روبورتاج

حول البرنامج السياسي لحزب ”النهج” الحامل لآمال البروليتاريا المغربية

حزب يطرح مرحليا مسألة الديموقراطية و يفتح الافق لمجتمع اشتراكي بديل

 

لوسات أنفو : داهي أيوب

أعلن حزب النهج الديموقراطي العمالي في مؤتمره الاخير, عن نفسه   حزبا للطبقة العاملة المغربية . و جاء هذا الاعلان اثر مسار طويل  اقتنع فيه رفاق ”عبد الله الحريف” الامين العام الاول في تاريخ هذا الحزب, بضرورة  تحمل مسؤولية تأسيس معبر سياسي عن طبقة العمال و الفلاحين و عموم الكادحين في المغرب, باعتبارها الطبقة التي تشكل السواد الاعظم من المجتمع المغربي دون ان تحوز على تمثيلية سياسية.

يعتبر حزب النهج الديموقراطي العمالي نفسه شكلا من أشكال الاستمرارية  للحركة الماركسية اللينينية المغربية و تحديدا منظمة ”الى الامام ” الثورية. فهو يعلن بوضوح تشبته بالإرث الكفاحي لهذه الحركة, كما أنه لا يستعيض عن استجداء  مشروعيته النضالية من التضحيات الجسام التي قدمتها الحركة, خصوصا أن أغلب أطر هذه  المنظمة  هم من  ساهموا في تأسيس الحزب بعد خروج بعضهم من السجون و عودة الاخرين من المنافي.

يلقي حزب النهج الديموقراطي العمالي على عاتقه مسؤولية تخليص عاملات و عمال  و باقي كادحي و معدمي  المغرب في المصانع و الضيعات الفلاحية من نير الاستغلال و الاستلاب الرأسمالي, و من ثم بناء مجتمع بديل و أشكال جديدة للحياة تضمن الكرامة للجميع و تقضي على التمييز و التفاوت الطبقي.  و من أجل  ذلك يرمي الحزب الى بناء  أداة  سياسية قوية قادرة على  تحقيق هذا المطمح. بداية  يتسلح النهج  بزاد  ايديولوجي متضخم   ينهل من المشروع التاريخي و المعرفي  الذي انتجه المفكر الالماني كارل ماركس و طوره  الروسي فلاديمير لينين. حيث  يقول الحزب في أوراقه المنبثقة عن مؤتمره الخامس ” يتبنى حزب النهج الديموقراطي العمالي الماركسية –اللينينية, كمنهج في التحليل و كنظرية في التغيير الثوري, و كمشروع مجتمعي بديل, وضع ماركس و انجلز حجرهما الاساس و أغناها لينين بشكل جوهري على المستويات الفكرية و السياسية و التنظيمية و المنفتحة على اسهامات قادة ماركسيين, خاصة ماوسيتونغ و روزا لوكسمبورغ و غرامتشي, و غيرهم من المفكرين و القادة الشيوعيين الذين قدموا اضافات أغنت الماركسية.”

هنا نسجل التطور الذي عرفه الخط الفكري لهذا الحزب منذ مؤتمره الاول , حيث انتقل من تبني ما أسماه ”الجوهر الحي في الماركسية” الى خط ”الماركسية المنفتحة” على اسهامات القادة الشيوعيين, لينين و ماوسيتونغ و غرامشي و روزا لوكسمبورغ , وصولا في مؤتمره الاخير الى الالتزام وضوحا   ”بالماركسية اللينينية” و اعتبارها نظرية الطبقة العاملة و مخلصتها.

مبدئيا لا يمكن تجاهل  الصبر و الروية  الكبيرين الذين تحلى بهما رفاق ” الحريف” و كذلك الاجتهادات المتواصلة و الجهد العسير و الايمان العقلاني بالتراكم  في مشوارهم الطويل منذ تأسيس الحزب سنة 1995 الى حدود سنة 2022 تاريخ انعقاد المؤتمر الخامس الذي أعلنوا فيه عن أنفسهم ممثلين حصريين لعمال و فلاحي المغرب.

ان الترسانة النظرية  التي يتشبع بها حزب النهج, تحيطه بهالة من الفرادة و التفرد مقارنة بباقي تنظيمات اليسار الاخرى في المغرب. فيقترح الحزب الماركسي المغربي جملة من الخطط و التكتيكات و الاستراتيجيات التي يطمح من خلالها الى تحقيق التغيير الديموقراطي الجذري المنشود, و فتح المسالك و الافق لإقامة المشروع الاشتراكي الذي يحلم به. و مثله مثل باقي التنظيمات الماركسية حول العالم يمتلك حزب النهج الديموقراطي العمالي منطلقات مضبوطة و أهداف واضحة, تؤطرها الفلسفة الماركسية حيث يستكين لقوانين الجدل المادي لدراسة التشكيلة الاجتماعية المغربية, حيث يستخرج منها تناقضين حسب وجهة نظره , الاول أساسي و الثاني رئيسي  كما  يستلهم من التصور المادي للتاريخ الذي صاغه ماركس واقع التشكل الطبقي و التاريخي للشعب المغربي و هويته و يقدم عناصر اجابة أطلق عليها اسم ”السيرورات ”  تجرد و تحل  التناقضات التي تعرقل مسار التقدم نحو  الديموقراطية و الاشتراكية في المغرب.

يتأبط حزب النهج الديموقراطي العمالي جهازا مفاهيميا  ثقيلا, و يتوسل  شعارات سياسية ذات سقف عال  مقارنة بما هو متداول في الخطاب السياسي المغربي, و ذلك عندما يتحدث عن وجوب استكمال مهام التحرر الوطني و التي يقصد بها تحرير أجزاء التراب الوطني من الاحتلال الاجنبي, و انهاء السيطرة الامبريالية على البلاد عبر استقلالية القرار الوطني على كافة المستويات السياسية و الاقتصادية و الاجتماعية و الثقافية, و بناء القاعدة المادية لهذا الاستقلال, أي بناء اقتصاد وطني متمركز على الذات يستجيب لحاجيات الجماهير و ليس لحاجيات السوق العالمية.

في مواجهة هذه المهمة و استنجادا بالمنظومة الفلسفية  التي يمتح منها   و هي ” المادية الجدلية” يعتبر حزب النهج الديموقراطي ان الناقض الرئيسي الذي يخترق التشكيلة الاجتماعية المغربية هو ذلك التناقض بين ”الطبقة العاملة و عموم الكادحين و باقي الطبقات الشعبية من جهة و بين الكتلة الطبقية السائدة و النظام المخزني و الامبريالية من جهة أخرى.”

و يقصد حزب النهج بالكتلة الطبقية السائدة, تكتل مفترض لطبقتين اجتماعيتين هما البرجوازية الكمبرادورية و طبقة الملاكين العقاريين الكبار. أما التناقض الاساسي بالنسبة لحزب النهج فهو تناقض بين الرأسمالية التبعية و النظام المخزني و الامبريالية من جهة و بين الطبقة العاملة و عموم الكادحين من جهة أخرى. و انطلاقا من هذا  التحديد و الفهم الدقيق لهذه التناقضات, يدفع الحزب باجاباته السياسية من أجل حل و تجاوز هذه التناقضات على شكل برنامج استراتيجي يضم سيرورات مختلفة.  أطلق  الحزب منذ مؤتمره الاول  السيرورة الاولى و تدرج فيها, منتقلا من  مهمة  المساهمة في بناء التنظيم المستقل للطبقة العاملة و عموما الكادحين ,الى قناعة  تحمل المسؤولية الكاملة في بناء و الاعلان عن هذا الحزب.

و هذه السيرورة هي أساسية في مشروع الحزب لأنه  يعتبرها هي الحل للتناقض الاساسي اي حل التناقض بين قوة العمل المنتجة للقيمة و الرأسمال و بالتالي فهي سيرورة تحمل مضمونا عالميا يفضي الى بناء النظام الاشتراكي. و في سعيه  لتقديم جواب حول  التناقض الرئيسي و هو تناقض ذو بعد وطني, يطرح حزب النهج الديموقراطي العمالي سيرورة  بناء جبهة الطبقات الشعبية, اذ يعتبر الحاجة ملحة الى اطار لتنسيق عمل كل القوى المناهضة ”للمخزن”  شريطة أن تكون هذه القوى مستقلة غير تابعة لقوى اقليمية معينة. و يعتبر الحزب هذه الجبهة شرطا مسبقا لإضعاف ”المخزن” و احقاق الديموقراطية.

من هنا تبدو استراتيجية التغيير التي يناضل من أجلها حزب النهج الديموقراطي العمالي واضحة المعالم, حيث يطرح مرحليا مسألة الديموقراطية الكاملة و يؤسس لمركزية الشعب باعتباره صاحب السيادة و مصدر السلطة, و يحمل جبهة الطبقات الشعبية مسؤولية انجاز هذه المهمة تحت قيادة حزب الطبقة العاملة, ثم يفتح الطريق نحو النضال من أجل تجاوز واسقاط  النظام الرأسمالي العالمي و المساهمة الى جانب كافة القوى الشيوعية حول العالم من أجل  تشييد نظام بديل هو النظام الاشتراكي.

في المقابل فان واقع و مجريات الاحداث لا تتورع في أن تطرح أسئلة كثيرة حول مساحات التأثير التي يمكن أن يضع الحزب يده عليها. أحد هذه الاسئلة الحارقة و المعضلة الاولى التي يواجهها الحزب  هي طبيعة  القاعدة الاجتماعية التي تسند مشروعه السياسي  و التي تتشكل  في غالبيتها من فئات البرجوازية الصغيرة ( أساتذة و موظفين …), و هو الشيء الذي  يظهر أولا عدم قدرته على استثمار تواجده  داخل التنظيمات النقابية التي تشكل قنطرة العبور نحو قلاع البروليتاريا في وحدات الانتاج لتصليب التنظيم و بلترته و التعبئة و الدعاية لصالحه. و  ثانيا لعجز مناضليه النسبي عن استعمال ميكانيزمات العمل السياسي المباشر عبر  التواصل و الحضور  مع الكادحين في المداشر و القرى و الاحياء الشعبية في المدن. هذه المعضلة المركزية تعبد لنا الطريق لطرح سؤال آخر فرعي مرتبط بالسقف السياسي الذي يطرحه الحزب و الذي يظل سقفا مرتفعا و لا ينسجم تماما  حسب وجهة نظرنا مع الامكانيات التنظيمية و البشرية و المجهودات الميدانية المبذولة, و هذا ما ينعكس في  الغياب الشبه كلي لفكرة ”النهج” كحزب  في أذهان المغاربة.

ان تجربة النهج الديموقراطي هي اذا تجربة فريدة و جديرة بالاهتمام, ولا يمكن لمقال أو حتى كتاب أن يحيطها من كل جوانبها, فالمغزى يكمن فقط في تسليط الضوء على مشروع هذا الحزب و طرح بعض الاسئلة حول مايشوب هذه التجربة من مؤاخذات,  هذه المؤاخذات  لا تنفي طبعا أن حزب النهج الديموقراطي العمالي هو واحد من الأحزاب الجادة التي لا تساوم على مبادئها و لازالت قابضة على الجمر , مصطفة اصطفافا كاملا الى جانب الشعب, فهو حزب مغربي أصيل برصيد كفاحي مثير للإعجاب, يساهم في اعادة الاعتبار الى نبل السياسة و يبقي جذوة الامل  متقدة  من أجل مجتمع الحقوق و العدالة و الكرامة الانسانية.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى