الرأي

المغرب … إلى أين؟

عبد الإله إصباح

مع نهاية سنة 2023 يطرح سؤال المغرب إلى أين؟ وهو سؤال يتضمن في الواقع عدة أسئلة تتصل بوضعه الاقتصادي والاجتماعي ورتبه في مؤشرات التنمية المتضمنة في عدة تقارير لمنظمات دولية مهتمة بتصنيف الدول حسب معايير ومنظورات للتطور الاقتصادي وللتنمية البشرية ككل.

وفي كل هذه التقارير يحتل المغرب دوما رتبا متدنية رغم ما يبدله من مجهودات في المدد الفاصلة بين تقرير وآخر. وفي تقارير ذات صلة بالتطور الديمقراطي، يصنف المغرب ضمن الدول غير الديمقراطية وتحديدا ضمن الأنظمة السلطوية. ومن المعروف  هذا التصنيف يشمل الدول التي لها مؤسسات دستورية من حكومة وبرلمان ,احزاب ونقابات، غير أن هذه المؤسسات تفتقر للجوهر الديمقراطي سواء من حيث تمتيليتها أو وظائفها. فهي من حيث التمثلية لا تترجم الإرادة الشعيبة ولا تنبثق عنها. اما وظيفتها فتنحصر في تزكية قرارات السلطة وتبريرها بما أنها تابعة لها أو أصبحت تفتقد لاستقلالية القرار ولا تجرؤ على التعبير عن رأي مخالف  لما تريده هذه السلطة. هذا يعني أن ما تعتبره هذه البلدان ديمقراطية هو في الحقيقة “ديمقراطية” الواجهة، أما جوهر السلطة فهو بعيد تماما عن أن يكون ديمقراطية حقيقية تعكس الإرادة الشعبية  وتعبر عن تطلعاتها في التقدم والازدهار والتنمية الفعلية والملموسة.

و يعتبر استشراء الفساد من الخصائص التي تشترك فيها هذه الدول، بما هو نتيجة حتمية لغياب الديمقراطية وفصل حقيقي للسلط، فالفساد يعتبر الوجه الآخر للسلطوية، إذ لا يمكن تصور أنظمة سلطوية خالية من الفساد و تجلياته. وهو ما يفسر إلى حد بعيد الوضع المأزوم اقتصاديا وتنمويا، فالفساد يحول دون الاستفادة من ثمرات أي نمو بشكل متساو، فهذه الاستفادة تبقى محتكرة للمنخرطين في شبكاته المنتشرة  والمتغلغلة في مفاصل الدولة، بل إنها أحيانا تعيق مخططات هذه الدولة عندما تعتزم في فترة من الفترات اتباع نهج إصلاحي يمس قطاعا من القطاعات الانتاجية والاقتصادية.

وعلى الرغم من اعتمادها على كفاءات تكنوقراطية عالية في مهام تنفيذ سياستها وتمرير مخططاتها، فإنها مع ذلك كله لم تستطع التغلب على معيقات التنمية والنهوض الاقتصادي، لأن هذه المعيقات تكمن في هذا التوجه التكنوقراطي ذاته

لقد أنشأ المغرب العديد من مؤسسات الحكامة قصد ضمان قدر ضروري من الشفافية والنزاهة في تدبير وتسيير العديد من المرافق الاقتصادية، غيرأ نها بقيت عاجزة عن إحداث تغيير جوهري يقطع مع الاحتكار والريع والاغتناء غير المشروع. بل حتى مؤسسات الرقابة عجزت عن إيقاف غول الفساد الذي ينخر جسم العديد من المؤسسات العمومية و الجماعات المحلية،ولعل تقارير المجلس الأعلى للحسابات خير دليل على العجز الذي تعاني منه الأجهزة المكلفة بالرقابة وصون الشفافية والنزاهة. فتقارير هذا المجلس تبقى دون أثر في الواقع ودون تبعات قضائية تجاه من صدرت ضده، وهو ما يؤدي إلى فقدان الثقة في جميع المؤسسات  وفي الفاعلين السياسي ويجعل الحياة السياسية بدون معنى وبدون جدوى، لأنها تعيد إنتاج الواقع نفسه ،واقع الفساد وسوء التدبير وتعميق الفوارق الطبقية والمجالية.

إن السلطوية كنهج سياسي، برهنت عن عجز مزمن في مواجهة تحديات التنمية البشرية والنمو الاقتصادي، وهي إذ تغيب الإرادة الشعبية أو تلتف عليها، فإنها لا تعمل في الواقع إلا على استدامة واقع التخلف الاقتصادي والاجتماعي. وعلى الرغم من اعتمادها على كفاءات تكنوقراطية عالية في مهام تنفيذ سياستها وتمرير مخططاتها، فإنها مع ذلك كله لم تستطع التغلب على معيقات التنمية والنهوض الاقتصادي، لأن هذه المعيقات تكمن في هذا التوجه التكنوقراطي ذاته الذي يستعيض عن الديمقراطية بما يسمى الحكامة الجيدة، علما بأن هذه الحكامة يتم تقويض أسسها بشكل تام عند الاستعاضة عن الديمقراطية ومتطلباتها.

يتضح إذن أن تغييب شرط الديمقراطية لن يساعد ابدا المغرب في تجاوز حالة تأخره التاريخي، وإذا استمر  في اعتماد نهج السلطوية، فإنه يرهن مصيره لتحديات عظمى يصعب مواجهتها  مع استنفاذ الوقت وتوالي المتغيرات على الأصعدة الوطنية والإقليمية والدولية.

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى