الحوار

الروائي الصحراوي أحمد بطاح: الرواية الجيدة هي التي تملك القدرة على زعزعة الأوهام، وإثارة الشك، ودفع الإنسان إلى التساؤل

لوسات أنفو؛ سيدي محمد الزعيم

الجزء الأول:

لامناص أن الرواية هي الجنس الأدبي الأقدر على التقاط التفاصيل واقتناص المشاهد، ولقد شكلت الصحراء بإعتبارها مكانا شاسعا يلهب خيال الكاتب الصحراوي ويجعله يقتحم هذا الفضاء المفتوح على الجهات الأربع، لينقل حياة وثقافة الإنسان الصحراوي خاصة أن الرواية بالصحراء لاتزال طرية العود، وفي هذا الحوار الذي نجريه مع الكاتب الصحراوي الشاب أحمد بطاح أحد الروائيين الجدد الذين خاضوا غمار الكتابة الروائية من زاوية مختلفة تجمع بين ماهو فلسفي وماهو تراثي أصيل بجرعة جرأة مضافة في الرهان الذي حاول ايصاله من خلال رواياته الثلاث حيث سنسلط الضوء على تجربة الكاتب الروائية وآرائه الشخصية في عدد من القضايا التي يتبناها بإعتباره طابوهات داخل المجتمع الصحراوي المحافظ.

أحمد بطاح، من مواليد 1989 بجماعة عوينة يغمان أسا الزاك. أستاذ مادة الفلسفة بالثانوي. كاتب روائي وقاص. له ثلاث روايات منشورة تحت عنوان سجن بلا جدران والحب الآتي من الشرق ورواية رجل لا أثر له يسكنني. والعديد من المقالات النقدية والسوسيولوجية والفلسفية المنشورة على الويب. حائز على جائزة دار حروف منشورة للنشر الإلكتروني وجائزة منف للرواية العربية الإلكترونية بجمهورية مصر العربية وجائزة ربيع القصة بجهة الداخلة وادي الذهب.

السؤال الأول: هل هناك مستقبل للرواية في الصحراء؟

أعتقد، بالنظر إلى بدايتها المتأخرة جدا، أن الرواية في الصحراء، أو رواية الوديان الثلاثة، تشق طريقها بتباث نحو القمة، لكن المسير إلى ذلك سيستغرق أعواما طويلة من المراكمة. أكيد أن رواية الوديان الثلاثة استفادت مما راكمته الرواية العالمية بشكل عام، والرواية العربية بشكل خاص، كما أن تلامسها بالرواية المغربية، كل ذلك جعلها تختصر الطريق، إذ لا نكاد نقرأ نصا إلا ونلمس فيه ملامح الرواية الجديدة بتقنياتها المبتكرة. إلا أنه على مستوى الموضوع، ما زالت رواية الوديان الثلاثة تدور في فلك المواضيع الاجتماعية والسياسية، وما زالت كثير من المواضيع الأخرى غائبة عنها، خاصة روايات الرعب والفانتازيا والرواية الفلسفية التي كتبت فيها نصا وحيدا تحت عنوان “سجن بلا جدران”.

عموما، وكما يقال، الكم يولد الكيف، فإنه لا يمكن التحدث عن جودة الرواية الصحراوية الآن من عدمه، طالما أن النصوص المتوفرة لا تتجاوز خمسين نصا، وعمر هذه النصوص لتوه بلغ ربع قرن، إن اعتبرنا أن رواية أحمد قاري التي خرجت للوجود سنة 1997 هي أول نص منها.

السؤال الثاني: ماهي الأسئلة التي تنير وتخصب الرواية بالنسبة لأحمد بطاح وتجعلها بمثابة جدلية لاتتوقف إلا لتبدا؟

بالنسبة لي الرواية هي سؤال عن الذات وعن الوجود، أكتب لأكتشف ذاتي وأكتشف الآخرين، طالما تجد في رواياتي أسئلة عن مسألة الأنا والغير في تناغمهما مع الوجود، وما يطرحه هذا التناغم من إشكاليات متعددة.

سؤال المشترك الانساني أيضا سؤال يؤرق وأسعى للبحث له عن إجابة تتجاوز الحدود الضيقة، حدود القبيلة والدين والعادات والتقاليد.. نحن نعيش في عالم أرحب يجب أن ننخرط فيه بمبدأ الإنسانية ولا شيء غيرها، كل ما سواها يتم تفصيله على المقاس من لدن المجتمعات التي ننتمي إليها. هذه المجتمعات التي تقدم دوما الأوهام على أنها حقائق، ويبقى الفرد طيلة حياته يدافع عن هذه الأوهام معتقدا أنها مسلمات. إذن الرواية الجيدة، في نظري، هي التي تملك القدرة على زعزعة الأوهام، وإثارة الشك، ودفع الإنسان إلى التساؤل.

الأسئلة الوجودية الكبرى هي وقود الرواية، والرواية لم تأت للإجابة عن هذه الأسئلة بل لتثيرها.

السؤال الثالث: تنتمي إلى تنظيمات حزبية وسياسية.. ما أثرها على الكتابة؟

الكتابة في نظري هي التزام، وهي شكل من أشكال الاحتجاج.. لذلك دائما ما أعتبر نص سارتر “ما الأدب” منطلقا للكتابة. إن الكتابة التي لا تنطلق من قضية أو لا تصل إليها لا يعول عليها.

كنت دائما ضد الاتجاه البنيوي في الأدب، وأرى أنه وإن حارب الأيديولوجيا فإنه يكرس أيديولوجيا أخرى، إذ إن اللاأيديولوجيا في حد ذاتها أيديولوجيا. لقد أفرغت البنيوية الأدب من مضمونه الثوري، واتجهت نحو الشكل، صحيح أنها دفعت بفنون الكتابة وتقنياتها إلى الأمام، خاصة في البعد الجمالي، لكن، في مقابل ذلك، أزاحت الأدب من مركزه الاجتماعي والسياسي، وقدمت خدمات جليلة للرأسمالية.

على هذا الأساس لا أفصل بين الكتابة والنضال، النضال من أجل عالم تسود فيه الحرية والديموقراطية والتوزيع العادل للثروات. والنضال ضد تغول البورجوازية والنظام الرأسمالي الذي يطحن الانسان.

السؤال الرابع: في رواياتك الثلاثة هناك رهان واحد تحاول ايصاله ان الحرية هي فلسفة ينبغي أن تعاش هل انت مناصر للحريات الفردية؟

أكيد، بالنسبة لي أومن بالإنسان، وأومن بضرورة منحه الحرية ليعيش ويفجر طاقاته. الحريات الفردية من بين القضايا التي يجب أن تحترم، فهي تعبر عن اختيار شخصي في الحياة، لكن للأسف، في مجتمعاتنا العربية، ليس هناك أدنى احترام للحريات الفردية، الفرد هنا يعيش بما يرتضيه له الآخرون، لا أحد هنا يطابق نفسه، المجتمع باسم العادات والتقاليد والدين ينزع من الفرد كل شيء، ويتركه تابعا للجماعة، وبالتالي فهو لا يفعل ما يريد، لا يعبر عن ذاته، إنما يفعل ما يمليه عليه المجتمع. وهذا الأمر جعل الفرد العربي الأقل انتاجية في العالم والأكثر أنانية وتخلف.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى