الحكاية اسمها مكان

سلاطين وعلماء المسلمين يشككون في انتماء المسلمين الجدد “اليهود المغاربة”

لعل الدارس للتاريخ سيجد أن الأسر اليهودية التي أسلمت بقيت تعاني من التمييز

 

إ.المجداوي بنصالح.

بقيت نظرة الشكوك والارتياب في نفوس سلاطين وعلماء المغرب تجاه اليهود المغاربة الذين أسلموا، إذ لم يشفع لليهود الإسلاميين اعتناقهم للدين الاسلامي ولاتقدمهم ومستواهم الرفيع سواء في العلوم أو في الشريعة..

ورغم اعتناق عدد كبير من المغاربة اليهود الإسلام، سواء كرها او طواعية،ظلوا يعانون التهميش والإقصاء، حتى وإن بلغ بعضهم شأوا كبيرا في العلم والثروة.. لكن خلال تاريخ المغرب الطويل، بادر نفر كبير من اليهود إلى الالتحاق بالإسلام طواعية، إما اقتناعا منهم بهذا الدين، أو رغبة منهم في تحسين وضعيتهم الاجتماعية والتخلص من وضعية الذم والإهانة التي تحرمهم من امتيازات كثيرة وتجعل منهم رعايا من درجة ثانية.

لعل الدارس للتاريخ سيجد أن الأسر اليهودية التي أسلمت بقيت تعاني من التمييز بالرغم تناسل هذه الأسر عبر أجيال وقرون، بل وبالرغم من ترعرعها في أوساط إسلامية محضة مثل باقي مكونات المجتمع المسلم بالمملكة. وعلى الرغم من إفرازها لعلماءمرموقين درسوا بجامعة القرويين وأخذ عنهم العديد من الأجيال المغاربة الذين قصدوا العاصمة العلمية فاس طلبا للعلم والاستزادة والتكوين، غير أن وصمة اليهودية بقيت عالقة بهم ضدا على كل منطق سليم، وبتضاد واضح  مع مبادئ الإسلام السمحة التي تتنافى والتمييز القائم على العرق والأصول.والأدهى من كل هذا أن دعاة التمييز ضد الإسلاميين هم مسلمون كبقية المسلمين، الذين لم يكونوا كسائر العامة، إذ منهم علماء وفقهاء عملوا على تجنيد أقلامهم للضرب والنيل من اليهود الإسلاميين، لا لشيء سوى أنهم ينحدرون من أصول يهودية.

نماذج لرسائل وشهادات توثق الشكوك والارتياب حول اليهود الإسلاميين..

رسالة المولى إسماعيل إلى أهل فاس بتاريخ ٥جمادى الثانية، ١١٣٠ه، الموافق ٦ماي ١٧١٨م:

السلطان يعاتب المسلمين.. ويستنكر تكاثر الدجاج الأبيض.

《…فاعلموا أنا كنا كتبنا لكم ولأهل فاس كافة براءة خاطبناكم فيها بما هو حق وما هو واجب عليكم، وقرأها عليكم خديمنا كاتبه إليكم. واليوم أفردناكم بالخطاب على الخصوص استدراكا لأمور لم يتناولها ذلك الكتاب المنصوص. وذلك أني أنا عبد الله كنت أعرفكم على عهد أخينا مولاي رشيد رحمه الله، منكم الجيش ومنكم العيش، وقط ما غفل مولاي رشيد ولا أهمل مسألتكم، ولا استبدل بكم غيركم. وكان يخدمكم ويعطيكم راتبكم وما يخلي بكم موضعا من المواضع، ولا حركة من الحركات، ويقدمكم إلى الشر ويرمي بكم في مواطن الموت، ويلجئكم إلى معاقل البربر التي كان يعاني من حصارها بسوس وغيره… وفي الحقيقة، الأندلس واللمطيون هم أهل فاس عمدة أهل فاس، وأما غيركم فما ثم إلا الدجاج الأبيض ومن لا يعد لا في العير ولا في النفير من البلدية وغيرهم. واليوم غطيتم رؤوسكم ورجعتم للحرف والفلاحة وسلمتم الكلام للبلديين، كم من واحد منكم يغرس الجنان الذي قيمته أربعمائة مثقال أو ستمائة مثقال ويبيعه للبلديين. رضيتم بالاستكانة والخمول والمهانة… ولا رأينا لكم فائدة ولا ظهر لكم حس ومزية، لا في حركة ولا في إدالة، ولا في داخل ولا في خارج، وهذه إيالة سبتة جبرها الله بالإسلام فيها منكم مائة رام، ما ماتوا ولا مات منهم حتى ستة أو أربعة…》.

شهادة لفيفية تعود إلى القرن ١٦، اعتمدها علماء فاس لإصدار فتاواهم المناهضة للإسلاميين:

قبة قيسارية فاس.. منزهة عمن لا مروءة له ولا ديانة

《يشهد من يتسمى عقب تاريخه بأهل فاس… وبمعرفة قبة قيسارية المدينة المذكورة -كلاها الله وحفظها- ويشهدون أنهم منذ عرفوا بعقولهم وميزوا بأذهانهم، أن القبة المذكورة لم تزل تلحظ بعين الوقار، وتنزه حتى من دخول الملاهي والمزمار، لا يعمرها إلا أهل الفضل والديانة، ممن تحفظ عندهم الوديعة وتؤتمن عندهم الأمانة. وكذلك سمع شهوده عن آبائهم، وآبائهم عن أسلافهم، أن المهاجرين من المسلمين ممنوعون من اعتمارها بطول الأيام، وتقادم الشهور والأعوام، أو من تقدم أو تأخر من ملوك الإسلام -قدس الله أرواحهم- لم يبيحوا لهم أن يعمروها ولم يسمحوا لهم في ذلك بوجه ولا بحال، مستمرين على ذلك خلف عن سلف حتى الآن، لم يخرق أحد من الملوك ولا من العلماء المتقدمين والمتأخرين على سكانها بدخول المهاجرين فيها عادة، ولا أحداث نقص في ذلك ولا زيادة، صونا للقبة المذكورة عن الغش والخيانة، بأن يعمرها من لا مروءة له ولا ديانة… أواخر شهر الله المحرم فاتح عام أربعة وثلاثين وتسعمائة》.

محمد ميارة الفاسي.. مؤلفات تنصف اليهود وترد على المشككين في إسلامهم:

التفريق بين المسلمين بما لم ينزله رب العالمين.

برز من بين المغاربة اليهود الذين اعتنقوا دين الإسلام، العديد من علماء الشريعة على المذهب المالكي، ولعل من بين أشهر هؤلاء محمد بن أحمد ميارة الفاسي. وهذا الأخير رأى النور بفاس  سنة ٩٩٩ه /١٥٩٠م، و وري الثرى بها سنة ١٠٧٢ه /١٦٦٢م. عُرف عنه أنه تتلمذ على يد العديد من الفقهاء المغاربة ونهل من معينهم أصناف شتى من العلوم. وبعد أن نبغ ميارة في العلم، تخرج على يديه جملة من الطلاب الذين أصبح بعضهم من الفقهاء المبرزين، منهم محمد ميارة المعروف بالصغير ومحمد المجاصي وأبو سالك العياشي…إلخ.

ورغم سعة علم ميارة وشهرته، لم يتربع على أي منصب ولم يتولى أي وظيفة شرعية أو دنيوية. ترك ميارة نزر كبير من الآثار و المؤلفات التي طابقت شهرتها الآفاق، فنورت العقول ولقحت الأفكار. يذكر منها الفقهية الطابع، والسجالية. أما من الصنف الأول العديد من الشروح، منها كتاب “الدر الثمين والمورد المعين في شرح المرشد المعين”، ثم “الإتقان  والإحكام في شرح  تحفة الحكام”، و “شرح لامية الزقاق” ثم شرح هدى الساري مقدمة ابن حجر على صحيح البخاري وقد سماه ب “نظم اللآلئ والدرر في شرح مقدمة ابن حجر” أو “معين القارئ لصحيح البخاري”.. أما الصنف الثاني لمؤلفاته، فكان تدوينه لمؤلف للرد على المشككين في إسلام المغاربة اليهود، وقد وسمه بعنوان: “تنبيه المغترين وكفاية المضطرين في التفريق بين المسلمين بما لم ينزله رب العالمين، ولا جاء به الرسول الأمين، ولا ثبت عن الخلفاء المهتدين”. وقد جاء هذا الكتاب في الأصل كفتوى عن قضية منع أحد الإسلاميين من امتلاك دكان بأروقة قيسارية فاس، لكونه ينحدر من أصول يهودية، وحديث الانضمام بالدين الإسلامي. عمل ميارة في مؤلفه هذا على الإتيان بكل الدلائل الشرعية، وبإسهاب آراء وفتاوي كل الفقهاء علىتفنيد أقوال ومزاعم المقرين بمنع الإسلاميين من العمل في قيسارية فاس، وذلك خدمة لمصالح مادية لفئة معينة من التجار على حساب فئة أخرى لا لشيء فقط لكونها تنحدر من أصول يهودية وحديثة العهد بالإسلام. وخلاصة فتواه أنه {لا يجوز  التفريق والمفاضلة بين المسلمين على أساس عرقي أو لوني أو سبق للإسلام}، كما دعا في كتابه إلى التسامح والتعامل بالحسنى لأن الإسلام دين المحبة والسلام.

يتبع…

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى