مذكرات

حسن أوزال عن سنة 2023: ما هذا الشيء الفريد الذي انتزعناه مما يحدث؟

الزلزال ،التقاعد ، التنسيقيات و العيش بصحبة الفلسفة

حسن أوزال/ مفكر مغربي

قبل أن أباشر الكلام عن جملة من الأحداث التي عشتها سنة 2023  ،اسمحوا لي أولا أن أتوقف بالسؤال عند مفهوم الحدث عينهL’événement  تحديدا لما يعنيه. ذلك أن الحدث ليس هو كما يخال معظم الناس، ما يحصل أو يقع بل هو هذا الشيء الغريب الذي يشدنا إليه شدا داخل الحدث نفسه إلى حد عشقه و الرغبة  فيه  . لكن الرغبة في الحدث هنا ليست هي القبول به بل هي أبعد من ذلك بكثير،لا لشيء إلا لأنها رغبة فعالة وإثباتية، تُثمِّن في الحدث ما يَسمَح بحصوله مستقبلا على نحو مغاير و أفضل.

حاولت على كل حال، أن أرسم  بين صياحات الألم التي خلّفها الزلزال و المعاناة التي تكبّدْتُها في خضم حراك التعليم سبيلي الرواقي الضيق

 ليس السؤال إذن هو ما الذي حدث ؟ بل السؤال هو ما هذا الشيء الفريد الذي انتزعناه مما يحدث، فأضفى على حياتنا رونقا و ابتهاجا؟. لعل ما نرمي  إليه و الحالة هاته داخل كل حدث،إنما هو ما  به نستبدل أفقنا الحزين و نزعتنا الكئيبة، بنزعة أكثر مرحا و انشراحا. ذلك بالضبط هو ما دعاه نتشه بحب القدر L’Amor Fati الذي بقدرما يجسد صراع الأحرار بقدرما ييسر لنا أن نستبدل  القتل باعتباره إفلاسا للإرادة على حد تعبير الرواقيين ،برغبة في الموت تغدو انشراحا فائقا للإرادة.

على هذا النهج إذن بوسعي التوكيد على أنني انخرطت  طيلة سنة 2023 في جملة من الوقائع بالرغم مما كانت تنطوي عليه من آهات و مشاق محاولا قدر المستطاع  أن أنتزع منها ما يسمو بي نحو الكمال وما يغمرني  بالفرح.

لنقل باختصار إن ما كان بانتظاري من أحداث  في هذه السنة  لم يكن يتجاوز إجمالا عدد أصابع اليد الواحدة ،وهي  كالتالي : الزلزال ،التقاعد النسبي ،حراك التعليم و توقيع عقد نشر كتابي بعنوان :”العيش بصحبة الفلسفة “.لقد حاولت على كل حال، أن أرسم  بين صياحات الألم التي خلّفها الزلزال و المعاناة التي تكبّدْتُها في خضم حراك التعليم سبيلي الرواقي الضيق الذي جعلني أكون في مستوى الحدث إن لم أقل على نحو الرواقيين أنفسهم ابن الحدث عينه بحيث كتبتُ عن الزلزال مقالا بعنوان :”كيف نعيش بمحاذاة الكارثة؟” متسائلا عن الدروس و العبر التي يمكننا أن نتعلَّمها من نظير هذا الحدث المباغث و الذي كاد أن يجهز في رمشة عين عن حياة كل واحد منا. فأعطيت في هذا الصدد ثلاثة نماذج فارقة لعل أمْيزَها هو نموذج  الحكيم الروماني”بلين القديم”الذي عاش فنانا إلى أن غادر الحياة تماما مثلما يغادر الضيف بيت مضيفه و هو في غاية التخمة .

فضلا عن هذا نشرت أيضا ،حوالي أربع مقالات عن حراك التعليم مسائلا سلسلة من التداخلات و التقاطعات التي أضفت للتنسيقيات قوة منقطعة النظير و جعلت منها كحركة معركة ترمي إلى إنصاف مهدوري الحقوق و المهمشين .الحق أن ما أثار اهتمامي في هذا الحراك التعليمي الغير المسبوق تاريخيا ليس هو مآلاته الثورية و لا مستقبله  كاحتجاج بل تلك الصيرورة الثورية التي شرعت فجأة تتشكل بعيدا عن أعين السلطة .و هاهنا مرة أخرى يتبدى جليا أن الأهم ليس هو الحدث عينه بل ما يُنذِر به و يَحمِلُه في طياته من تحولات عبَّر عنها “دولوز” ذات مرة بخطوط الهروب .هذه الخطوط الغير القابلة للقبض تستطيع أن تخلق سلسلة من “فضاءات- الزمان”des espaces-temps الجديدة و القابلة لأن تُعبَّأ في كل حين بشكل مُخلخِل لنموذج جهاز الدولة التقليدي سواء بأحزابه أو بنقاباته .

أما فيما يخص التقاعد النسبي فلا أخفيكم سرا إن قلت لكم  بأنه بمثابة  لحظة حاسمة في حياتي لما سيُتيحُه لي من فرصة للكتابة و التفكير و الخلو بالذات. ذلك أن التخلص من العمل باعتباره “أداة للتعذيب” Tripalium  هو ما يكفل للمرء الحفاظ على طاقته درءا لاستنفاذها فيما لا جدوى منه على نحو الهوس الأمريكي القائم على الركض وراء الذهب و المال. إن التقاعد بتعبير آخر لحظة ميلاد جديدة، يستبدل فيه الإنسان ضنك الإجهاد، بمتعة “الأتيوم” l’otium على حد تعبير اليونان. و من الجدير بالذكر   ختاما  التنبيه هنا  إلى  ما تنطوي عليه هذه اللفظة الإغريقية الأخيرة من دلالات عدة إذ لا تعني فحسب العزلة و الحياة الخاصة ،كما لا تفيد  فقط السلم و الهدوء ،بل تدل أيضا  على قدر وافر من السعادة و الوقت الحر.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى