الحوار

خالد البكاري : للأسف تعودنا أن الدولة لا تلتفت لمنطقة ما إلا حينما تصبح منكوبة

الأولوية بالنسبة لي هي تنفيذ ما تم الإعلان عنه في بلاغ الديوان الملكي من إجراءات مستعجلة

لوسات أنفو:  أجرت الحوار خديجة بنيس

كشف زلزال الحوزعن واقع المغرب العميق الذي طالما عاش في عزلة ، فجاء الزلزال ليعمق الجراح، فبالإضافة إلى جغرافية المنطقة، شكلت المسالك الطرقية المؤدية لهذه المناطق، وضعف البنية التحية التحدي الأكبر التي واجهته فرق الإغاثة التي تسابق الزمن لإنقاذ المواطنين من تحت الأنقاض.

في هذا الحوار نتناول  مع الأستاذ والحقوقي خالد البكاري، أهم النقاط التي طرحها الرأي العام للنقاش خلال متابعته لعمليات الإنقاذ وتوصيل المساعدات للمناطق المنكوبة.

 س: كلنا شاهدنا  حجم الدمار الذي خلفه زلزال الحوز، في نظرك لماذا وجدت قوات الإنقاذ صعوبة في الوصول إلى المناطق المنكوبة؟

 أعتقد أن الصعوبات مرتبطة بتضاريس المنطقة الصعبة من جهة، ومن ضعف المسالك الطرقية وحالتها المزرية من جهة أخرى، زيادة على أن هذه المسالك التي كانت متدهورة وضيقة حتى قبل الزلزال أصبحت مقطوعة في بعض النقط بسبب الانهيارات الصخرية، وفي بعض المناطق حتى استخدام المروحيات في إنزال فرق الإنقاذ كان صعبا باعتبار وجود بعض الدواوير والتجمعات السكانية في منحدرات وأجراف حادة، هذا دون أن نغفل أن الوقاية المدنية المغربية لا تمتلك خبرات كافية في عمليات الإنقاذ تحت الأنقاض، وهذا لا ينقص من التضحيات التي قام بها أفراد هذا الجهاز، وأعتقد أن الإشراف الحاسم للجيش ساهم في تقليل الخسائر بما يمتلكه من خبرات وتجهيزات. دون إغفال مجهودات السكان والمتطوعين خصوصا في الساعات الأولى التي تلت الزلزال، والتي عوضت نوعا ما الارتباك الذي تم تسجيله في بدايات التدخل من طرف السلطات بفعل عامل المفاجأة، وعدم وجود غرفة عمليات احتياطية تكون جاهزة أثناء حدوث الطوارئ لتباشر التدخلات الأولى والتي تكون حاسمة.

 س: يبدو أن  مخلفات الزلزال كشفت أيضا حجم العزلة التي كان قبل ذلك يعيش في ظلها  سكان تلك المناطق ؟

 لقد كشف تسليط الأضواء على هذه المناطق موازاة مع تغطية أحداث الزلزال حجم التهميش الذي كانت تعيشه تلك المناطق، وهذا التهميش لم يكن على مستوى البنيات الأساسية من طرق ومستوصفات وسيارات إسعاف وغيرها فقط، بل كذلك فإن الدولة لم تقم بأي مجهود معتبر لتنمية تلك المناطق وخلق الثروة بها، رغم أنها تتوفر على إمكانات سياحية ( السياحة الثقافية والسياحة الجبلية)، وثروات معدنية، كما أنها يمكن تطويرها فلاحيا عبر تطوير زراعة الأشجار المثمرة والرعي بما يتناسب مع الخصائص المناخية والتضاريسية.

فرق الإنقاذ تسابق الزمن للوصول إلى ناجين

س: هناك مناطق لا تقل عزلة عن تلك التي كشف الزلزال عيوبها والتي كثيرا ما تغاضت  الحكومة عنها ، ما مصيرها أيضا؟وهل ستنتظر الدولة  كارثة طبيعية اخرى  لاقدر الله حتى تلتفت  إليها؟

للأسف فقد تعودنا أن الدولة لا تلتفت لمنطقة ما إلا حينما تصبح منكوبة، وحتى حين تلاقي اهتماما يكون ظرفيا، ثم تعود الأوضاع لسابق عهدها، فهذه المناطق كانت في الخطابات والمشاريع المعلنة مستهدفة بعدة برامج من قبيل المبادرة الوطنية للتنمية البشرية وصندوق دعم العالم القروي وتقليص الفروقات المجالية الذي كان تحت إشراف رئيس الحكومة الحالي، وغيرها، ولكن الحصيلة كانت مخيبة للآمال، دون أن تكون هناك محاسبة حقيقية، بل إن مشاريع دشنها الملك شخصيا ولم تجد طريقها للتنفيذ أو شابتها اختلالات، مما يطرح سؤال: هل تم التلاعب في ميزانياتها أم أنه تم الإعلان عنها دون توفر الرصيد المالي الكافي؟، ولنا في زلزال الحسيمة عبرة، حيث انصب الاهتمام الإعلامي بالمنطقة، وتم الإعلان عن مجموعة من المشاريع الكبرى، وصولا للإعلان عن الورش الملكي: الحسيمة منارة المتوسط، وبعد الفشل في أجرأة كل ما تم الإعلان عنها، بدأت حركة احتجاجية كبيرة أفضت إلى حراك شعبي سنة 2017.

حسرة في قلوب المتضررين

س: هل تظن أن الجهات المعنية بالقرار التنموي  تضع  سكان هذه المناطق  فعلا ضمن سياساتها ؟

  لا نحتاج لحجب الشمس بالغربال، فلازال مدبرو الشأن العام يشتغلون وفق الخطاطة الاستعمارية : المغرب النافع والمغرب غير النافع، وحتى في هذه الفاجعة رأينا من المسؤولين وقيادات أحزاب الأغلبية ومقاولين كبار يتحدثون عن ضرورة إعادة توطين سكان هذه المناطق النائية في تجمعات بقرب الحواضر الكبرى، ولم ينظروا إلى هذه المناطق وسكانها إلا باعتبارهم عبئا ماليا وتدبيريا، ولولا بلاغ الديوان الملكي الذي كان حاسما في إعادة إيواء المتضررين في الأماكن نفسها التي كانوا يقطنونها لاستمرت هذه المطالبات التي تتعامل مع سكان الجبال وكأنهم لاجئون في بلدهم يجب إعادة توطينهم.

س: من المسؤول عن الوضع الكارثي الذي يعيشه إقليم الحوز وشيشاوة وتارودانت؟

 هم نفسهم المسؤولون عن كل مناطق البلد، أي سواء الذين يمثلون سلطات وإدارات سيادية، أو المنتخبون. فكل صاحب سلطة أو حائز على تفويض يتحمل نصيبا من المسؤولية.

س: ألم يحن الآوان لمحاسبة ناهبي المال العام؟ أم أن هذه الفاجعة ستمر مرور الكرام؟

 منطق الواقعية يقول إنه لن تكون هناك محاسبة إلا ما يمكن أن يمس بعض أكباش الفداء ممن لاحماية كبرى لهم، ودلك قياسا إلى ما تواتر من تجارب ووقائع سابقة، لكن منطق الأمل إن كان له منطق يجعلنا نتمنى أن يتم هذه المرة التفعيل الأمثل للمبدأ الدستوري الذي يقول باقتران المسؤولية بالمحاسبة، ولكن الأولوية بالنسبة لي هي تنفيذ ما تم الإعلان عنه في بلاغ الديوان الملكي من إجراءات مستعجلة، لأنه في حالة تكرار ما سبق ستكون هناك صدمة ستزيد من تعميق الإحساس بعدم الثقة في الوعود المعلنة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى