اقتصاد و مال

عوائد سوق اشباه الموصلات تصل إلى أزيد من 588 مليار دولار

لوسات أنفو

أدت الحرب التكنولوجية المكثفة وضوابط التصدير الغربية المستمرة على صناعة أشباه الموصلات إلى تحولات عدة في سلاسل التوريد في سوق الرقائق الإلكترونية عالمياً.  وحسب مركز أنترجونال للتحليلات الاستراتيجية فرغم كون الصين من أكبر الدول المصنعة للرقائق على مستوى العالم، بجانب الولايات المتحدة وتايوان وكوريا الجنوبية، إلا أن ثمة قوى أخرى صاعدة في هذا المجال، استطاعت أن تُوجد لها مكاناً وسط عمالقة الصناعة، في ظل الأهمية التي تحظى بها إمدادات أشباه الموصلات بالنسبة إلى ثورة الذكاء الاصطناعي الراهنة، وتنامي مخاوف المستثمرين الكبار في تلك الصناعة من الاعتماد على موردين محدودين، حيث  تحرص كبرى شركات التكنولوجيا العالمية مثل شركة إنفيديا (Nvidia) الأمريكية إلى تنويع مصادر مزوديها من الرقائق الإلكترونية؛ ما يفتح الباب أمام لاعبين جدد لدخول دائرة الضوء في مجال أشباه الموصلات، والاستفادة من مواردها وقدراتها لتعزيز جهود تطوير الرقائق وتحفيز مجموعة جديدة من الابتكارات في صناعة أشباه الموصلات؛ كلٌّ في إقليمه.

ووفق الإحصاءات الواردة على موقع Statista، فإنه خلال آخر عقد ونصف، نمت عوائد سوق أشباه الموصلات عالمياً بمقدار الضعف، من 226.31 مليار دولار في عام 2009، إلى 520.13 مليار دولار في عام 2023، ومن المتوقع أن تصل عوائد هذه السوق إلى 588.36 مليار دولار خلال عام 2024؛ ما يُظهر القيمة الاقتصادية الكبرى التي تحظى بهذه الصناعة.

وتمكنت ماليزيا من الاستحواذ في عام 2023 على نحو 13% من حصة العالم في اختبار الرقائق والتعبئة، ومن المتوقع أن تتزايد حصة ماليزيا من هذه العمليات بفضل استثمارات شركات تصنيع الرقائق العالمية الواسعة في ماليزيا؛ وذلك في ضوء حرص عدد من الشركات التكنولوجية العالمية على تعزيز استثماراتها في الدولة، ومنها شركة إنفينيون (Infineon) الألمانية الشركة المصنعة لأشباه الموصلات لقطاع السيارات؛ حيث تستثمر في منشأتين في ماليزيا، وفي عام 2023، كانت قد أعلنت عن استثمار بقيمة 5.8 مليار دولار أمريكي في منشأة ثالثة لاختبار الرقائق.

أضف إلى ذلك شركة تكساس إنسترومنتس – وهي شركة لتصنيع الرقائق مقرها الولايات المتحدة – التي أعلنت عن تمويل بقيمة 3 مليارات دولار أمريكي لوحدة الإنتاج الجديدة الخاصة بها في ماليزيا. ولعل ما يجعل ماليزيا في وضع أفضل لجذب المزيد من الاستثمارات، وجود شركات صناعة الرقائق العالمية وتوافر العمالة ذات المهارات العالية بالفعل بها.

وفي الوقت الراهن، تطمح الهند إلى أن تصبح مركزاً رئيسياً للرقائق الإلكترونية، على غرار الولايات المتحدة وتايوان وكوريا الجنوبية. ونظراً إلى كون شركات أشباه الموصلات المحلية الهندية، لا تحظى إلا بحصة صغيرة جداً من تجميع الرقائق واختبارها، فإن الحكومة الهندية عمدت إلى جذب الشركات العالمية من خلال الإعلان عن حزمة دعم بقيمة 10 مليارات دولار أمريكي في عام 2021. وعليه، نجحت الحكومة الهندية في تشكيل تحالف مع الولايات المتحدة للبحث المشترك والتطوير وصقل مهارات القوى العاملة لديها في مجال تكنولوجيات الجيل القادم، بما في ذلك أشباه الموصلات.

ووافقت الهند مؤخراً على بناء ثلاثة مصانع لأشباه الموصلات باستثمارات تزيد عن 15 مليار دولار، ومن المقرر الشروع في البناء خلال الأشهر الثلاثة المقبلة، ويتوقع أن تعمل تلك المصانع على خلق 20 ألف فرصة عمل في مجال التكنولوجيا المتقدمة، ونحو 60 ألف فرصة عمل غير مباشرة. كذلك، وافقت الهند في يونيو 2023، على إنشاء شركة ميكرون الأمريكية وحدة لأشباه الموصلات في ساناند بولاية جوجارات؛ ما يُظهر حرص الدولة على جذب الشراكات في هذا المجال.

وفي ظل اهتمام العديد من شركات التقنية العالمية بالتحول بعيداً عن الصين، ومنها شركة أبل، استفادت فيتنام من ذلك التحول في سلاسل التوريد التقنية؛ فخلال الفترة بين عامي 2016–2021، شهدت صناعة أشباه الموصلات في فيتنام نمواً سنوياً مركباً بنسبة 7.1%؛ ما رفع القيمة السوقية إلى أكثر من 18.2 مليار دولار في عام 2022؛ وذلك بحسب الأرقام الواردة على موقع البيانات (Statista)، مع توقعات بنمو سنوي مركب بنسبة 7.5% في الفترة من 2022–2027، ليصل إلى أكثر من 26.2 مليار دولار أمريكي بحلول عام 2027.

وفي الوقت الحالي، أضحت فيتنام واحدة من بين أكبر 10 مصدرين عالميين لأجهزة أشباه الموصلات والدوائر المتكاملة؛ حيث احتلت المرتبة التاسعة في كلتا الفئتين. هذا وتعد فيتنام ثالث أكبر مصدر آسيوي لأشباه الموصلات إلى الولايات المتحدة، بعد ماليزيا وتايوان. وفي فبراير 2023، زادت واردات الرقائق الفيتنامية إلى الولايات المتحدة بنسبة 75% إلى 562 مليوناً؛ ما يؤكد الأهمية المتزايدة لفيتنام في سوق أشباه الموصلات الأمريكية.

في غضون السنوات الأخيرة، تمكنت دولة الإمارات من وضع نفسها مركزاً لتصنيع شرائح الذكاء الاصطناعي؛ حيث تهدف الإمارات إلى تلبية احتياجات شركات التكنولوجيا العملاقة مثل ميتا وجوجل ومايكروسوفت. وبحسب شركة (PwC) الاستشارية، فإنه من المتوقع أن يُسهم الذكاء الاصطناعي بنسبة تصل إلى 13.6% في الناتج المحلي الإجمالي لدولة الإمارات بحلول عام 2030؛ ما يشير إلى سعي الدولة لتطوير تقنيات الذكاء الاصطناعي بها؛ حيث تستثمر الدولة بقوة في البنية التحتية للذكاء الاصطناعي، بما في ذلك تطوير أكبر كمبيوتر فائق السرعة في العالم للتدريب على الذكاء الاصطناعي من قبل شركة G42، وهي شركة متخصصة في الذكاء الاصطناعي ومقرها أبوظبي.

كذلك تتعاون دولة الإمارات من خلال شركة مبادلة للاستثمار مع شركة جلوبال فاوندريز ومقرها الولايات المتحدة، وهي واحدة من أكبر شركات تصنيع رقائق أشباه الموصلات في العالم؛ ما يوفر ميزة استراتيجية للدولة؛ حيث من الممكن أن يتيح ذلك توسيع الشراكات الحيوية مع اللاعبين الكبار في هذا المجال في المستقبل المنظور.

وفي إطار رؤية المملكة السعودية 2030، الرامية إلى تنويع الاقتصاد بما يتجاوز الاعتماد على النفط، وترسيخ مكانة المملكة باعتبارها دولة رائدة في مجال التكنولوجيا العالمية، ركزت كبرى الشركات السعودية وهيئات الاستثمار العامة على تعزيز التقدم التكنولوجي في مجال الذكاء الاصطناعي وأشباه الموصلات، عبر ضخ الاستثمارات العامة في تلك القطاعات المتطورة.

ومن بينها على سبيل المثال، شركة المعمر لأنظمة المعلومات (MIS)، وهي شركة بارزة في مجال حلول تكنولوجيا المعلومات والاتصالات وتكامل الأنظمة في المملكة العربية السعودية، التي أعلنت في 24 يناير 2024 عن استثمار كبير بقيمة 5 ملايين دولار (18.75 مليون ريال) في (OpenAI). هذا وقد سبق في منتصف الشهر ذاته، أن كشف صندوق الاستثمارات العامة السعودي عن خطط للاستثمار في قطاع أشباه الموصلات، على هامش فعاليات المنتدى الاقتصادي العالمي 2024 في دافوس.

وفي إطار حرص الدولة على تبني تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي، حصلت السعودية في أغسطس 2023، على أكثر من 3000 شريحة (Nvidia H100)، التي توصف بأنها “أول شريحة كمبيوتر في العالم مصممة للذكاء الاصطناعي التوليدي” لجامعة الملك عبد الله للعلوم والتكنولوجيا.

وتعد هولندا واحدة من أهم الدول الأوروبية في قطاع أشباه الموصلات؛ حيث تمثل شركات أشباه الموصلات الهولندية نحو 9% من حصة السوق العالمية لأشباه الموصلات، وتأتي بذلك في المركز الرابع بعد الولايات المتحدة 52% وتايوان 16% والصين 12%؛ ما يجعلها تنافس الدول الكبرى في الصناعة، فيما تمثل قيمة هذه الشركات 24% من قيمة جميع شركات سوق الأوراق المالية المسجلة في هولندا؛ أي نحو 276 مليار يورو؛ وذلك ارتفاعاً من قيمة 5% في عام 2017.

هذا وتستثمر الحكومة الهولندية نحو 230 مليون يورو في هذا القطاع كجزء من “استراتيجية التكنولوجيا والابتكار” المندرجة تحت “الاستراتيجية الوطنية للتكنولوجيا” الأوسع نطاقاً الصادرة في يوليو 2023. أضف إلى ذلك الدور الذي تلعبه شركتها الرائدة إيه إس إم إل (ASML) في الصناعة؛ حيث تقوم بتصنيع الآلات الضرورية لإنتاج أشباه الموصلات العالية الجودة.

و على خلفية الجولة الآسيوية التي أجراها الرئيس التنفيذي لشركة إنفيديا جنسن هوانج (Jensen Huang) في ديسمبر 2023، وقعت شركة التكنولوجيا الهولندية العملاقة ASML وشركة سامسونج للإلكترونيات في 13 ديسمبر 2023، صفقة بقيمة 700 مليون يورو لبناء مصنع لأبحاث أشباه الموصلات في كوريا الجنوبية. وعليه، أعرب مسؤولون كوريون جنوبيون عن كون التعاون في مجال الرقائق الإلكترونية بين كوريا الجنوبية وهولندا، قد تحول إلى تحالف كامل للرقائق. وبحسب وزير التجارة في كوريا الجنوبية، فإن “الاستثمار المشترك الجديد بين شركة الرقائق الهولندية ASML وشركة سامسونج الكورية في مركز أبحاث في كوريا الجنوبية، من الممكن أن يمنح كوريا الجنوبية اليد العليا على المنافسين في صناعة الرقائق المتطورة”.

و يؤكد مراكز أنترجونال أن  تعدد الفاعلين في صناعة أشباه الموصلات، فتح فرصاً واعدة أمام التوسع في المجالات المتطورة؛ وذلك في ظل تشابك مستقبل صناعة أشباه الموصلات مع التقنيات الناشئة في الذكاء الاصطناعي؛ كالحوسبة العصبية، التي تهدف إلى محاكاة الهياكل العصبية للدماغ البشري وطرق المعالجة؛ ما يوفر نقلة نوعية في كيفية معالجة البيانات وتحليلها، والحوسبة الكمومية التي تَعد بزيادة القوة والكفاءة الحسابية بصورة كبيرة، بالشكل الذي قد يُحدث ثورة في مجالات التشفير، وعلوم المواد، ومحاكاة الأنظمة المعقدة؛ ما قد يتيح الحصول على أشباه موصلات أكثر كفاءة وقوة، وهو أمر بالغ الأهمية لمستقبل صناعة أشباه الموصلات عالمياً.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى