الرأي

اليسار ..مسلسل من الأعطاب

مأزق اليسار حيث لازال يعتمد طرقا بالية و تقليدية في تصريف خطابه السياسي. معتمدا على الخطابة والشعار

حسن أوزيادي

اليسار عامة يتقوى ويشتد عوده من خلال ممارسة الصراع، ويضعف و يهوى إلى القاع من خلال الانجذاب نحو التوافق والتراضي. هو قاع عميق يصعب تحديد لا مداه ولا نهايته، فكلما تسارع النزول صعب الانفلات والخلاص وصار التلذذ بالامتياز نشوة تُعوض الإفلاس.

ممارسة الصراع قوام بناء اليسار، رافعة بإمكانات هائلة لتطوير الذات في علاقتها الجدلية بالواقع. في بوتقة الصراع يتبدد الضعف. قد نخطو خطوه إلى الأمام و نتراجع خطوتين إلى الوراء ولكن الأساس في الكر والفر هذا متعة التعلم في صيرورتها الشاملة والمتجددة لامحالة.. نتعلم بالممارسة، ومن خلالها يتاح الانصهار و الارتباط الجدلي بالواقع، المحك الأساسي و المعمل الطبيعي لتصليب الذات وتطويرها وإغناء الإمكان النظري والقيمي والسلوكي والوجداني والعلائقي، هي صيرورة بناء و إنتاج البهارات النضالية الجسورة، القادرة على الاختراق بتمدد الفعل النضالي والمضي به نحو خلق الترابط العضوي مع المجتمع من جهة وتجديد الفكر اليساري وتطويره من جهة أخرى ….

تلك أعطاب اليسار المغربي… المفتقد  للميكانيزم الرابط والناظم بين للفكر والممارسة. اختًزِلت النظرية في الشعار والممارسة في الاحتجاج وبينهما طريق سيار طويل متعب ومرهق، غابت عنه محطات للاستراحة للتزود بقليل من نقد الذات وتقييم الحصيلة وتقويم وتقعيد المسار.

هي أعطاب كقيره شابت ذات هذا اليسار ، منها ما ارتبط بطبيعة تكونه، ومنها ما هو مرتبط بسياقات سياسية واقتصادية وطنيا ودوليا.

عموما تراجع الفكر اليساري هو تراجع عام على مستوى العالم، ساهم فيه بشكل أساسي التمدد الفكري الرأسمالي العالمي وأقطابه في المنطقة العربية خصوصا والعالم عموما. الانهيار المُدوي  والأليم للمعسكر الشرقي الذي شكل دوما  دعامة تابتة لليسار في العالم، ساهم بشكل مباشر في هذا التراجع والارتباك. معطى تاريخي لا يمكن القفز عليه أو تجاهله . لكن راهنيه ومشروعية السؤال تظل واردة، خصوصا أمام هذا الواقع الذي يعيشه اليسار المغربي، من حالة تشتت وترهل وضعف وهزالة.

إن الأحزاب اليسارية، بالمغرب تعاني من ضعف فكري لم تقوى معه على تجديد ذاتها رغم  التحولات العميقة في السياقات لا المحلية منها ولا الكونية، لم تتحرك قيد أنملة، وظلت حبيسة إعادة إنتاج نفس الخطاب الذي ساد في فترات سابقة ،بنفس المفاهيم ونفس المقولات مع عطالة التحليل المنهجي للمتغيرات الواقعية التي تحاصرها، إما جهلا أو تجاهلا،أوربما استرخاءً بعد عناء الدرب و النضال.

إن للواقع الملموس يفرض بطبيعته تحديات التحليل بهدف التفسير و التغيير، لإنتاج  وعي اجتماعي أو موقف أيديولوجي عاكس لوجود اجتماعي غير عادل،  هو تحدي يساري بامتياز اعتراه الصدأ ثم تلاشى ويعاني التلف.

أعطاب كثيرة تشوب جسد اليسار: في بنيته بالأساس ،فقر فكري مهول وممارسة سياسية تفتقر التجديد والابتكار، وارتجال تنظيمي يغيب عنه الميكانيزم الناظم والضابط لمكونات للعمل السياسي كلها عناصر مترابطة فد تُلجِم الفعل وتحد من إمكاناته.

أول أعطابه تنظيمية،  في عدم قدرته  علىي تدبير الحلاف والاختلاق داخل وحدة  التنظيم كضامن للاستمرار والغناء والتنوع والتطور نحو ما هو أفضل. إن المحصلة  النهائية في تجربة  اليسار بالمغرب ،تبقى مليئة وزاخرة  بالظواهر العجيبة والغريبة كالحلقية والتيارات المتصارعة داخل التنظيم السياسي الواحد. صحِيٌ هذا التنوع في الموقف و إضافة نوعية وقيمية ومطلوبة، لكن وجب تدبيرها بالطرق الديمقراطية المتعارف عليها و الانزياح عنها يعكس بالملموس الضعف الفكري الذي تعاني منه التنظيمات اليسارية بالمغرب. التعبير عن الاختلاف لا يحسم بالانشقاق بل بالتعاطي الجاد والترافع المسؤول للحفاظ على كينونة التنظيم بمكتسباته واستشراف الآفاق حفاظا على قوته وصلابته.

 إن التوالد القسري المزمن للأحزاب السياسية في المغرب عامة واليسار خاصة، أصبحت ظاهرة عامة أنتجت الخلط لدى المواطن المغربي حتى أصبح يضع الكل في كفة واحدة. إنه الخطر الأكبر والداهم الذي قد يهدد انقراض اليسار بالمغرب ليصبح رقما يكتفي بتأثيث المشهد السياسي.

العطب الثابتي تمثل في الانسلاخ المنهجي عن المرجعيات المؤطرة للفكر اليساري بأدواته  التحليلية ومرجعية المادية التاريخية المُؤَسَسة على مقولات الصراع والتناقض والتفسير و تحليل الواقع الملموس في أفق تغييره. إن المكون النظري إذا لم يتم توظيفه وتطويره في علاقته بالواقع يصيبه التقادم وبالتالي الصدأ  مما يضعف عملية التجديد والابتكار الفكري.  إن الفكر اليساري باعتباره مجموعة مبادئ تنشد التغيير الاجتماعي والاقتصادي والسياسي من أجل تحقيق العدالة الاجتماعية والاقتصادية والسياسية، لا يمكنه فرز نتائج ملموسة في غياب التأطير والتكوين النظري الحقيقي.

إن أزمة اليسار المغربي هي أزمة عميقة ومتجذرة، وتتطلب حلولًا جذرية. ولكي يتمكن اليسار المغربي من تجاوز هذه الأزمة، عليه أن يعيد النظر في أفكاره ومشاريعه، وأن يسعى إلى التواصل مع الجماهير بشكل أكثر فعالية.

يعتبر المكون البشري في بنية التنظيم السياسي اليساري مفصلا حقيقيا وممراً أساسياً لتنزيل الأفكار ومشاريع التغيير إلى قلب المجتمع، فاعل مؤطر ويمتلك من المهارات ما يمكنه من الانصهار داخل المجتمع بسلاسة يفرض بالضرورة معرفة حقيقية، هنا يكمن مأزق اليسار، حيث لازال يعتمد مقولات وطرقا بالية و تقليدية في تصريف خطابه السياسي. معتمدا على الخطابة والشعار والتجييش ودغدغة العواطف، في غياب تام لخطاب تحليلي يوقظ العقل النقدي لدى المواطن. إنه العطب الثالث الذي يكلف التنظيمات اليسارية هدر الطاقة والزمن.

إن مهارة قيادة الآخرين وتحفيزهم على العمل من أجل تحقيق أهداف مشتركة ،.والتخطيط والتنفيذ لعمليات النضال بشكل فعال يتطلب امتلاك مهارات تواصلية ،سواءً من أجل نشر الوعي بقضايا  المجتمع أو من أجل بناء التحالفات مع الآخرين.  كلها رهانات المناضل اليساري الجديد وركائز لا يمكن القفز عليها في ظل التحولات المتسارعة، للتمكن من تجاوز التحديات والصعوبات التي قد يواجهها الفعل النضالي.

إن تحقيق الأهداف السياسية يتطلب قدرات و مهارات قيادية وتنظيمية وتواصلية عالية. وجب التفكير فيها والعمل عليها لتخرج اليسار من وضعيىة الوجود بالفعل إلى وضغينة الوجود بالقوة.

 

 

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى