الحوار

عبد الرحمان رشيق في حوار مع لوسات أنفو : ثلاثة أشهر من الاضرابات سلوك جماعي يشكل تحديا للدولة و المجتمع

قال انه لا يمكننا الحديث عن التآكل و التواري بالنسبة لدور الاحزاب و النقابات

لوسات أنفو : أيوب داهي

كشفت دينامية الحراك التعليمي  الاخير عن تحولات عميقة في أشكال التنظيم و التعبير, و عن انتظارات و مطالب و طموحات كبيرة  لفئة رجال و نساء التعليم داخل المجتمع. حيث خاضت الشغيلة التعليمية اضرابا تاريخيا امتد لأكثر من ثلاث اشهر عبرت من خلاله عن رفضها للنظام الاساسي لموظفي قطاع التربية الوطنية.

في هذا الحوار   يرصد أستاذ علم الاجتماع الحضري, و الباحث في الحركات الاجتماعية, عبد الرحمان رشيق الادوار التي لعبتها التنسيقيات خلال الاضراب الذي عرفه قطاع التعليم بالمغرب و عن خصوصية هذه  التنسيقيات و عن علاقتها ايضا بباقي الفاعلين الكلاسيكيين من أحزاب و نقابات.

س1 – هل يمكن ان نعثر اليوم في الحراك التعليمي و الذي تقوده تنسيقيات رافضة لرقابة النقابات و الاحزاب نموذجا يتم تعميمه على الفعل الاحتجاجي بالمغرب ؟

لا. التنسيقيات هي شكل من أشكال الاحتجاج الاجتماعي الذي يعرض نفسه كمجموعة هدفها الوحيد هو الدفاع عن الأفراد الذين ينتمون لها بدون خلفية سياسية و بدون ايديولوجيا على الأقل مرئية، يعني ظاهرة للعيان. هذا لا يعني أنه لا توجد داخل التنسيقيات أفراد و مجموعات سياسية أو ذات طابع أيديولوجي تحمل مشروعا او برنامجا سياسيا معارضا للنظام الاجتماعي و السياسي السائد. وهدف التنسيقيات هو تعبئة أكبر عدد ممكن من الأفراد غير المنتمين متبنين مطالب مادية كالرفع من الأجور و معنوية كإبراز شعارات تطالب بالكرامة وتندد بالحكرة…

إنّ خصوصية هذه الحركة تكمن في انتظامها في شكل تحالف العديد من الحركات غير المتجانسة سياسيا. حيث يعملون على وضع خلافاتهم وتمايزاتهم السياسية والايديولوجية المتنامية جانبا من أجل إبراز شعارات ومطالب متوافق حولها للضغط على الدولة بأكبر عدد ممكن من المحتجين من خلال إنجاز أفعال جماعية سلمية عبر احتلال الفضاء العام. وتلعب شبكات التواصل الاجتماعية (الفيسبوك) دورا مهما في تعبئة الأفراد والرأي العام الوطني.

صحيح ان الفاعل السياسي و الفاعل النقابي كانا يلعبان أدوارا طلائعية في تأطير وقيادة الاحتجاجات الاجتماعية. والآن التنسيقيات تعمل على أن  تنافس النقابات التي مازالت تلعب دورا أساسيا في تعبئة الجماهير ولكن بمسؤولية كبيرة، يعني دون المخاطرة أو المغامرة  التي من شأنها أن تؤدي الى الباب المسدود، حيث تعمل على تجنب السلوكيات المتطرفة كما تفعل بعض التنسيقيات حاليا. نسجل الآن أكثر من ثلاثة أشهر من الاضراب في التعليم على المستوى الوطني فهذه كارثة عظمى لا يمكن تداركها، سلوك جماعي يُشكل تحديا للدولة وللمجتمع.

نسجل الآن أكثر من ثلاثة أشهر من الاضراب في التعليم على المستوى الوطني فهذه كارثة عظمى لا يمكن تداركها، سلوك جماعي يُشكل تحديا للدولة وللمجتمع.

ويعمل على تحقيق شعار التنسيقيات : “فلتأت الرياح كيفما شاءت لقد أحرقنا السفن ولا نبالي”، “وللي ليها،ليها”. فعوض الحوار والعمل مع النقابات كمؤسسات وليس مع أفراد معينة ذهبت التنسيقيات في تحدي صارخ لكل المؤسسات تمشيا مع شعارها “كن على يقين بأنه اذا استمر اتحاد الأساتذة فلا يمكن لقوة بشرية أن تهزمهم”. وكذلك : شعار “ارفعوا رؤوسكم فأنتم تكتبون التاريخ يأهل العز والنخوة والكرامة”. هذه الشعارات لا تعبر على مطالب فئوية مادية  ومعنوية بل هي تعبير عن سلوك حربي وعدواني اتجاه المؤسسات القائمة (الدولة والنقابات وجمعيات أباء التلاميذ). فأما مصلحة ملايين التلاميذ وعائلتهم فهي لا تُعتبر. فاذا كان الاضراب حق دستوري فالتعليم كذلك حق دستوري. والدستور لا يتحدث عن اضراب بدون نهاية. وفي بداية سنة 2023 بدأت التنسيقيات تهدد بالمزيد من التصعيد بعد حملة التوقيفات عن العمل لبعض الأطر التعليمية من طرف وزارة التعليم. فعدم تبني مشاريع قانون الاضراب التي صاغته الحكومة  وأرباب العمل( CGEM )  وبعض النقابات (CDT و UMT ) ساهم في تكريس هذه الوضعية الكارثية.

فعلى الرغم من نجاحات التنسيقيات في تعبئتها المتكررة في شوارع المدن المغربية، أبت الحكومة إلا أن تضع نفسها في مأزق لأنها رفضت، شأنها شأن الحكومات السابقة، فتح باب الحوار مع التنسيقيات المنظمة والمهيكلة بطريقة جيدة وفعالة والتي عبرت عن تمثيليتها للأطر التعليمية في الشارع العام ومن خلال الاستمرار في الاضراب، وذلك تحت دريعة أن التنسيقيات ليس لها أي إطار قانوني.  فعلى الرغم من التوافق بين وزارة التعليم والنقابات الأربع الذي يسمح مبدئيا برجوع الأطر التربوية إلى أقسامهم، فإن التنسيقيات استمرت في تنظيم اضراباتها وعرقلت بذلك نتائج الحوار الذي حاولت الحكومة من خلاله تلبية بعض مطالب الشغيلة التعليمية. وعبرت التنسيقيات بذلك عن نجاح تعبئتها وفشل النقابات في إعادة المياه إلى مجاريها.

فعلى الرغم من التوافق بين وزارة التعليم والنقابات الأربع الذي يسمح مبدئيا برجوع الأطر التربوية إلى أقسامهم، فإن التنسيقيات استمرت في تنظيم اضراباتها وعرقلت بذلك نتائج الحوار الذي حاولت الحكومة من خلاله تلبية بعض مطالب الشغيلة التعليمية. وعبرت التنسيقيات بذلك عن نجاح تعبئتها وفشل النقابات في إعادة المياه إلى مجاريها.

س2- يبدو أن تركة احتجاجات الاساتذة تهم أساسا ترسيخ مفهوم التنسيقية الذي يغطي تكتلا افقيا مختلفا عن التنظيمات العمودية, الا يبدو ان هذا المفهوم و قد ادخل الى الفعل الاجتماعي, كشف بعدا اخر يتعلق, بتحول الفئة الاجتماعية (الاساتذة نموذجا) على قاعدة الفعل الاحتجاجي و ليس الطبقة؟

لم أستوعب سؤالك جيدا. لكن يمكن أن أقول لك أن ليس هناك تعارض بل تنافس بين التنسيقيات والمنظمات النقابية  بحيث  أن المناضلين والمتعاطفين مع المنظمات النقابية يوجدون ويناضلون كذلك من داخل التنسيقيات. و التنسيقيات في حاجة لتضامن النقابات مع مطالبها. فالنقابات والأحزاب السياسية عكس التنسيقيات لا تناضل فقط من أجل  الزيادة في الأجور وتحسين شروط العمل والحريات النقابية… وانما تلعب كذلك دور الوسيط  وحائط ضد الصدمات “البارشوك” في الصراعات الاجتماعية سواء في تصعيد النضالات أو تلطيف الأجواء. ويبقى الهدف هو أولا تحقيق مطالبها وثانيا تجنب  ما لا تحمد عقباه. وهذا ما أعنيه بالمسؤولية. فالفرق الكبير بين التنسيقيات والنقابات في تدبير الإضرابات والأزمات الاجتماعية لأنهم يتوفرون على الكثير من التجارب والمهارات النضالية. هذا لا يعني أنه لا يوجد مناضلون متمرسون ومحترفون في مجال التعبئة الاجتماعية التي تتطلب كفاءات ثقافية وتنظيمية. إنّ مجموع المعارف والمهارات المطلوبة للتدخل بكلّ كفاءة في الفضاء العام هي اليوم أكثر اتساعا ممّا كانت عليه من قبل: إتقان مخاطبة العموم، والتواصل السلس، وإلقاء خطب تهمّ المصلحة العامة، وتنشيط الاجتماعات، وتدبير المفاوضات بين مصالح متضاربة… كلّها أليات ديمقراطية لا يتقنها أغلب المواطنين. ولقد أرسى المغرب إبان العشرين سنة الماضية، تقاليد الاحتجاج الاجتماعي السلمي وكسب خبرة و مهارات مرتبطة بتنظيم وتدبير الأفعال الاحتجاجية الجماعية في المجال العام كاستعمال مكبّر الصوت، والاختيار القبلي للشعارات، وتهييئ اللافتات، وتنظيم الحشود، وتعيين مخاطبي السلطات المحلية، وتعبئة الصحافة والقنوات التلفزية، ومراسلة السلطات المحلية… مع الانفتاح السياسي التدريجي ابتداء من سنوات 2000 تكاثرت الاحتجاجات في المجال العام. تجلى ذلك في تنظيم 700 اعتصام ومظاهرة، (أي بمعدل اعتصامين في اليوم الواحد) في سنة 2005. وانتقل هذا العدد إلى  17.186 احتجاج (مظاهرات واعتصامات في المجال العام في سنة 2012 حسب ما سجّلته مصالح وزارة الداخلية بشكل رسمي (للمزيد من التفاصيل انظر كتابي المجتمع ضد الدولة). وقد وصل هذا الرقم بعد ذلك إلى ما يقارب  20.000 مظاهرة.

س3- يبدو ان دور الاحزاب و النقابات المتمثل في احتضان المطالب الشعبية و التعبير عنها ماض في التآكل و التواري, فهل يمكن اعتبار الحركات الاجتماعية و ضمنها الحراك التعليمي شكلا جديدا من أشكال التسيس قد يقطع مع آليات الوساطة التقليدية و يفتح الطريق لتحولات جذرية في هذه الاليات ؟

لا يمكننا الحديث عن التآكل و التواري بالنسبة لدور الاحزاب و النقابات، فالفاعل السياسي و النقابي يلعبان دورا محوريا في التعبئة بمسؤولية كبيرة يعني دون المخاطرة أو المغامرة  التي تؤدي الى الباب المسدود.

يجب القول أن هناك فرص سياسية جديدة وميزان قوى جديد (هو الآن ليس في صالح الفاعلين الكلاسيكيين) وظهور فاعلين جدد كالجمعيات الحقوقية وحركة 20 فبراير والتنسيقيات والمجموعات التي تدافع عن مصالح مادية صرفة كالشغل أو الزيادة في الأجور و تحسين شروط العمل… وذلك بدون مرجعيات سياسية او أيديولوجية محددة. حيث أعلنت عن هدفها الوحيد الذي يتحدد في الدفاع الحصري عن مطالب الشغيلة التعليمية وقد بينت عن نجاعة خطتها بالإعلان عن استقلاليتها السياسية والنقابية حيث ضمت اليها أغلبية الأطر التعليمية بمختلف مشاربها.

يجب الإقرار بأن الدولة والمجتمع المغربي قد تغيرا بشكل كبير خلال العشرين سنة الاخيرة. وأن هذه التغيرات الكثيفة على المستوى السياسي والاجتماعي أفرزت مطالب جديدة وفاعلين جدد كالجمعيات والتنسيقيات وبالتالي أنواعا جديدة من الأشكال الاحتجاجية التي فرضت نفسها من خلال احتلال المجال العام (وقفات ومسيرات ومظاهرات) بصفة سلمية، والتي تضاعفت بشكل كبير، كما أشرنا الى ذلك، حيث كان المعدل المسجل هو 56 احتجاج في اليوم الواحد ليتضاعف بذلك 28 مرة مقارنة بالرقم المسجل في سنة 2005.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى