فن

فيلم الحب فوق هضبة الهرم: إذا صدَّك العقل عن السعادة فجرِّب الجنون

عرفتُ الحبَّ لأول مرة في حياتي. إنه كالموت تَسمع عنه كلَّ حين خبرًا، ولكنك لا تعرفه إلا إذا حضَر. وهو قوةٌ طاغية يلتهم فريستَه، يَسلبُه أيَّ قوةِ دفاع، يطمس عقله وإدراكه، يصبُّ الجنونَ في جوفه حتى يطفح به. إنه العذاب والسرور اللانهائي

لو سات أنفو محسن برهمي:

استطاع نجيب محفوظ أن يَرصُد في أعماله كثيرا من التحوّلات السياسية والاقتصادية وتأثيرَها على الحياة الاجتماعية، حيث سلط الضوء على التغيُّرات الاجتماعية التي شَهِدها المجتمع المصري، عَقِب الانفتاحِ الاقتصادي وبدايةِ تفتيت الطبقة الوسطى، وتوضح كيف أصبح الثري هو سيد المجتمع، وبينما صار العلم عِبئًا على صاحبه. تجلَّى هذا الوضع في قصة «الحب فوق هضبة الهرم» حيث عبَّرت عن التحوُّلات العنيفة للمجتمع من خلال أزمة على ورجاء، وصعوبة زواجهما بسبب سوء الوضع المادي لعلي.

تولى السيناريست مصطفى محرم مسؤولية تحويل هذه الرواية لفيلم سينمائي يحمل نفس العنوان سنة 1986، فيما الإخراج كان لعاطف الطيب تدور أحداث الفيلم في إطار اجتماعي رومانسي حول موظف شاب لا يستطيع توفير نفقات زواجه، فيقرر هو وخطيبته الزواج سرا، وبعدما يفشلان في الحصول على مكان مناسب ليلتقيا فيه، لا يجدان سوى هضبة الهرم، لكن يفضح زواجهما شرطة الآداب التي تقبض عليهما بتهمة فعل فاضح في الطريق العام، ويلقي الفيلم الضوء على مشاكل الشباب، والظروف الصعبة التي تواجههم في سبيل تحقيقهم لأبسط أحلامهم. ” من المعالجات السينمائية التي لم تستغل النص الأدبي لأسباب لا تمت للآداب أو الفن بصلة، بل حولت القصة الأدبية إلى عمل سينمائي متميز” يقول نجيب محفوظ عن تحويل روايته إلى عمل سينمائي. 

“إذا صدَّك العقل عن السعادة فجرِّب الجنون.. أليس ذلك من العقل أيضًا؟”.

 يمكن أن نلخص الفيلم في هذه الجملة، فمن أجل لحطة سعادة في حياة هذين الشابين سيقومان بأمور مجنونة، الفيلم من بطولة الفنان المصري أحمد زكي، وأثار الحكيم {علي ورجاء} يقف العائق المادي أمام حلمهما، إضافة الى اسرة الفتاة التي تلح على الزوج توفير شقة زوجية، لكن هذا الأخير لا يستطيع تحمل نفقاتها، ليصبح الزواج سرا هو الحل لهذين العاشقين، ولإكمال هذه الفرحة في شقها الثاني، يحاول هذا الثنائي ممارسة الجنس على هضبة الهرم بعيدا عن مرارة الواقع وأعين المجتمع. لكن لا يعلمان أن أعين الشرطة تغطي جميع الأماكن، حتى تلك التي طريقها ليست معبدة ويصعب الوصول اليها، يقبض عليهما بتهمة ارتكاب فعل فاضح في الفضاء العام.

من جهة أخرى وضح لنا المخرج كيف استطاعت شخصيات أخرى الهروب من أزمة الفقر، وإيجاد حل لمشكلتهم المادية، فبين قرار شقيقة علي الزواج بالسباك الثري لا بسبب الحب أو الجنون، غير أنه يستطيع توفير حياة كريمة ومستقرة لها. وأحمد حسين الذي اغتال شبابه للزواج من امرأة عجوز ثرية، أملا في موتها ليرث بعد ذلك ممتلكاتها، ومنهم الذي اختار الذهاب ومصاحبة الأثرياء.

الفيلم من خلال هذه الشخصيات سلط الضوء ليس على الواقع المصري فقط، بل العربي عامة، حيث في ظل هذه الأزمات المادية، كل يختار على طريقته كيف يحل مشكلته المادية، من غير فعل السرقة، الذي ربما اعتبره السيناريست كفعل غير أخلاقي. بالموازاة مع هذا يقف الفيلم في مواجهة مباشرة أمام الإعلام من جهة باعتباره وسيلة للتضليل حيث يسعى علي لمقابلة كاتب صحفي لتسليط قلمه على الواقع يكتشف أنه مجرد قلم متكلم باسم السلطة حيث يحث بطلنا على التفاؤل الذي يعتبر سما قاتلا لهذه الطبقة أكثر من أي مرض مزمن آخر، والسلطة الدينية العاجزة عن إيجاد حل فعال للمشكل من جهة أخرى، حيث تكتفي باستشهادات لا علاقة لها بالواقع. حيث يجيب الشيخ عن سؤال البطل حول مشكلته مرددا جملة ” من استطاع منكم الباءة فليتزوج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم”، ليرد عليه علي بسؤال عقلاني قائلا “ومن لم يستطع الصوم؟ أو تحمل نفقات الزواج؟” لينتهي الحوار بدون جواب.

وهذا إن دل على شيء فهو يدل على أن الكل متواطئ، لتسهيل عملية الزواج ومساعدتك وارشادك في الأول، لكن ما إن تمر أشهر قليلة حتى تجد نفسك متورطا في مشكلة لا حل لها.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى