وطني

حزب ” البام” عبء على الدولة وعلى المجتمع

عبد الإله إصباح

هو حزب الدولة أساسا، من حيث النشأة والرعاية،لا هوية تميزه و لاصوت سوى أنه مجرد رجع صدى لما تقرره وتختاره.

أنهى حزب البام مؤتمره ب “انتخاب ” قيادة ثلاثية لتدبير شؤونه. لم يصدر عن المؤتمر أي وثيقة مرجعية تحدد هويته الفكرية والسياسية. والواقع أنه غير محتاج لتلك الوثيقة لآنه ببساطة ليس حزبا بالمعنى الدقيق للكلمة، إنه مجرد تجمع لأشخاص ذوي مصالح يسعون لتوسيعها بانخراطهم فيه إدراكا منهم لطيبعة علاقته بالسلطة، وهناك منهم من التحق به بتعليمات منها. نشأته منذ البداية تمت في مختبر صنع الأحزاب الإدارية التي الفت الدولة بين فترة وأخرى الإقدام على تأسيسها . هكذا كان الأمر مع جبهة الفديك والتجمع الوطني للأحرار والاتحاد الدستوري. البام إذن هو مجرد حلقة إضافية في سلسلة كائنات سياسية هي امتداد للسلطة في الساحة السياسية يتم إنشاؤها للتحكم في المشهد السياسي و ضبطه وفق لرهانات مرحلية أو بعيدة المدى. عملت الدولة على أن يكون للحزب الجديد بعضا من المصداقية عندما التجأت إلى مجموعة من اليساريين السابقين الذين لم يعودوا  يجدون انفسهم متلائمين مع خط اليسار و مواقفه وفكره بفعل الاستقطاب الذي خضعوا له و إغراءات القرب من رموز سلطوية عند إنشاء هيئة الإنصاف والمصالحة.

لكن بعد أول انتخابات شارك فيها الحزب لجات الدولة من جديد إلى فئة الأعيان، وعينة  من رجال الأعمال، فاكتسب الحزب هويته الاجتماعية كحزب للأغنياء موال للدولة بل هو حزب الدولة أساسا، من حيث النشأة والرعاية ،لا هوية تميزه و لاصوت سوى أنه مجرد رجع صدى لما تقرره وتختاره. وما دامت هذه هي صفته و خصائصه يصبح الحديث عن مؤتمر ومؤتمرين مجرد مسرحية رديئة، الغرض منها جعله يكتسب بعض صفات الحزب الحقيقي المستقل في قراراته و اختيار أجهزته وقيادته، وإشغال الرأي العام بالصراعات المفتعلة بين أعضائه على الزعامة والمناصب القيادية، في حين أن أمورا كهذه يتم حسمها منذ مدة قبل انعقاد ما يسمى المؤتمر. لقد توالى على منصب الأمانة العامة منذ النشأة العديد من الوجوه، ولعله ضرب الرقم القياسي في تغيير الوجوه القيادية بعد كل مؤتمر للأيحاء بأنه حزب ديمقراطي يغير القيادة ويجدد الدماء، إلا أنه التغيير الذي يبقي على نفس الهوية ونفس الوظيفة كامتداد للدولة في الحقل السياسي، امتداد بدون إضافة أو لمسة اجتهاد وابتكار. بعض الأقلام تتعمد الحديث عن الحزب كما لو كان حزبا عاديا، له نشأة ومسار وتطورـ بل وله أيضا إضافة مرتبطة بالتشبيب الذي عرفه الحزب في مؤتمره الأخير، وكأن مجرد وضع شباب في القيادة هو في حد ذاته إضافة نوعية، بغض النظر عن كون هؤلاء الأعضاء الشباب لا يختلفون في شيء عن باقي الأعضاء الآخرين، ما داموا ينطلقون من نفس التوجه الموالي للدولة في نهجها السلطوي، فكونهم شباب لا يعني سوى أنهم الصوت المستقبلي لهذا التوجه وضمان استمراره لمراحل أخرى.

ولأن نشأة الحزب ارتبطت بقرار للدولة،فقد كان من الطبيعي أن يتسابق العديد من المتسلقين والباحثين عن الاحتماء بالنفوذ إلى الالتحاق بصفوفه وهو ما أغرقه بالعديد من المتابعين قضائيا في ملفات الفساد بل والمتورطين في الاتجار الدولي في المخدرات، ولعل فضيحة اسكوبار الصحراء مجرد غيض من فيض، ستتطلب من الدولة أخد مسافة حقيقية من هذا الحزب الذي لم يفدها في شيء، بل كان منذ بدايته مصدر متاعب  عندما قوبل بالتوجس من قبل عدد من الفاعلين السياسيين، وها هو اليوم توجه له أصابع الاتهام باحتضان وحماية المفسدين. وكثيرا ما تبجح الحزب بأنه وطني، غير أنه يبدو للأسف أنه يختزل الوطنية في مجرد ترديد النشيد الوطني في افتتاح المؤتمر، ويتناسى أن الوطنية الحقة تقتضي حماية الوطن من نهب ترواثه، والسعي إلى ترسيخ الديمقراطية ودولة المؤسسات وفصل حقيقي للسلط واستقلال فعلي للقضاء، تلك هي الوطنية الحقة التي بدونها يصبح البام كما غيره، مجرد عبء على الدولة والمجتمع

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى