وطني

المشرف العام الوطني لفريق التجديد التربوي: هذا هو السبب الرئيس لتدني مستوى المغرب في PISA

 

عبد الرزاق بن شريج/ المشرف العام الوطني لفريق التجديد التربوي

إن الحديث عن ترتيب المغرب في ذيل لائحة نتائج البرنامج الدولي لتقييم المتعلمين المعروف اختصارًا ب “بيسا” (PISA= Programme International for StudentAssessment)، وتكرار نفس الملاحظات حول مقارنته بباقي الدول المشاركة، أو حتى الحديث عن الأسباب السياسية والاقتصادية المؤثرة في ترتيب المغرب من بين الدول، رغم أهميته يبقى ناقصا في غياب التطرق إلى الجوانب التربوية والتقنية التي لها تأثير مباشر على النتائج، وبالتالي فإنّ الأمر يقتضي دراسة معمقة لمؤثرين رئيسين هما: أدوات وتقنيات التقييم والقياس في علاقتها بديداكتيك المواد المبرمجة في البرنامج الدولي من جهة، ثم مقارنة منهجية التقييم المعتمدة من طرف البرنامج الدولي “بيسا” وتلك المعتمدة من طرف وزارة التربية الوطنية المغربية من جهة أخرى، رغم صعوبة المقارنة بالنظر إلى كون واقع المنظومة يخالف الوثائق الرسمية الخاصة بالتدريسية (الديداكتيك)، كما يخالف منهجية التقييم والقياس، لأن التطبيق يحتاج إلى أدوات ووسائل تمكن من التنزيل الأمثل لتلك المنهجيات.

تجدر الإشارة إلى أن PISA برنامج عالمي لتقييم وقياس المهارات المعرفية للتلاميذ من فئة 15 سنة، ويركز الاختبار الذي يُجرى كل ثلاث سنوات على مواد العلوم والرياضيات والقراءة، ويستغرق ساعتين،كما أنه يكون بإحدى اللغتين الإنجليزية أو العربية، وتشرف عليه دول منظمة التعاون والتنمية الاقتصادية (OECD)، بهدف قياس أداء الأنظمة التربوية في البلدان الأعضاء، وكذا توفير مصادر غنية من المعلومات لصانعي السياسة التربوية، وللتربويين بهدف تطوير المناهج والبرامج، وبناء أجهزة القياس والتقويم ، وتمكين الباحثين التربويين من دراسة وتحليل المنظومة التربوية.

وبحسب بلاغ وزارة التربية الوطنية فقد “شارك المغرب في دورة 2022 بعينة وطنية بلغت 6867 تلميذة وتلميذا يبلغون منالعمر 15 سنة،وينتمون لما مجموعه 177 مؤسسة تعليمية عمومية بالسلكين الثانوي الإعدادي والثانوي التأهيلي،تغطي الأكاديميات الاثنتي عشرة في المملكة. وبما أن البرنامج يركز خلال كل فترة على مجال رئيس من بين المجالات الثلاثة (الرياضيات والعلوم والقراءة)، فقد تم اختيار الرياضيات كمجال رئيس بالنسبة لدورة 2022 ، وهو ما يجعلني أركز في هذه المقالة على مادة الرياضيات دون غيرها:

حسب PISA فإنّ المعرفة الرياضياتية هي “قدرة الفرد على تحديد وفهم الدور الذي تلعبه الرياضيات للتوصل إلى أحكام تقوم على أسس سليمة، وعلى استخدام الرياضيات والتعامل معها بحيث تفي باحتياجات الفرد الحياتية كمواطن فعال ومسؤول ذي تفكير سليم”، وبالتالي فإنّ الأهم هو قدرة الفرد/المتعلم على استخدام المعرفة العلمية ومن ضمنها الرياضيات لتحديد القضايا المطروحة أو الإشكالات المطروحة، والقدرة على استخدام النتائج والإثباتات الحاسمة كأدلة تُعتمد كمفاهيم تساعد على اتخاذ القرارات لإجراء التغييرات المناسبة للنشاطات البشرية، فالبرنامج الدولي يعتبر مهارات حل المشكلات أساس “قدرة الفرد على استخدام المهارات المعرفية لمواجهة المواقف العلمية ذات التخصصات المتداخلة، حيث لا تظهر طرق الحل بوضوح وسهولة، وحيث لا تكون مجالات المعرفة أو المناهج قابلة للتطبيق ضمن مجال واحد من الرياضيات، أو العلوم، أو القراءة” وهو ما يسمى الوصول إلى مرحلة التعميم في مجال العلوم.

وإذا كانت هذه هي التعاريف والمفاهيم المعتمدة من طرف PSIA، فما هو المطلوب القيام به لتقويم هذه الكفايات؟ بالرجوع لأنواع الأسئلة المطروحة على المُمتحنين (الروائز) نجدها تركز بشكل واضح على وضعيات مركّبة، المعبر عنها سابقا بعبارة:”حيث لا تظهر طرق الحل بوضوح وسهولة”، والاعتماد على معايير ومؤشرات دقيقة بغية تقويم منتوج التلميذ من زوايا مختلفة، لأن التعلُّمات لا تقوّم لذاتها، بل كموارد ينبغي تعبئتها من أجل حلّ وضعية ما، وهو ما سبق ذكره ” لمواجهة المواقف العلمية ذات التخصصات المتداخلة”، والتي تتطلب اعتماد بيداغوجيا الإدماج في تكوين المتعلمين، وفي تقييم مكتسباتهم وكفاياتهم الجزئية والكلية.

تتحمل الوزارة الوصية المسؤولية الكاملة في ترتيب المغرب في ذيل لائحة نتائج بيسا.

أما بالنسبة لما يوجد بالمغرب،يمكن القول إن الأمر يدعو إلى الاستغراب؛ فعلى المستوى النظري، نجد وفق الوثائق الرسمية الصادرة عن وزارة التربية الوطنية أن التدريس والتقييم يسيران وفق منهج البرنامج الدولي PSIA، فبيداغوجيا الإدماج مازالت سارية المفعول، وحتى على مستوى التقييم فالوزارة تعتمد “تقييم الكفايات وفق بيداغوجيا الإدماج، وبزيارتي يوم 10/12/2023 للموقع الرسمي لوزارة التربية الوطنية وجدت على الرابط “https://www.men.gov.ma/Ar/Pages/eval_integration.aspx ” وجدت العنوان الرئيس ” تقويم التعلمات وفق بيداغوجيا الإدماج” وتحته العنوان الفرعي الأول ” المبادئ الموجهة لنظام التقويم التربوي في إطار بيداغوجيا الإدماج” وهكذا تتوالى باقي العناوين الفرعية وصولا إلى العنوان الفرعي الخامس بعنوان “اتخاذ قرار النجاح والانتقال”.

أمّا مستوى واقع التدريس بالمؤسسات التعليمية، فلا وجود لشيء اسمه “بيداغوجيا الإدماج” منذ 22 فبراير 2012  حين صرح المرحوم “محمد الوفا” بعد أول لقاء له مع بالنقابات التعليمية الأكثر تمثيلية أن الوزارة قررت التخلي عن بيداغوجيا الإدماج، فأصدرت وزارة التربية الوطنية مراسلة مفخخة وملتوية تحمل رقم 167 إلى مديرتي و مديري الأكاديميات الجهوية للتربية و التكوين و نائبات ونواب الوزارة، من جهة تحثهم فيها على الاحتفاظ ببيداغوجيا الإدماج في التعليم الابتدائي، ومن جهة أخرى إعطاء الصلاحية لمديري المؤسسات التعليمية والأساتذة من أجل اعتماد هذه البيداغوجيا،وإرجاء العمل بها بالسلك الثانوي الإعدادي إلى حين وضع تقييم لنتائج تطبيقها بالتعليم الابتدائي،

 فاعتُمِد التصريح، ولم تُطبّق المذكرة بحيث تم التخلي عنها حتى في الابتدائي،ولم يتم تقويمها في الابتدائي، وإلى يومنا هذا لاتزال المنظومة التربوية تسير بدون بيداغوجيا محددة، ويتم الاكتفاء بالطرق التقليدية المعتمدة على التلقين، والحفظ دون فهم، وفي مستوى التقييم تطرح أسئلة مباشرة والأجوبة عنها توجد في ملخص الدرس، “بضاعتنا ردت إلينا”.

يُستنتج مما سبق أن وزارة التربية الوطنية تتحمل المسؤولية في تحديد البيداغوجيا أو منهجية التدريس وطرق وأدوات التقييم والقياس المناسبة؛ لأن المتعلم الذي لم يتعود على تقييم الكفايات خلال مراحل التدريس يصعب عليه التفاعل مع أسلوب جديد بالنسبة له، وإن كان هذا على مستوى الرياضيات فقس على ذلك العلوم والقراءة، وبالنتيجة تتحمل الوزارة الوصية المسؤولية الكاملة في ترتيب المغرب في ديل لائحة نتائج بيسا.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى