الحدث

حركة 20 فبراير…مصير المطالب ومآل الشعارات

عبد الإله إصباح

كانت عشرون فبراير هي النسخة المغربية مما عرف بالربيع العربي، تظاهرت خلالها الجماهير في مجموعة من المدن ورفعت شعارات ومطالب وتزعمتها وجوه شابة بعضها كان له انتماء لتنظيمات  اليسار الراديكالي أو جماعات العدل والإحسان، وبعضها الآخر لم يكن له أي انتماء تنظيمي ،ولكن كان له موقف ورأي في الشأن العام وما يرتبط به من نقاش وتطلعات إلى التغيير الديمقراطي. انطلقت التظاهرات بزخم في الأسابيع الأولى وتوحدت مطالبها حول القضاء على الفساد والاستبداد واستبعاد بعض الوجوه المقربة من السلطة، وكان لافتا انضمام بعض رجال الأعمال إلى تظاهرات الحركة مما شكل سابقة غير معهودة أشرت على امتداد التذمر من الوضع القائم إلى فئات هي في العادة مساندة للسلطة ومؤيدة لها. حجم التظاهرات ونوعية مطالبها دفعت الدولة إلى اتخاد مجموعة من التدابير في التعاطي مع الحركة، فتجنبت القمع الشامل، وأظهرت نوعا من المرونة وانفتحت إعلاميا على مجموعة من رموز الحركة في برامج إذاعية أوتلفزية، بل استضافت في هذه البرامج أسماء كانت ممنوعة من الظهور في الإعلام العمومي. ويمكن القول بأن المطالب المرتبطة بتغيير الوضع القائم  اختزلت في المطلب الرئيسي للحركة، أي القضاء على الفساد والاستبداد، أو ما عرف في بعض المقاربات بزواج المال والسلطة، لأن هذا التداخل والترابط بين الاثنين يشكل عائقا بنيويا نحو أي تغيير ديمقراطي حقيقي وأي تنمية تعود ثمراتها على عموم الشعب الكادح، مادامت البنية السائدة قائمة على الاحتكار، احتكار الثروة والسلطة. هذا الإدراك لطبيعة السلطة القائمة هو ما كان وراء تأطير تظاهراتها بشعارات تمتح وتصب في المطلب الديمقراطي، لآنه يستحيل في وضع ديمقراطي حقيقي استمرار أي بنية سياسية تقوم على الفساد والاستبداد، فالديمقراطية هي النقيض الجوهري لوضع مماثل يزاوج بين احتكار السلطة واحتكار الثروة، ولأن الديمقراطية الحقيقية تنبثق من الشعب وتعبر عن إرادته، أصرت الحركة مرارا على رفع شعار “عاش الشعب” في أغلب التظاهرات، و هوأمر كان جديدا ولافتا يعبر عن وعي متجدر بأهمية احترام الإرادة الشعبية في القرارات الحاسمة والمصيرية .

أمام هذه المطالب الصريحة والواضحة، لم تتأخر السلطة في الرد، فكان خطاب 9 مارس 2011 الذي وضع ملامح إصلاح دستوري تكفلت بأجرأته لجنة المنوني الشهيرة التي شرعت في تلقي مذكرات الأحزاب السياسية بكل أطيافها، وكان الغرض هو الالتفاف على مطالب الحركة بتعويم النقاش وخلط الأوراق  بين أحزاب حقيقية ظلت تطالب بدستور ديمقراطي وأحزاب إدارية لم تجرؤ يوما على أي نقاش بخصوص الدستور، فهي كانت تعتبر الوثيقة الدستورية المعمول بها آنذاك مكتملة وغير وارد لديها إطلاقا المطالبة بأي تغيير، لأن ذلك يندرج بالنسبة لها ضمن المقدسات التي لا يجوز المس بها أو الحديث عنها. شرعت السلطة إذن في الدعاية للإصلاحات الدستورية التي تعتزم القيام بها عبر مختلف وسائل الإعلام، وغيبت الصوت الآخر، صوت القوى الديمقراطية الحقيقية، لم يكن هناك  نقاش حقيقي بل مجرد دعاية، وكان الموقف المتوقع من هذه القوى هو رفض دستور 2011 و الدعوة لمقاطعة التصويت عليه، لأنه في جوهره ليس دستورا ديمقراطيا بالمعنى المتعارف عليه في هذا الصدد، وقد برهنت التطورات اللاحقة عن صحة هذا الطرح، فبعد مرور أزيد من عقد على حراك 20 فبراير يمكن القول بكل يقين أننا لم نحقق الانتقال الديمقراطي المنشود، بل بالعكس لا زلنا نراوح مكاننا في ظل بينية سياسية لم تقطع بعد مع الاستبداد ولم تستأصل الفساد، وهذا يؤكد أن مطالب وشعارات الحركة لم تجد لها بعد التربة المناسبة لتنغرس وتتجذر في واقعنا السياسي. بالطبع ستظل حركة 20 فبراير من أهم الحركات التي وسمت تاريخ المغرب، فهي تندرج أكيد ضمن سلسلة من الأحداث الكبرى التي ميزت هذا التاريخ، كانتفاضة 23 مارس 1965 وانتفاضات 1981 و1984 و1990. هي انتفاضات تفصل بينها مدد زمنية تتراوح بين عقد وعقدين، استطاعت السلطة أن تستوعبها بالقمع أو المناورة السياسية أو هما معا، و عشرين فبراير لم تشد عن هذه القاعدة، ومع ذلك فهي ستبقى ذات وزن مرجعي في التاريخ المعاصر للمغرب لما واكبها من نقاش وجدال حول الأسس الحقيقية لأي انتقال ديمقراطي حقيقي

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى