تحليلات استراتيجية

سياسة الصين للتأثير في الداخل الأمريكي

لوسات أنفو: خديجة بنيس

 أفاد تقرير لمركز أنترريجونال للتحليلات الإستراتيجية أنه بالإضافة إلى كون الصين  ثاني قوة اقتصادية في العاالم، فإنها تكثف جهودها في  تطوير قوتها الناعمة، بحيث استطاعت من خلالها اختراق بعض الدول والمجتمعات، من بينها الولايات المتحدة الأمريكية القوة العالمية الأولى، و نجحت في تشكيل لوبي متنوع داعم لها في الداخل الأمريكي.

ويضف المركز أن الصين تمكنت من التأثير في الداخل الأمريكي من خلال عدد من الأدوات مكَّنتها من تجنيد عدد من السياسيين الأمريكيين البارزين للتأثير في عدد من المؤسسات الأمريكية، خاصة في ظل أطماع بعض القيادات الأمريكية السابقة،  التي وجهت أعينها اتجاه الصين قبل أن تغادر مناصبها حفاظاً على مصالحها التجارية.

 بحيث تعدد السياسيون والمسؤولون الأمريكيون السابقون الذين يسعون إلى تحقيق مصالح الصين، إذ يساعدون في جلب وفود من أعضاء الكونجرس الأمريكي إلى الصين لتعزيز العلاقات بين الدولتين.

 وأبرز RIM أن بكين وظفت قوتها الاقتصادية لفتح أبوابها أمام الشركات من الداخل الأمريكي التي تلتزم بقواعدها التجارية مقابلإغلاق الباب أمام الشركات التي تتجاوز خطوطها الحمراء؛ وراهنت على تلك التي تربطها صلات وثيقة بالحزب الشيوعي الصيني، ما منحها نفوذاً قوياً على الشركات الأجنبية التي تربطها بها مصالح تجارية.

وذكرالمصدر ذاته، وفقا لتحقيق أجرته صحيفة “نيويورك تايمز”، في شهر غشت الجاري ،  والذي خلص إلى أن “نيفيل روي سينجهام” (رائد التكنولوجيا الأمريكي) ساعد في نشر الدعاية الصينية في جميع أنحاء العالم من خلال شبكة من المنظمات غير الربحية “سينجهام”، وتدعم الحزب الشيوعي الصيني علناً، والتي تعد من أهم الأدوات التي توظفها الصين في عهد الرئيس الصيني “شي جين بينج” لحشد المؤثرين الأجانب كي ينشروا روايات إيجابية عنها.

ولم تقف أطماع الصين هنا، فوفقا لمركز إنترريجونال تسعى الصين  إلى التأثير أيضا في مؤسسات التعليم العالي الأمريكية وصناعة الأفلام وقطاع التكنولوجيا وغير ذلك من مصادر القوة الناعمة الأمريكية؛ وذلك من خلال جملة من الأدوات قد تشمل الاستثمار والدعاية، وقد تصل إلى حد التجسس؛ وقد أعلن البيت الأبيض في وقت سابق أن الصين تشكل “خطراً مروعاً” على المصالح الأمريكية والرفاهية الاقتصادية والقيم.

و حسب المركز المذكور، تهدف بيكين من خلال هذه الأدوات إلى تشكيل الخطاب العام، والضغط على الشخصيات السياسية التي تعتقد أنها تعارض مصالحها، وإخماد الانتقادات الموجهة لها ذات الصلة بقضايا الحرية الدينية وقمع الديمقراطية في هونج كونج.باعتماد وسائل الإعلام والتقنيات الرقمية الحديثة لتلميع صورتها والإساءة ومعاقبة المعارضين وكذا الشركاتالأجنبية التي يسيء خطابُها للحزب الشيوعي الصيني.

ويرجح التقرير أن الصين قد تتجه في المستقبل إلى التأثير في أبرز العمليات السياسية الأمريكية، ممثلة في الانتخابات الرئاسية، لا سيما إن استمر التدهور في العلاقات الأمريكية–الصينية، في ظل تخوف بعض الشخصيات القيادية الأمريكية من أن بكين قد تضغط على صانعي التطبيقات الصينية الشهيرة مثل “تيك توك” و”وي تشات” لدعم حملات تأثير سرية تستهدف الناخبين الأمريكيين.

ويذكر أنه في وقت سابق أشارت وكالة “أسوشيتد برس” إلى تحذير استخباراتي أمريكي غير سري يشير إلى محاولة الصين التأثير في الانتخابات لإعاقة المرشحين الذين يُنظر إليهم على أنهم خصوم لها.

كما أشارت “منظمة فريدوم هاوس” إلى أن محتوى وسائل الإعلام الحكومية الصينية يصل إلى مستهلكي الأخبار في الولايات المتحدة مباشرةً، من خلال محتويات مدفوعة من “تشاينا ديلي” ووكالة الأنباء “شينخوا” في المنافذ الإخبارية الوطنية والإقليمية.

ويشير المصدر أن الصين أنفقت على مدار السنوات الست الماضية أكثر من 280 مليون دولار للتأثير في السياسات الأمريكية أكثر من أي دولة أجنبية أخرى؛ لتغيير وجهات نظر الأمريكيين تجاه الصين على نطاق أوسع؛ من خلال الضغط المكثف والسيطرة على وسائل الإعلام الأجنبية ونشر حملات تضليل معقدة في إطار أنماط التأثير التي تمارسها منذ عقود بهدف تغيير الروايات لصالحها وتجنيد السياسيين الموالين لها.

  وأورد المركز أن الحكومة الصين استثمرت في معاهد كونفوشيوس أكثر من 150 مليون دولار على معهد كونفوشيوس بين عامي 2006 و2019، ووصفه أحد  كبار قادات الصين بأنه “قناة مهمة لتمجيد الثقافة الصينية ومساعدتها على الانتشار عالمياً، وجزء مهم من استراتيجية الدعاية الخارجية للصين”.

  وتهدف الصين من خلالها  إلى دفع وجهات النظر المؤيدة للحزب الشيوعي الصيني، والتأثير في الطلاب الأمريكيين، وخنق الحريات الأكاديمية تحت مسمى تعلم اللغة والثقافة الصينية.

ويشيرالتقرير أن ذلك يفرض صعوبات عدة على إدارة الرئيس الأمريكي “جو بايدن” لمجابهة التوسع المضطرد في القوة الناعمة الصينية داخل حدود الولايات المتحدة بأدوات ثقافية عدة تحقق أهدافاً سياسية.

ووفقاً لمركز مكافحة التجسس، يتزايد قلق أعضاء الكونجرس من النفوذ الصيني، بعد أن استهدفت بكين بشكل متزايد السياسيين المحليين ورؤساء البلديات والمحافظين ومشرعي الولايات، وكثفت جهودها لاستهداف قادة الولايات المتحدة والقادة المحليين، وقد ذكر مسؤولو المخابرات الأمريكية الحاليون والسابقون أن “فانج” جمعت قدراً كبيراً من المعلومات الخاصة غير السرية حول المسؤولين الحكوميين والاستخبارات السياسية الأخرى، وأنها كانت ترسل هذه البيانات بشكل شبه مؤكد إلى الصين.

  وختم التقرير أنالولايات المتحدة تدرك خطورة التغلغل الصيني في العمق الأمريكي بطرق وأدوات عدة لتحقيق مصالحها وتغيير الصورة الذهنية عنها وغض النظر عن أي انتهاكات ترتكبها في مجال حقوق الإنسان. وفي المقابل، تتعدد الجهود الأمريكية الرامية إلى مراقبة وتقويض الأنشطة الصينية، وإن دفعت بعض التحليلات بأن الفضاء الإعلامي والإلكتروني، وتحديداً وسائل التواصل الاجتماعي، يجب أن تنال الاهتمام الأمريكي الأكبر؛ لأن الصين قد تتمكن من خلالها من التأثير في عموم المواطنين على نحو يتجاوز التأثير في بعض النخب الأمريكية من خلال الشركات التجارية والتمويل والإغراءات المالية.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى