الرأي

النقابات وإضراب الشغيلة التعليمية

يبدو أن القيادات النقابية اعتبرت أن مجرد جلوس الوزارة معها على طاولة المفاوضات هو في حد ذاته مكسبا تزهو به أمام قواعدها

عبد الإله إصباح

نفذ نساء ورجال التعليم في إطار تنسيق موحد سلسلة من الإضرابات المتتالية عرفت نجاحا فاق تسعين في المائة، وتوجت هذه الإضرابات بمسيرة هادرة شارك فيها عشرات الآلاف من الأستاذات والأساتذة ولفتت الآنظار بحجم هذه المشاركة المبهرة، جعلت تلك المسيرة غير مسبوقة في تاريخ نضالات الجسم التعليمي، وكل ذلك للتعبير عن الرفض المطلق للنظام الأساسي الذي أرادت الوزارة تمريره وفرضه على الشغيلة التعليمية وذلك من خلال الإسراع بنشره في الجريدة الرسمية ليصبح نافذا وساري المفعول.

و عند الاطلاع عليه يتبين أنه يتضمن مجموعة من المواد التي تشكل تراجعا عن مكتسبات النظام الأساسي الذي كان معمولا به منذ 2003 والذي كانت الهيأة التعلمية تدعو إلى إصلاحه بما يحقق مزيدا من المكتسبات ويحقق إنصافا ملموسا لأطر التدريس على غرار فئات أخرى من الموظفين استفادت من أنظمة أساسية مقبولة ومنصفة مثل أساتذة التعليم العالي والممرضين واطر وزارة المالية وغيرهم.

و قد اعتبرت الوزارة أن هذا النظام قد حظي بموافقة النقابات الأكثر تمثيلية، ومن ثم سارعت إلى فرضه ليصبح أمرا واقعا ينبغي الخضوع له دون مزيد من المناقشة بصدده، وهنا تتحمل النقابات الأربع المسؤولية هي الأخرى فيما أل اليه الوضع التعليمي من احتقان، لأنها شاركت في مجموعة من اللقاءات مع الوزارة لمناقشة مشروع النظام، ولا شك أنها اطلعت على محتواه العام وأعطت موافقتها عليه

ولما تبين لها رفض الجسم التعليمي له، سارعت إلى القول انها لم تتطلع على النسخة النهائية التي نشرت في الجريدة الرسمية، وارسلت للوزارة مجموعة من التعديلات ترى ضرورة إدخالها في نسخة معدلة من المشروع دون أن تتبنى مقترحات التنسيق الوطني، وهو ما جعلها تبدو معزولة عن دينامية وحيوية ما يعرفه الجسم التعليمي من حراك غير مشهود في تصديه لما تخطط له الوزارة  من تراجع وضرب للمكتسبات وإغراق المدرسة العمومية في خضم من المشاكل والتوترات تجعلها عاجزة عن أداء أدوارها في مجال التربية والتعليم.

و يبدو أن القيادات النقابية اعتبرت أن مجرد جلوس الوزارة معها على طاولة المفاوضات هو في حد ذاته مكسبا تزهو به أمام قواعدها، فلا يهم مضمون النظام الأساسي بما أن الوزارة قامت باستشارتهم. يكفيهم الوضع الاعتباري الذي اصبحوا يحضون به كقيادات لنقابات توصف بأنها الأكثر تمثيلية، ويكفيهم الزيادة في الدعم المالي ومجموعة من الامتيازات  مثل التفرغ وغيره، التي يتمتعون بها  والنفوذ الذي اصبح لهم في دواليب الوزارة سواء جهويا او مركزيا وهي امتيازات غير مستحقة ترقى إلى نوع من الريع، يفسر عدم التصدي لتراجعات النظام الأساسي في حينه، والقيام بحملة إعلامية تحذر من هذه التراجعات كما كان معهودا في القيادات النقابية المناضلة والمخلصة في زمن عنفوانها ومجدها. عندما كانت تتصدى لأي تراجع بالتفسير والشرح و بالتوعية والتعبئة النضالية، و وتتقدم الصفوف استعدادا لشتى أنواع المجابهات والتضحيات. وبدل أن تلتحق النقابات بهذه الدينامية النضالية، اختارت أن تلجا إلى نوع من التعالي والأستاذية متنكرة لتاريخها النضالي المجيد، عندما كانت دعوة منها إلى الإضراب تهز أركان الدولة وتؤدي إلى انتفاضات شعبية تنتهي بالدم والرصاص وسنوات من الاعتقال والسجن لمناضليها الأفذاذ. والأدهى من ذلك أن إحدى هذه النقابات أصدرت بلاغا تدعو فيه هيئة التدريس الى استئناف العمل، و كأن لها صوت مسموع وسط هذه الهيئة، وهو ما  أدى بمجموعة من فروعها إلى التنديد بهذا البلاغ والتبرؤ منه.

ليس العيب في أن تخطئ نقابة مناضلة التقدير، أو أن تتصرف بحسن نية مع قطاع وزاري، ولكن العيب هو أن تتمادى في الخطأ وتستمر في الدفاع عنه، متنكرة لخصلة نضالية محمودة هي النقد الذاتي، وهو المطلوب حاليا من أي نقابة تتمتع برصيد نضالي زاخر أرادات أن تحافظ عليه ذخرا وقدوة للأجيال الصاعدة، خاصة إذا كانت هذه النقابة تستند إلى مرجعية يسارية سواء كأدبيات أو من خلال انتماء أعضائها إلى تنظيمات اليسار الحقيقي والمناضل

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى