ثقافة

الشاعر كولريدج حول تناقضات الصداقة والحب الرومانسي

"الصداقة ترضي أعلى جوانب طبيعتنا؛ ولكن الحبيب، الذي يكون قادراً على الصداقة، يرضي الجميع."

لوسات أنفو

ترجمة: إلياس أبوالرجاء

من المنطقي أن نجد تفاوتات في جميع العلاقات، لكن بعضا من هذه التفاوتات، تؤدي إلى تمزيق نسيج العلاقة وجرح أطرافها. ولا شيء يجسد ذلك أكثر من الصداقات العميقة، حين تتسلل مشاعر الحب الرومانسي إلى طرف واحد فقط، بينما الطرف الآخر لا تتملكه تلك المشاعر أو لا يستطيع. التحدي في هذه الحالة، هو كيفية الحفاظ على قدسية الصداقة دون أن تنهار بسبب التوقعات غير المتكافئة.

صامويل تايلور كولريدج (21 أكتوبر 1772 – 25 يوليوز 1834) تناول هذا التناقض المرعب بين الصداقة والرومانسية، في تدويناته أثناء معاناته من عشق مستمر دام عقدًا كاملاً لأخت زوج صديقه ويليام وردزوورث، سارة هتشينسون. وطوال ذلك الوقت، كان يعمل على تحرير مجلته الأدبية “الصديق” والتي خصصها لسارة.

في هوامش الكتاب الكلاسيكي ” Regio Medici” للسير توماس براون الصادر عام 1669، والذي كان هو نفسه رجلاً ذا ميل شديد ومضطرب إلى الصداقة الرومانسية—، كتب كولريدج:

“الصداقة ترضي أعلى جوانب طبيعتنا؛ ولكن الحبيب، الذي يكون قادراً على الصداقة، يرضي الجميع.”

ثم يتساءل عن السبب الذي يجعل الصداقة وحدها دائمًا أقل إشباعا من الحب الذي يتضمن الصداقة، ولكنه يهيمن على جميع العلاقات الأخرى:

“قد نحب أشخاصًا كثيرين بشدة، ولكننا لا نستطيع أن نحب أشخاصًا كثيرين بنفس الدرجة. بل ستكون هناك اختلافات ودرجات في الحب. هذا هو الحال مع المشاعر في الحب، والأمر نفسه مع العقل في الدين. لا يمكننا أن ننتشر ونتساوى، لا بد أن نمتلك شيئا يكون الأسمى. جميع اللغات تعبّر عن هذا الإحساس.”

لكن كولريدج يرى أن مثل هذا السمو لا يكون حقيقيا إلا عندما يكون متبادلا، فحسب قوانين المنطق، وقوانين الفيزياء، لا يمكن أن تكون هناك “قمة” على جانب واحد فقط، وإلا فإنها مجرد صدى للأنانية أو الوهم. ينتج عن هذه الحقيقة، ضرورة الاعتراف بأن كل حب غير متبادل ليس حبًا حقيقيًا، بل هو خيال، وفقط من خلال التخلي عن تلك الرغبة الخيالية يمكن استعادة التناغم للعلاقة غير المتوازنة.

يقول كولريدج:

“لكي يستمر الشخص في حب شخص آخر أكثر من الآخرين، يبدو أنه من الضروري أن يكون هذا الشعور متبادلًا. إذا لم يكن الأمر كذلك، فإن تلك المشاعر العاطفية تنقطع في أعلى نقطة ممكنة. لنأخذ على سبيل المثال أن الشخص (أ) يحب الشخص (ب) أكثر من أي شخص آخر وبكل ما تحمله كلمة حب من معنى. ولكن الشخص (ب) يحب الشخص (ج) أكثر أي شخص آخر. في هذه الحالة، إما أن يكون الشخص (أ) لا يقدر مشاعر الشخص (ب) اتجاه الشخص (ج)، وبالتالي حبه يكون غير كامل ومصحوبًا برغبة في شيء غير موجود أو يمكن أن يكون؛ أو أن يقدر بالفعل مشاعر الشخص (ب) في حب الشخص (ج) أكثر من أي شخص آخر، وهذا يعني أنه أيضا يحب الشخص (ج) أكثر من الشخص (ب). الآن، يبدو لي أنه من الأنانية أن ترغب في أن يحبك صديقك أكثر من أي شخص آخر، ولكن ليس بالضرورة أن ترغب في أن تكون زوجتك كذلك.”

يرى كوليردج أن الحب المتوازن، سواء كان صداقة أو رومانسية، يساعدنا على دمج أنفسنا، وتوحيد العقل والقلب في حقل قوة واحد للوجود:

” المهمة العظيمة للفضيلة الحقيقية التي لا تظهر بشكل زائف، ليست هي القضاء على أي غريزة حقيقية أو رغبة للطبيعة البشرية؛ ولكن، تأسيس الوفاق والوحدة بين جميع أجزاء طبيعتنا، لمنح الشعور والعاطفة لعقولنا النقية، وتنمية مشاعرنا وعواطفنا.

المصدر:

THE MARGINALIAN, MARIA POPOVA

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى