الرأي

تشويه متعمد لدينامية الحراك التعليمي

لوسات أنفو،

محمد عبو: اللجنة الوطنية لأطر التوجيه والتخطيط التربوي FNE

لقد عِشنا مقاومة مضادة منذ بداية الحراك التعليمي، رغم حيويته وديناميته في تحقيق التغيير والتطلع لمستقبل أفضل للمدرسة العمومية، إلا أن القوى التقليدية استطاعت بالتحالف مع الإدارة والأحزاب البائسة أن تسيطر في كل مرة على مسار هذا التغيير وتجعله في خدمتها.

المؤكد أنه منذ العقود الماضية، لم يكن للمؤسسات النقابية أي دور تأطيري؛ تنظيميا وسياسيا ونضاليا، ولم تكن يوماً في صف الشغيلة والمدرسة، بل كانت دوما تهرول نحو الإدارة ومغانم الارتباط بها، رغم ادعائها أنها في صف الحراك، وهي حقيقةََ تسعى جاهدة لِوَأْدِهِ في مهده.

لكن للأسف، بدل استشعار ذلك منذ البداية والاصطفاف حول بنية تنظيمية تستوعب الكل، مع الحرص على الحفاظ على ذلك التنظيم وتمتينه، وضمان تدبيره العقلاني الرشيد (حسب فيبر في سوسيولوجيا التنظيمات) من منطلق استشعار المسؤولية التاريخية، انقادت – في لحظة حاسمة- فئة عريضة نحو أربابها في الضفة المقابِلة، وهو الأمر الذي تمخض عنه نشوب أرخبيلات مشتتة، وإحياء نزعات التخوين والتكفير. فبدل تعزيز حضور نقابة FNE كتنظيم وقوة تفاوضية رفضت هذه المهزلة في بدايتها (اتفاق 14 يناير 2023)، تم تعزيز حضور تكتلات لحظية، وبدلا من حضور ثقافة الاعتراف والتخطيط والخبرة في تدبير المعارك النضالية للخروج من عنق الزجاجة، تم إحياء النعرات المجانية والمزاجية والتهافت في الظهور بمظهر الاستقواء في الساحة، كأن الساحة ستزول وتختفي إلى الأبد.

 على إثر كل ذلك، يلاحظ تشويه مُتعمَّد لمسار الحراك، ومحاولة إقصاء ما تبقى من رموز المقاومة الميدانية وقياداتها ومناضليها، ومحاولة القتل المعنوي لهم والتنكر لهم ولتضحياتهم والتحامهم التاريخي مع كل الحركات الاحتجاجية، وذلك بخطابات تجافي الحقيقية وتبعدنا عن جادة الصواب، لصالح مشهدٍ تهريجي تفرضه الحكومة ومفاوضيها الآن.

 ووصل بنا الوضع، في ظل هذا التشرذم، إلى الطريق المسدود. ومن هنا، آن الأوان أن توضع الأمور في نصابها السليم وتقييم هذه المعركة برؤية نقدية موضوعية تثمن الإيجابيات وتثني عليها، وتنتقد السلبيات وتطالب بالعمل على معالجها.

 أثبت الحراك التعليمي نفسه عنوانا للصمود وقوة الإرادة، وأعاد قضية التعليم إلى المشهد السياسي والإعلامي. واستمراره في سيرورة النضال من أجل الكرامة والمدرسة العمومية، رهين بتكريس ثقافة الاعتراف ونبذ الإقصاء، والاعتراف بالخصوص بمن كان دوما – خطابا وممارسة- إلى جانب الشغيلة. ومن أجل الحفاظ على هذه الملحمة البطولية، بات من الضروري فتح نقاش مسؤول بين كل مكونات الحركة الاحتجاجية، مع العمل على تحقيق الوحدة النضالية على أسس راسخة تقوم على احترام الآخر والعمل سوية من منطلق وحدة الهدف والمصير. كما يستوجب الأمر بالموازاة صياغة خطاب نضالي وإعلامي موحد متماسك يرقى لمستوى عدالة القضية التعليمية وتضحياتها.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى