ثقافة

النافذة المكسورة.. أو كيف يتحول إهمال مشكل صغير اليوم إلى عقدة من المشاكل الكبيرة في المستقبل

لوسات انفو:بن عرفة الصغير

ألم تتساءلوا يوما لماذا حين ندخل الى حي راق لا يسكنه الا الأغنياء ينتابنا إحساس بالأمان والطمأنينة حيث السير والجولان بكل حرية ، امتعتنا واغراضنا وحتى سياراتنا تبقى في منأى عن أية اخطار ؟ في حين لو مررنا بحي فقير مهمش كله قذارة سيكون احساسنا مغايرا  فالتوجس والحذر الممزوج بالخوف يظل ملازما لنا ، كل شيء وارد ، قد يخرج لص في اية لحظة ليسلبنا اغراضنا او ليسرق سياراتنا المركونة او يهشم زجاجها ، هذه الحالة الغريبة المتناقضة قد نعتقد بانها بسبب نشأة الغني والفقير ولكن لا . .

تشير النظرية ذاتها بالحرف ان نافذة واحدة مكسورة لم يتم إصلاحها هي إشارة الى انه لا احد يهتم والتالي فكسر المزيد من النوافذ لن يكلف شيئا ما يؤدي الى الاضطراب

في العام 1969 عالم نفسي امريكي شهير من جامعة استمفورد اسمه فيليب زيمباردو قرر القيام ببحث غريب بنيت عليه نظرية اغرب اسمها نظرية “النافذة المكسورة” من قبل عالمي الاجتماع جيمس ويلسون و جورج كلين سنة  1982 فتحولت في ما بعد الى واحدة من اهم الدراسات التي ثم الاستشهاد بها في علم الجريمة والعلوم الاجتماعية و النفسية في العالم ، تقول النظرية انه بغض النظر عن كون هذا الحي يسكنه اغنياء او فقراء فان نافذة واحدة مكسورة قريبا ستؤدي الى ظهور المزيد من النوافذ المكسورة ، وتشير النظرية ذاتها بالحرف ان نافذة واحدة مكسورة لم يتم إصلاحها هي إشارة الى انه لا احد يهتم والتالي فكسر المزيد من النوافذ لن يكلف شيئا ما يؤدي الى الاضطراب وزيادة مستويات الخوف لدى المواطنين مما سيدفعهم الى الانسحاب من المجتمع وعقد العزم على عدم المشاركة في الرقابة الاجتماعية الغير رسمية ، فما هي قصة هذه النظرية الغريبة ؟

إهمال و عدم الاكتراث لأية مشكلة كيفما كان نوعها وفي أي بيئة من شأنه أن يؤثر على عقلية الناس وعلى مواقفهم وقراراتهم وحتما تصرفاتهم اتجاه تلك البيئة

في تلك التجربة قام فليب زيمباردو بجلب سيارتين متشابهتين ووضعهما في منطقتين مختلفتين ، وضع واحدة في حي فقير مهمش والثانية في حي راقي بعد ان أزال عنهما لوحتي الترقيم ، تعمد ان يترك الأبواب مفتوحة ، انزوى في مكان قريب ، بدا يراقب تصرفات الناس إزاء هاتين الوضعيتين ، في الحي الفقير لم يمر يوم واحد على ذلك حتى اتلفت معالم السيارة و صارت مجرد كومة من الخردة أما في حي الأثرياء فقد طال الامر كثيرا حتى بدأت الساكنة في سرقة السيارة ، وهنا نقطة التحول التي غيرت مسار بحثه ليتوقف اكثر عند هذا التصرف الأخير حيث ذهب فليب ليتدخل بدوره في التجربة ليعمد الى تكسير احدى نوافذها وعلى غير المتوقع استمر الناس في تكسير المزيد من النوافذ بل و نهب كل محتوياتها في صورة مشابهة لمثيلتها المركونة في الحي الفقير..

فكرة النظرية أن تجاهل المشاكل الصغيرة اليوم سيورث لامحالة مشاكل أكبر في المستقبل

لم يتوقف جيمس ويلسون وجورج كلين عند هذا الحد بل واصلا بحثهما على غرار البحث الذي أنجزه زيمباردو على السيارتين فبعد الاطلاع على ملاحظاته قررا التأكد أكثر من صحة الأبحاث ، لكن هذه المرة على مباني وممتلكات خاصة و عامة ليخلصا الى نفس النتيجة ، ويخرجا باستنتاجات عميقة و جوهرية فإهمال و عدم الاكتراث لأية مشكلة كيفما كان نوعها وفي أي بيئة من شأنه أن يؤثر على عقلية الناس وعلى مواقفهم وقراراتهم وحتما تصرفاتهم اتجاه تلك البيئة بشكل سلبي مما ينجم عنه مشاكل أكبر وأفظع والعكس  صحيح ، فمعالجة المشاكل الصغيرة وقت وفور حدوثها وعدم تجاهلها سيؤدي الى تكوين بيئة سليمة و سلوك مجتمعي سليم الى الأبد .

من خلال هذه الدراسات و التجارب التي تبعتها تبين شيء مثير للدهشة ، قاطنو ذلك الحي الغني الذين سرقوا و هشموا نوافذ السيارة لم يكونوا مجرمين في الأصل وليست لديهم سوابق جنائية ، بل كانوا أشخاص عاديين يحترمون القانون ، لكن التحول الذي جعلهم يخرجون تلك الهمجية الساكنة بداخلهم كان تلك النافذ المكسورة الواحدة التي أرسلت لهم اشارات بأنه لا أحد يهتم ولا أحد يكترث ، وعليه فتخريب السيارة أو المباني لن ينتج عنه أي عقاب ، ليتحول الأمر الى أسلوب حياة .

فكرة النظرية أن تجاهل المشاكل الصغيرة اليوم سيورث لامحالة مشاكل أكبر في المستقبل وهذا واقع مثبت بالدليل، السؤال المطروح الآن كم نافذة مكسورة في حياتنا ومن حولنا؟ ومنذ متى؟ الحقيقة أنه أذا نظرنا للواقع سنجد الكثير من القضايا الاجتماعية والاقتصادية و السياسية والبيئية و… المعاشة لم تجد بعد طريق الحل بل أنتجت قضايا وقضايا ، لأنه لم يتم البث فيها منذ الوهلة الأولى لسبب جوهري يمكن اختصاره في الإحساس الدائم بالإفلات من العقاب و الشعور بانعدام المحاسبة .

 .

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى