مذكرات

الماويون المغاربة … القصة الكاملة لتنظيم بحياة صغيرة انهكته أحلامه الكبيرة

 

لوسات أنفو : أيوب داهي

ينزع كثيرون الى محاكمة التجارب السياسية من منظور ما آلت اليه, دون استبطان بنيتها الداخلية وماهيتها و سياقها التاريخي. هكذا مثلا ينظر الى التنظيم السياسي للماويين بالمغرب  الذي خرج من قلب الجامعة المغربية سنة 2008, و أطلق على نفسه اسم النهج الديموقراطي القاعدي- ( الماوي) كامتداد لتيار عالمي يروم  تتبيث الاسهامات الفكرية للزعيم الصيني ماوتسيتونغ كمرحلة ثالثة من النظرية الماركسية  و كجواب فكري و سياسي على أزمة الحركة الشيوعية بالمغرب عموما  و كحل لتناحرات و معضلات الحركة الطلابية المغربية بشكل خاص.

هذا التنظيم الذي ترك بصمته غائرة في الذاكرة السياسية للحركة الطلابية المغربية جراء المعارك التي خاضها دفاعا عن حق بنات و أبناء الشعب المغربي  في تعليم مجاني و جيد. و قد تعرف عليه الرأي العام السياسي المغربي  أول مرة على خلفية الانتفاضتين الطلابيتين بمراكش ل 24 ابريل و 14 و 15 ماي 2008 و التي اعتقل و حوكم على اثرها مجموعة تتكون من  احدى عشر ناشطا أطلق عليهم فيما بعد مجموعة زهرة بودكور.

توبع رفاق زهرة بتهم أقل ما يقال عنها أنها ثقيلة, بداية من محاولة القتل,المشاركة في محاولة القتل, اضرام النار, التجمهر المسلح, السرقة الموصوفة ,الضرب و الجرح. هذه التهم الجنائية التي قد توصل أصحابها الى حد الادانة  بالسجن المؤبد و الاعدام.

وزعت على المجموعة 24 سنة سجنا نافذا مع غرامة 60000 درهم رغم ان جميع المعتقلين أكدوا و هم يدافعون عن أنفسهم في المحاكمة, أن خلفية المتابعة سياسية, مردها رفضهم لسياسة الدولة في قطاع التعليم و وقوفهم في وجه مخططاتها, و تصفية حسابات مع  انتمائهم الفكري و السياسي و التنظيمي لفصيل النهج الديموقراطي القاعدي- الماوي.

تواجد الماويين المغاربة لم يبق حبيس أسوار  الجامعة، بل تجاوز ذلك الى مستوى النضال الجماهيري  داخل التنسيقيات المناهضة للغلاء، و داخل الجمعية الوطنية لحملة الشواهد المعطلين التي اكتسحوا مكتبها التنفيذي، و من خلال عديد المحطات النضالية و الحراكات الاجتماعية التي انخرطوا فيها خصوصا في تخوم المغرب العميق.

 و بذلك يمكن القول ان اشارات تشكل تنظيم سياسي جذري و متين، لاحت في الافق،  و يعتقد أعضاؤه أنها الذبذبات التي تلقفتها رادارات المخزن و رتبت عليها أجوبة قاسية عنوانها اعتقالات و احكام صدرت في حق كوادر التنظيم, كان الهدف منها طمس هذه التجربة الحالمة و اجتثاث هذه النواة من جذورها, كما تقول السردية للتنظيم.

و حسب الشهادات التي تلقيناها من بعض النشطاء السابقين للتنظيم, فهذه الاعتقالات و على عكس المتوقع, أثرت نضالات الماويين و أغنتها و عضدت من عزائمهم و زادتهم ايمانا بمشروعهم و فكرهم. و ترجم ذلك من خلال التعاطف الكبير الذي لاقوه خصوصا في صفوف الطلبة حيث استمرت النضالات داخل الجامعة من اجل المطالب النقابية و استمر تأطير و تسليح الطلبة بالفكر الثوري و النقدي حتى يضطلعوا بالأدوار النضالية المنوطة بهم داخل و خارج الجامعة.

داخل كلية الحقوق و الآداب بمراكش، هيمن الفصيل الماوي و اكتسح الساحة, كان ذلك على حساب حساسيات اليسار الجذري الاخرى و حتى على حساب طلبة العدل و الاحسان الذين لم يستطيعوا مجاراة ايقاع حفدة ماوتسيتونغ.

 مناضلو التنظيم في كل رواق من اروقة الكلية, في ذلك الركن مجموعة تفتتح حقلية و ترفع شعارات تمجد القادة الماويين في البيرو و النيبال  .. و في الركن الاخر رفاق اخرون ينظمون دردشة مع طلبة جدد يحدثونهم عن ماو تسيتونغ و الثورة في الصين.. و هناك في مدرج الامام مالك الشهير ينزل رفيق ماوي قبل انطلاق المحاضرة، يلقي كلمة امام الطلبة، يناقش فيها  المخطط الاستعجالي و خطورة خوصصة التعليم و ضرب مجانيته و يناشد الطلبة للالتحاق بأفواج المناضلين دفاعا عن حقهم المقدس في التعليم , قبل كل هذا طبعا لابد من ان يوجه تحيته للقادة الماويين الكبار براجوندا و كونزالو..

أنس  طالب جامعي سابق بكلية الحقوق بمراكش , يقول ان أول وثيقة سياسية توصل بها من احد المناضلين و هو في بداية دراسته الجامعية, كان عنوانها            ” الماركسية- اللينينية- الماوية تصمد تقاتل تنتصر” من تسعة أجزاء فحواها اسهامات في الفلسفة و الاشتراكية العلمية و الاقتصاد السياسي للزعيم الصيني  ماوتسيتونغ   لكاتب يدعى خالد المهدي , كانت هذه الورقة رائجة بقوة  في اوساط الطلبة المتعاطفين مع الماويين.

و يقول انه فيما بعد فهم انها كانت شكلا من أشكال الدعاية و الاستقطاب لصالح الفصيل الماوي. فعلى حد قوله لا يعقل ان تراكم مع طالب جديد فكر ماوتسيتونغ و هو تقريبا  لا يعلم اي شيء عن اصول الماركسية و عن تاريخ الاتحاد الوطني لطلبة المغرب باعتباره البوتقة التي تنصهر فيها مختلف مكونات الساحة السياسية الجامعية.

بعد ذلك سيكتشف الطالب انس ان خالد المهدي هو اسم مستعار يكتب به شخص او مجموعة اشخاص في موقع الحوار المتمدن على شبكة الانترنت  يعبرون من خلاله عن المواقف الفكرية و السياسية لفصيل النهج الديموقراطي القاعدي-الماوي.

 20 فبراير 2011  كان يوما فارقا و استثنائيا بكل المقاييس في المسار النضالي للماويين بالمغرب و بمراكش خصوصا, و قد يكون في مخيال البعض منهم-الاكثر استيعابا للسياق الوطني و الاقليمي-أن ذلك الاحد هو ذلك المساء الكبير الذي ستكتسح فيها الجماهير الشوارع و تعلن عن ثورة ايديولوجية خالصة يدك فيها الثوار قلاع الرجعية و تشيد فيها الجماهير صرح دولة البروليتاريا.

 زادت دعوات الاحتجاج الوطنية   لليوم المعلوم من الزخم و الدينامية التي كانت تعرفها جامعة القاضي عياض بمراكش، و كان  تفجر انتفاضات شعبية بعدد من بلدان المنطقة العربية و المغاربية  سميت بثورات الربيع العربي ينذر بأن يكون   للمغاربة أيضا نصيب من هذه الانتفاضات.

 و بالفعل خرجت حركة سياسية شعبية و عارمة يوم 20 فبراير 2011 حملت كاسم تاريخ يوم خروجها. لم يكن الماويون و خصوصا ماويو   مراكش و هم الحالمون بإحداث قطائع مع الوضع القائم و الحاملون لهموم و انشغالات المجتمع, ليفوتوا فرصة التواجد جنبا الى جنب مع الجماهير الشعبية, و هي الفرصة التاريخية التي يعتقدون انها  لا تتكرر كل يوم و قد لا تتكرر أبدا. تجند الرفاق و سخروا امكانتهم  الخطابية داخل الكلية و داخل الحي الجامعي، و  هي خطابات تنضح بمفردات الثورة و التغيير و الفرصة الذهبية التي ستأتي بالديموقراطية و الكرامة و العدالة الاجتماعية, من اجل حث الطلبة على الاسهام في هذه الحركة الجماهيرية غير المسبوقة في تاريخ المنطقة ككل , خصوصا و أخبار تهاوي صروح الانظمة المجاورة تتقاطر و تحقيق مطالب الديموقراطية و الحرية في الجوار اصبحت على مرمى حجر.

خرج الشعب المغربي في أكثر من مائة مدينة و قرية, و خرجت طلائعه و مناضلوه , خرج المراكشيون أيضا و خرج معهم الماويون في اليوم الموعود و الساعة الموعودة , و لكن هذا اليوم اي  يوم 20 فبراير  2011 انتهى فقط بتلاوة البيان الختامي للحركة بساحة الحارثي بعد تحرك جماهيري واسع رفع شعارات قوية من قبيل ” اسقاط الفساد و الاستبداد”.

عاد الماويون الى معاقلهم داخل اسوار الجامعة و استمروا في تأدية مهامهم التأطيرية في صفوف الطلاب و المشاركة في مسيرات 20 فبراير الاسبوعية و استمر نفوذهم في التمدد و اعداد المتعاطفين في تزايد, توجت هذه الجهود بمقاطعة شاملة للامتحانات نهاية السنة بكلية الآداب و الحقوق بعد عدم استجابة الادارة لمطالب الطلاب خصوصا في شقها البيداغوجي, معركة مقاطعة الامتحانات كانت بقيادة ماوية خالصة مدعومة بتعاطف طلابي منقطع النظير.

عرفت سنة 2012 تنظيم الفصيل الماوي لعدد من الايام التثقيفية و السياسية بمناسبة معانقة الناشط مراد الشويني سماء الحرية, و هو  اخر المفرج عنهم من معتقلي مجموعة زهرة بودكور. استدعي لهذه الايام عدد من الاطر الماركسية على المستوى الوطني و عرفت نقاشات نظرية و سياسية ثرية تبدأ صباحا داخل أروقة الكلية و لا تنتهي الا في  ساعات متأخرة من الليل تحت مطعم الحي الجامعي.

يقول الطالب انس انه يتذكر بانتشاء المداخلات الطويلة و العميقة لعدد من المناضلين و على رأسهم الفقيد احمد بنعمار الذي تميز بسعة الاطلاع و بالعمق في التحليل.

بعد استئناف الدراسة خلال الموسم الجامعي الموالي, سيتكرر سيناريو مقاطعة الامتحانات  تقريبا بنفس الطريقة خلال سنة 2013 , مقاطعة شاملة للدورة الاولى للامتحانات بكلتي الاداب و الحقوق و التحام بين جموع الطلبة و الطلائع المناضلة, لكن هذه المرة بسياق وطني و اقليمي مختلف موسوم بانكفاء حركة 20 فبراير في الشارع و موتها النهائي.

يقيم أنس هذه المرحلة قائلا ”تغير الاوضاع السياسية الوطنية  بترويض الشارع , و الاغلاق النهائي  لقوس 20 فبراير, كانت عوامل هيأت أسباب التمكن من الموقع الجامعي مراكش و الاستفراد بالفصيل الماوي و الذي سيقدم  جيلا جديدا من المعتقلين خلال معركة مقاطعة امتحانات دورة فبراير 2013 بلغ عددهم تسعة مناضلين أطلقت عليهم مجموعة عزيز البور.”

يقول عبد الحق الطلحاوي و هو أحد الوجوه البارزة في فصيل النهج الديموقراطي القاعدي- الماوي و احد المعتقلين السياسيين ضمن مجموعة عزيز البور, و الذي حوكم بثلاث سنوات سجنا نافذا ، ان مركز ثقل التنظيم و موضع ثأتيره كان يتواجد بموقع مراكش و بالتالي “فمن الطبيعي ان تستهدف الدولة ـ حسب قوله ـ هذا الموقع بالأساس” .

 و كشف انه التحق بهذا الفصيل مباشرة بعد تسجيله بكلية الاداب شعبة علم الاجتماع, و انه اتخذ قرار الالتحاق به و هو تلميذ في الباكالوريا , ساعده في ذلك انه ابن وسط مسيس و مناضل.

 يؤكد الطلحاوي ان الماويين طرحوا أسئلة  جديدة  من قبيل مصير و مآل خريجي القاعديين ما بعد المسار الجامعي و سؤال الالتحاق بالاطارات الجماهيرية من عدمه, بالاضافة طبعا للأطروحات النظرية التي يتشبثون بها كإسهامات داخل الحركة الشيوعية المغربية.

يعود بنا الطلحاوي الى تجربة اعتقاله, يقول انه بعد اعتقال المجموعة الاولى التي ضمت تسعة مناضلين داخل أحد المنازل بحي الداوديات بمراكش اضطرللتقليل من تحركاته, التي اقتصرت فقط على التردد مرات قليلة على الكلية و في أغلب الاحيان البقاء داخل الحي الجامعي, دامت هذه الفترة حوالي شهر حتى قرر ان يغادر الحي الجامعي. يقول الطلحاوي ان صديقا له ابن منطقته كان دائم الالحاح عليه ليزوره و يتناول وجبة الغذاء رفقته , فهم فيما بعد انها كانت محاولات لاستدراجه, و فعلا  في ذلك اليوم الذي زار فيه صديقه في غرفته في حي الوحدة الرابعة داهمت عناصر أمنية المنزل و قامت باعتقاله.

يؤكد الطلحاوي أن اعتقال هذه المجموعة كان بمثابة القشة التي قسمت ظهر البعير, و الضربة القاضية التي زعزعت كيان الفصيل الماوي و أردته قتيلا , لان حملة الاعتقالات هاته كما يقول كانت نوعية.

و يذهب الطالب أنس في نفس التحليل حيث يقول انه بمجرد اعتقال تلك المجموعة تآكل تنظيم الماويين و بدأ النقاش السياسي و الفعل الاحتجاجي يذبل الى ان انتهى تقريبا اواخر الموسم الجامعي 2014.

يصر الطلحاوي على قناعاته السياسية و مواقفه التي اعتقل من أجلها و يطرح السؤال : ما الذي تغير في البلاد حتى نغير مواقفنا ؟

آخرون غير الطلحاوي من المناضلين الذين صنعوا هذه التجربة او انخرطوا فيها لا زالوا متشبتين بالماوية كخيار ايديولوجي رغم غياب التنظيم , هذا التنظيم الذي انتهى عمليا مع حملة اعتقالات سنة 2013 و ربما قبل ذلك, فخالد المهدي الاسم المستعار الذي يعبر عن خط الماويين المغاربة قد توقفت كتاباته منذ سنة 2012 في موقع الحوار المتمدن.

آخرون غير الطلحاوي  أيضا ناشطون ماويون سابقون  نزعوا جلباب النضال و تركوا ساحات المقاومة … و اخرون تخلوا عن فكرهم الثوري , منهم من ترشح في الانتخابات باسم التجمع الوطني للاحرار و حزب الاستقلال و منهم من التحق باحزاب اليسار الاصلاحي , الاشتراكي الموحد و النهج الديموقراطي العمالي, و منهم من انبرى لتدبير مصالحه الخاصة بعيدا عن أي انشغال عام.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى