحدى الدول الأسيوية من الانضمام لاحدى الوكالات الدولية المتخصصة في منظومة المؤتمر الاسلامي لأن ميثاق تلك الوكالة المترجم إلى الأنجليزية يشير إلى “الدول الإسلامية الأعضاء” في حين أن دستور تلك الدول ينص على أنها دولة علمانية.

وفي حقيقة الأمر كان النص الأصلي في ميثاق تلك الوكالة الدولية المتخصصة المدون باللغة العربية يشير إلى «الأقطار الاسلامية الأعضاء» وعندما أوضح المدير العام للوكالة الأمر للمسؤولين في تلك الدولة تم انضمامها إلى الوكالة بعد تأخر دام أكثر من سنتين اضطر المدير العام خلالها السفر مرتين إلى تلك البلاد. وهكذا فإن خطأ ذلك المترجم أدى إلى ضياع كثير من الوقت والجهد والمال.

مشاكل المترجم العربي:

ولكن للمترجم العربي الدولي بعض العذر، ولا يجدر بنا أن نلقي عليه اللوم كله، وإنما ينبغي علينا تسليط الضوء على المشاكل التي يواجهها، وتمحيصها، وتحليلها، والوقوف على مصادرها، واقتراح الحلول الناجعة لها. فالمترجم العربي خليق بالدعم والمساعدة لأنه يقوم بخدمة جليلة للثقافة العربية ورقيها في داخل الوطن العربي وخارجه. وفي الصفحات القادمة سأعرض بعض هذه المشاكل مع الحلول المقترحة.

مشكلة الوقت:

إن من أهم العوامل التي تؤدي إلى وقوع المترجم الدولي في الخطأ هو عامل الوقت ففي حين المترجم الأدبي يزاول هوايته أنى يروق له ذلك وحيثما يرغب فإن المترجم الدولي مقيد بوقت محدود. وإذا كان للمترجم الأدبي أن يشرع في عمله بعد العشاء في داره المريحة وهو يتناول قهوته أثناء استشارته لعدد من المعاجم الأحادية اللغة أو الثنائية اللغة ويترجم المقدار الذي يحلو له، فإن المترجم الدولي يشترك عادة في مكتب واحد مع عدد من المترجمين الآخرين وأحيانا مع بعض الراقنات وعليه أن يتم ترجمة مقدار محدد من الصفحات يوميا. أما زميله الترجمان (المترجم الفوري) فهو في وضع لا يحسد عليه إذ أنه يجلس في مقصورة لا تربو مساحتها على المترين المربعين وليس في استطاعته أن يعود إلى معجم أو مرجع. وفي كثير من المؤتمرات الدولية التي شاركت في تنظيمها رأيت المترجمين يمضون النهار بأكمله ويسهرون الليل حتى الصباح لاتمام ترجمة الوثائق التي ستعرض على جلسة اليوم التالي.

قدرة المترجم الانتاجية:

إن كثير من المؤسسات التي تستخدم المترجمين تطلب من المترجم حدا أدنى من الانتاج في كل يوم عمل، وقد قام المترجم الايطالي فابريزير يجالي، رئيس تحرير مجلة (المترجم الجديد) الايطالية بمسح إحصائي لمعرفة قدرة المترجم الانتاجية في عدد من الأقطار والمؤسسات. وقد حدد وحدته المعيارية بالصفحة الأيطالية المستخدمة مقياسا للترجمة التقنية:

وهذه الصفحة تشتمل على 25 سطرا يحتوي كل سطر على 60 حرفا أو بعبارة أخرى أن الصفحة الواحدة تضم ما معدله (220) كلمة وهذا يوافق تقريبا متوسط الصفحات باللغتين العربيـة والأنجليزية. واستنادا إلى مصادر متعددة أفاد السيد مجالي أن معدل إنتاج المترجم الواحد في اليوم هو بين خمس وسبع صفحات لمترجمي الحكومة الأمريكية، وثماني صفحات لمترجمي منظمة الأمم المتحدة ، وتسع صفحات لمترجمي الشركات الألمانية الغربية.

العوامل المؤثرة في قدرة المترجم الانتاجية:

ولا شك في أن قدرة المترجم الانتاجية تتوقف على عدد من العوامل أهمها:

1) صعوبة النص: هل يتناول النص قضايا الجينات في الكيمياء الحيوية، أم خبرا عن زيارة يقوم بها وزير الخارجية لدولة صديقة مثلا.

2) الهدف من الترجمة: هل المقصود من الترجمة مجرد اطلاع المسؤولين على الموضوع أم أنه معد للنشر في صحيفة، أو للنشر في كتاب أدبي؟

3) وسائل المترجم: هل يكتب المترجم الترجمة بنفسه، أو يرقنها على الته الكاتبة، أو يمليها على كاتبة اختزال، أو يستخدم الحاسوب في ذلك؟ ومن ناحية أخرى هل يستخدم المعاجم العادية وسيلة معينة أم يستخدم المعاجم والمعلومات المخزونة في الحاسوب؟

4) خبرة المترجم: هل للمترجم خبرة طويلة في الترجمة؟ وهل له خبر في ترجمة نصوص في حقل الاختصاص ذاك؟

5) اللغة التي يترجم إليها: هل يقوم المترجم ينقل النص الأجنبي إلى لغته الوطنية، أم ينقل النص إلى اللغة الأجنبية.

6) الضوضاء الخارجية: والمقصود هنا بالضوضاء الخارجية عدد المرات التي يقاطع فيها المترجم أثناء عمله، وهل يعمل في المكتب لوحده أم يشترك مع آخرين قد يشوشون

عليه؟

وبصرف النظر عن هذه العوامل(…)، فإن المشكلة التي يواجهها معظم المترجمين العرب في المنظمات الاقليمية والدولية في البلاد العربية، تتمثل في النقص في عدد المترجمين بحيث يضطر المترجم إلى العمل بصورة متواصلة وتحت ضغط الوقت لإتمام العمل المطلوب، ولا تكمن مشكلة المترجم الدولي أثناء المؤتمرات في عدد الصفحات التي ينبغي عليه ترجمتها وإنما في التعديلات والتحريرات المتكررة التي يجري إدخالها بصورة مستمرة على النصوص وضرورة ترجمتها وإدخالها في بقية النصوص، وكذلك في مطابقة النص بلغات عمل المؤتمر المختلفة فالتعديلات والتغييرات التي نجري على الصفحة قد تستغرق وقتا أطول من ترجمة الصفحة ذاتها. وخليق بنا أن نزيد عدد المترجمين وننظم عملهم بطريقة تضمن الراحة لهم بصورة منتظمة، وخاصة أثناء انعقاد المؤتمرات إذ يجب أن يكون هنالك فريقان من المترجمين أحدهما يعمل أثناء النهار والآخر يعمل أثناء الليل بعد أن نال قسطا من الراحة(…).

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى