فن

فيلم فرحة: جرائم الاحتلال الاسرائيلي التي لا تنتهي

لو سات أنفو: محسن برهمي

منذ أكثر من نصف قرن، تنشر إسرائيل روايتها الخاصة عن النكبة واحتلالها فلسطين. عبر القوى الناعمة، خصوصا فن السينما الأوسع انتشارا. من جهة أخرى، لا تقدم السينما العربية سوى القليل من الأعمال التي تتناول وجهة النظر الأخرى من الحكاية،

ويعد الفيلم الأردني الفلسطيني “فرحة” الذي بدأ عرضه أخيراً على “نتفليكس” واحد من بين الأفلام التي عالجت القضية بشكل فني جديد ومغاير أثار غضب الاحتلال، لأنه يعرض وجهة النظر التي تخفيها اسرائيل عن العالم طوال عقود.

الفيلم من تأليف وإخراج دارين سلام، ويحكي قصة حول تجربة فتاة فلسطينية خلال النكبة. عرض لأول مرة في مهرجان تورونتو السينمائي في 14 سبتمبر 2021 وبدأ بثه على منصة نتفليكس في 1 ديسمبر 2022.

فرحة” قصة النكبة الحقيقية

الفيلم مستوحى من قصة حقيقية لفتاة تحمل ذات الاسم “فرحة” عاشت خلال أربعينيات القرن العشرين، قبل النكبة، في إحدى قرى فلسطين، كانت تحلم بالانتقال إلى المدينة ودخول المدرسة، وبعد محاولات عديدة مع والدها وافق وتخلى عن العادات السائدة التي تستدعي زواج الفتاة في أقرب فرصة. لكن هذه السعادة لم تستمر سوى يومٍ واحدٍ، وبعده مباشرة بدأت أحداث النكبة الفلسطينية (عام 1948).

في مشاهد الحرب الأولى يحاول الأب جاهدا تهريب ابنته إلى المدينة، ولكنها ترفض، ليقرر حبسها في غرفة تخزين الطعام في باحة منزلهم لحمايتها من جنود الاحتلال الذين يقومون بعملية “تطهير عرقي” لساكني القرى والمدن التي يدخلونها. تبقى “فرحة” في الغرفة المظلمة وحيدة لساعات لا تعرف عددها، لا يربطها بالعالم سوى حفرة صغيرة في الجدار؛ حيث  أحسنت المخرجة في توظيف غرفة الخزين التي حبست فيها البنت لنرى فيها التحدي الشخصي الذي يواجه البنت ثم لنرى من خلالها شيئاً من أحداث النكبة التي تشاهد منها جيش الاحتلال والجرائم التي يقوم بها عندما تدخل منزلها عائلة فلسطينية هاربة مكونة من أب وأم وبنتين، تلد المرأة طفلها الثالث، إنه صبي سمّاه والده محمد، وعندما تبدأ فرحة مناداة “أبو محمد” لينقذها من محبسها، يداهم المكان الجنود الذين يقتلون العائلة بالكامل بقسوة، ويتركون الرضيع على الأرض ليموت وحده، بينما تراقبه الطفلة التي لا تستطيع مساعدته أو مساعدة نفسه، كما هو الأمر الآن حيث الأمر الوحيد الذي يبرع فيه الاحتلال هو قتل الأطفال، فكما قال مراسل الجزيرة وائل الدحدوح” بينتقموا منا بالأطفال، معليش”، بالإضافة إلى باب أخفاه والدها قبل ذهابه للنضال في سبيل القضية، وحرية قريته.

قصة النكبة الفلسطينية تحمل فظائع مثل تلك التي حدثت في فيلم “فرحة” -بل وبعضها أسوأ- عن عائلات قتلت بالكامل، وأخرى تم تهجيرها وتشتت أهلها في البقاع، لكن هذه المرة في هذه الحرب التي نشاهدها الآن نرى أن الاحتلال طور من أساليبه، وأصبح يمحي عائلات كاملة من السجل المدني.

غضب الاحتلال:

ما إن بدأ عرض الفيلم على منصة “نتفليكس” وفي قاعات السينما، حتى بدأت موجة عارمة من الغضب في إسرائيل، إذ صرّح وزير الثقافة هيلي تروبر أن فيلم “فرحة” يصور “أكاذيب وافتراءات، وعرضه في دار عرض إسرائيلية وصمة عار”.

بينما خرج وزير المالية السابق أفيغدور ليبرمان، قائلا “من الجنون أن نتفليكس قررت بث فيلم هدفه كله خلق رواية كاذبة وتحريض ضد الجنود الإسرائيليين”. وأضاف أنه سينظر في سحب تمويل الدولة من مسرح السرايا في بلدة يافا، ذات الغالبية العربية، التي عرضت الفيلم، بينما علق مدير دار العرض محمود أبو عريشة قائلا “جاء ردنا على التحريض ضد الفيلم بأننا مضينا في عرضه”.

وعبر الذباب الالكتروني قامت إدارة الاحتلال بالتصويت إلكترونيا لخفض تقييم الفيلم عبر الإنترنت، فعمدت مجموعة من الحسابات غير الموثقة إلى تسجيل مراجعات سلبية لفيلم “فرحة” على موقع تصنيف الأفلام (IMDb).

وقالت مخرجة الفيلم دارين سلام رداً على الحملات الإسرائيلية، “إن الفيلم مستوحى من تجربة واقعية لامرأة لاجئة انتهى بها المطاف في سوريا، حيث أخبرت والدتها القصة”.

وأصدرت مع الجهة المنتجة بيانا جاء فيه “تعرض فيلمنا لهجوم عنيف من المسؤولين الحكوميين الإسرائيليين ووسائل الإعلام الإسرائيلية، وكذلك من أفراد إسرائيليين على وسائل التواصل الاجتماعي ومنصات أخرى”.

وأضاف البيان “نحن فريق الفيلم ندين جميع الاتهامات لتشويه سمعة “فرحة” والحملة المنظمة ضد الفيلم على موقع “آي إم دي بي” لخفض تقييمه بشكل جذري، ومحاولات وقف عرض الفيلم في مسرح “سرايا يافا” والتهديدات الموجهة إلى الفيلم”.

وأدانت الجهة المنتجة في البيان نفسه “هجمة رسائل الكراهية والمضايقات والاتهامات والتنمر من جانب الإسرائيليين، والتي تستهدف مخرجة الفيلم على وسائل التواصل الاجتماعي وعلى وسائل الإعلام الأخرى” وتابعت “لن نتغاضى عن أي تهديدات ضارة لأي عضو في فريق فرحة”.

واعتبر البيان أن هذه المحاولات منافية لحرية التعبير، وتهدف إلى “تجريدنا من إنسانيتنا ومنعنا من سرد قصصنا وروايتنا وحقيقتنا”.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى