مذكرات

المغرب الاقصى من عصر الولاة الى ثورة الخوارج

من كتاب تاريخ المغرب الوسيط و الحديث

للكاتب : محمد جبرون

بعد تمام الفتح الإسلامي للمغرب واستتباب الأمر للأمويين بعد حملة موسي بن نصير، دخل المغرب الأقصى ما يسمى عصر الولاة، وتحديدا بعد انتهاء عصر آل موسى بإفريقية و المغرب (97/715_ 122ه/739م)  وتعاقب على حكمه عدد من الولاة المشارقة  وأعوانهم من المغاربة. وكان يفترض خلال هذه المرحلة أن تتعزز العلاقات السياسية بين المشرق والمغرب، وينعكس الاستقرار السياسي إيجابا على الأوضاع الدينية والثقافية للمغاربة. غير أن العكس هو الذي حصل، حيث دخل المغرب الأقصى سريعا في دورة صراع جديدة، وفي دينامية الاستقلال السياسي عن المشرق، مع ما يعنيه هذا التوجه من خسائر على المستوى الروحي والثقافي بالنسبة إلى المغاربة حديثي العهد بالإسلام.

لقد كان للسياسة التي اتبعها ولاة بني أمية في المغرب الأقصى، والتي تناقض في كثير من تفاصيلها الرسالة الأخلاقية التي أعلنها الفاتحون، بالغ الأثر في العلاقات السياسية بين الخلافة الأموية وولاياتها الغربية، فقد نهج بعض الولاة سياسة مناقضة لمبادئ الفتح وشعاراته، التي عبر عنها خير تعبير الخليفة عمر، فقد كان رحمه الله «إذا استعمل العمال خرج معهم يشيعهم فيقول: إني لم أستعملكم على أمة محمد على أشعارهم ولا أبشارهم، إنما استعملتكم عليهم لتقيموا بهم الصلاة وتقضوا بينهم بالحق وتقسموا بينهم بالعدل، وإني لم أسلطكم على أبشارهم ولا على أشعارهم” . وهو ما ناقضه ولاة بني أمية في الغرب الأقصي، حيث وجدناهم مهتمين أكثر بالغنائم وطرف الهدايا التي يحابون بها سلاطينهم في الشرق.

لقد أعلن أمازيغ المغرب الأقصى سريعا الثورة على سلطان بني أمية، وطردوا ولاتهم، وألحقوا بجيوشهم هزائم متكررة، وتبنى كثير منهم شعار الخوارج الصفرية، ربما لمعاني العدالة والإنصاف التي كان يتضمنها مذهبهم، وتعرف هذه الثورة التي قادها ميسرة المدغري او المطغري سنة 122 هجرية انطلاقا من عمل طنجة بثورة الخوارج.

و قد نجحت هذه الثورة في انهاء الوجود السياسي للخلافة المشرقية في المغرب الاقصى  و التمهيد لاستقلاله بصفة نهائية.

لقد حاولت السلطات الأموية وبعدها العباسية استرجاع ممتلكاتها في المغرب الأقصى، لكن جل هذه المحاولات باءت بالفشل؛ بسبب المقاومة الشديدة للأهالي والموقع الجغرافي البعيد للمغرب، وهو ما هيأ الأسباب  و الظروف لدخول المغرب عصر الإمارات المستقلة، وفي تناغم مع المعطيات القبلية ومراكز القوى التقليدية التي كانتموجودة قبل دخول الإسلام. وهكذا ظهرت إمارة بني مدرار بسجلماسة، وإمارة بني صالح بنكور، وإمارة بني عصام بسبتة، وإمارة برغواطة بتامسنا.

ثورة المغرب الأقصى على ولاة بني أمية سنة 122 هجرية 

عاش المغرب الأقصى بعد رحيل موسى بن نصير عنه مع نهاية المئة الأولى للهجرة حالة هدوء واستقرار في ظل الخلافة الإسلامية، وتعاقب على حكمه عدد من ولاة بني أمية. ولم يحصل بالمغرب الأقصى مدة عشرين عاما تقريبا – وهي المدة الفاصلة بين ‏رحيل موسى وولاية عبد الله بن الحبحاب – ما يستحق الذكر.

ومن أبرز الولاة الذين تعاقبوا على ولاية إفريقية والمغرب في هذه المدة القصيرة، والذين كانوا يولون من قبلهم من يقوم بشأن المغرب محمد بن يزيد من طرف الخليفة سليمان بن عبد الملك ،96 – 99ه، وإسماعيل بن أبي المهاجر من طرف الخليفة عمر بن عبد العزيز 99- 101ه‏ ويزيد بن أبي مسلم من طرف الخليفة يزيد بن عبد الملك 101- 105ه وبشر بن صفوان من طرف يزيد بن عبد الملك، وعبيدة بن عبد الرحمن السلمي من طرف الخليفة هشام بن عبد الملك 105- 125ه. ونظرا إلى الأستقرار الذي عاشه المغرب الأقصى أثناء ولاية هؤلاء، فإن خبر هذا القطر ضعيف في مصادرهذا العهد .

غير أن حالة الهدوء لم تستمر طويلا و عادت الاضطرابات و أجواء الحرب مجددا إلى المغرب الأتدقصي مع تولي عبد الله بن الحبحاب أمير مصر وإفريقية والمغرب، وذلك لأسباب تتعلق بسياسة الولاة ومعاملاتهم، خلافا للاضطرابات والثورات التي عرفها المغرب في الماضي، والتي كان سببها الردة ورفض الأمازيغ للإسلام وقيامهم في وجه الفتح.

لقد تولى عبد الله بن الحبحاب ولاية المغرب من طرف الخليفة الأموي هشام بن عبد الملك (105ه – 125ه) سنة 116ه،‏ وكان رجلا مثقفا وأميرا جليلا، وكانت ولايته تمتد من مصر إلى الأندلس، أي كان أميرا على كل الغرب الإسلامي. وقد استعان عبد الله بعدد من الولاة المحليين لضبط عمله نظرا إلى امتداد ولايته واتساعها؛ فاستعمل على الأندلس عقبة بن الحجاج السلولي، واستعمل على طنجة وما ولاها من المغرب الأقصى ابنه إسماعيل، ثم خلفه عمر بن عبد الله المرادي، وبعث حبيب بن أبي عبدة بن عقبة بن نافع الفهري غازيا إلى السوس الأقصي.

لقد استقر ابن الحبحاب بعد تعيينه بالقيروان عاصمة الغرب الإسلامي آنذاك، وأخذ في تدبير شأن الولاية، وكانت أولى المشاكل التي واجهها بعد فترة قصيرة من تعيينه مشكلة ثورة المغرب الأقصى على عمر بن عبد الله المرادي، حيث كانت السياسة التي نهجها الوالي الجديد سببا مباشرا في اندلاع شرارة الثورة، وخروج المغرب الأقصى من طاعة بني أمية. وكانت هذه الثورة أول ثورة في الإسلام شهدها الغرب الإسلامي؛ ذلك أنها لم تكن ردة ورجوعا عن الإسلام كما كان الحال في الثورات السابقة، بل كانت فقط خروجا عن الطاعة.

وكان السبب وراء هذه الفتنة هو التجاوزات السياسية الخطيرة التي ارتكبها والي بني أمية بالمغرب الأقصى، والمتمثلة في التعدي في الصدقات والعشر، دون اكتراث بحال السكان وقدراتهم، والسعي لتخميسهم مدعيا أنهم فيء للمسلمين، وذلك بزعمه أن كل بلاد المغرب الأقصى فتحت عنوة وبالقوة، أو على الأقل هذا ما أراده، رغبة في الرفع من الموارد، ومن ثم وجب تخميسها وفرض الخراج على أهلها. ولم يسبق المرادي أحد من العمال والولاة الذين تعاقبوا على حكم المغرب الأقصى منذ الفتح الاول ان نهج هذه السياسة, حيث كان العمال قبله يخمسون فقط من لم يستجب للاسلام و يقف في وجه الفتح.

 

 

 

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى