مذكرات

فن العيش في الرياض… الماء و الخضرة والحكي و الجميل

محمد النواية

دعينا في احدى المناسبات من طرف  أحد المعلمين الحرفيين القدماء القاطن بحي بالمدينة العتيقة(مراكش). بولوجنا للدرب الطريق ضيق، واجهات المنازل عمياء تثير دهشتنا ، وقع السحر يتزايد كلما  تحول فجأة الضوء الباهر للساحة  الى ظلام  بممر مغظى ( صابا) .

هذه الأشكال المعمارية في الدروب ليست وليدة الصدفة ،هواء رطب يمر في هذا الفضاء المغطى يثير احساسنا بالانتعاش . حتى حين كانت أجسادنا تعاني من الحرارة والأشعة وتناوب الظل والضوء. كان محله في هذه الممرات . يتوقف مضيفنا عند باب بدفتين من خشب الأرز المنقوش ، الأولى رئسية لا تفتح الا في الأفراح والمناسبات والثانية تسمى الخوخة وهي متبتة في الأولى وتستعمل قي الحياة اليومية وتقفل بواسظة الخلابة أو المزلاج (المعرض) . يدق مضيفنا تلاث دقات قوية متفرقة بنفس فارق الزمن ،خلف الباب صوت أنثوي يرد , يقتح الباب و تختفي  صاحبة الصوت وها نحن في ممر ملتوي مظلم يسمى السطوان ( أعكمي بالأمازيغية) يفصل بين باب الرياض والفناء.

يأمر المضيف بانطلاق طقوس تحضير الشاي بمستلزماته من صواني ، ربايع الشاي ،السكر ،النعناع ،والأعشاب العطرية وساموقار لغلي الماء . وما أن وزغت الكؤوس على الضيوف حتى تفتحت الشجية للحديت والكلام…

داخل هدا السطوان توجد ” دكانة ” هي عبارة عن مقعد حجري بني ليجلس عليه الزوار (قاعة انتظار) . في السطوان توضع “خابية” يتم تعطيرها بشكل يومي بأوراق شجرة الليمون . شربنا من مائها. وما أن اجتزنا أخر منعرج حتى سطع نور لامع من وسط الفناء بكل تجلياته . أرض مزلجة بالرخام الأبيض المزوق بمربعات صغيرة من القيانس الأصفر الأزوق والرمادي ،حيطان مغلفة على حد طول رجل بمختلف مربعات الزليج المختلف الألوان والأشكال . وسط الفناء أربعة أحواض من شجر البارنج تتوسطهم نافورة تسبح بطريقتها حمدا لله . تفتح جميع الغرف على الفناء الدي يجمع بين الوظيفة النفعية والجمالية.اذا كان كان الرياض يحتوي على طابق فهدا الطابق العلوي ما هو الا نظير للأرضي معماريا . بيت الاستقبال مقابل لمخرج السطوان . دخلنا بالدعاء والترحيب ،ما أن جلسنا على فراش وثيرواتكأنا على وسادات مريحة وسط أجواء معطرة حتى أحسسنا بهواء رطب بارد من داخل البيت يململ ستائر حريرية شفافة على باب الصالون وعلى نافدتين بحديد مشبك يقابلهما “مراح” أو”منزه” . ثم يأمر المضيف بانطلاق طقوس تحضير الشاي بمستلزماته من صواني ، ربايع الشاي ،السكر ،النعناع ،والأعشاب العطرية وساموقار لغلي الماء . وما أن وزغت الكؤوس على الضيوف حتى تفتحت الشجية للحديت والكلام الحلو والحكي الشيق . الفضاءات هنا تحيلك على تراث أندلسي عريق بسط عروقه داخل المغرب على عدة مستويات منها العمارة ، الطبخ ، والموسيقى الخ . فمتلا يتم الفصل بين فضاءي الضيوف (دار الضيافة) وباقي أفراد الأسرة كما يتم تقسيم المرافق حسب وظائفها المتعددة السكن ، دار لخدم ،حفظ المؤونة (لخزين) ، المطبخ ، والحمام .وهناك الدويرية التي هي جزء من الرياض تمتل الحياة الموازية للرجال .الرياض كدلك هو فضاء للموسيقى والغناء حيث تقام فيه ليالي موسيقى الألة بنوباتها المتعددة وشدوها المطرب الذي يعيد السامعين الى الزمن الأندلسي الزاهي وليالي أخرى تجمع فرق طرب الملحون يشدو فيها منشدون قصائد لفطاحل هدا النظم العامي المرصع ببحوره المتنوعة شكلا ونغما وغرضا فيغدو الحفل سفرا فنيا في الزمن عبر التاريخ والحقب المغربية من السعديين والعلويين، تتخلله نقاشات وشروحات واستحضارات لهذا الموروت الجميل .وينتهى الكلام بقدوم الأطباق والموائد بكل ما تشتهيه الأنفس .

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى