الحوار

الدكتور عبد الرحيم ناجح : النموذج التنموي الجديد رصد فقدان الثقة في المؤسسة التربوية، وعدم قدرتها على الاضطلاع بدور الترقي الاجتماعي

حاوره عبد الرزاق بن شريج

منذ الاستقلال 1956 وإلى اليوم عرفت المنظومة التربوية العديد من البرامج والمشارdع الإصلاحية، أجمع المهتمون والخبراء على أنها لم تحقق الأهداف المتوخاة، وتعتبر الرؤية الاستراتيجية 2015/2030 وخارطة الطريق وفروعها المشاريع الحديثة التي تعمل الحكومة المغربية على تنزيلها، ورغم أن تقارير المؤسسات المغربية الدستورية والمؤسسات الدولية توحي بتوقع فشلها أو عدم تحقيق أهم أهدافها، ومهما يكن فللخبراء والمهتمين بالشأن التعليمي آراء خاصة، كل من زاوية نظره وقراءته لواقع المدرسة المغربية، في هذا الإطار حاور موقع (le 7 infos)الدكتور عبد الرحيم ناجح أستاذ اللسانيات والديداكتيك بالمدرسة العليا للأساتذة بمراكش، ومنسّق مسلك الإجازة في التربية، حاصل على دكتوراه في اللسانيات وماستر في القانون وإجازة في الإنجليزية، وعضو هيئة تحرير مجلة تربية وتكوين ومجتمع بالمدرسة العليا للأساتذة بمراكش، وعضو كُتّاب بمجلة توازن بفرنسا، وعضو محكم بمجلات مختلفة، وعضو الهيئة الاستشارية العلمية لمجلة النداء التربوي، له إسهامات علمية في العديد من المجلات المتخصصة والكتب الجماعية، والكتب الفردية، ومشاركات علمية بندوات وطنية ودولية، مفتش تربوي من الدرجة الممتازة، ومدير إقليمي لوزارة التربية الوطنية والتعليم الأولي (سابقا).

نص الحوار:

 (س).عرفت المنظومة التربوية عدة مشاريع إصلاحية، كلها لم تحقق كافة الأهداف التي وضعت من أجلها. فما هو المشروع الذي يمكن تصنيفه في المرتبة الأولى من حيث تحقيق الأهداف أو جزء منها؟

(ج).صحيح أن المنظومة التربوية قد عرفت العديد من المشاريع الإصلاحية. وبدهي أنها ستعرف مشاريع إصلاحية أخرى مستقبلا.وبدهي أن أي مشروع إصلاحي لا يمكن أبدا أن يحقق الأهداف المتوخاة برمّتها. ويبدو أن هذا الأمر طبيعي؛ لأن طبيعة الحقل التربوي قائم أساسا على وضع غايات تربوية مكتملة في الزمن، رغم أن الآليات والاستراتيجيات المعتمدة لبلوغها خاضعة للشرط التاريخي البشري. لذلك، يصعب من الناحية المنطقية أن نحقق المكتمل تاريخيا بوسائل خاضعة للتطور. وبناء عليه، يبدو أن الغاية من المشاريع الإصلاحية التي عرفتها المنظومة التربوية، وستعرفها مستقبلا،تتمثّل أساسا في أمثلة (optimalisation)الأهداف في علاقتها بالإمكانيات المتاحة.

السؤال الأهم هو هل ساهمت الإصلاحات المتعاقبة في إرساء دعائم المشروع المجتمعي المغربي وتطويره، بما يجاري التحولات التي شهدها المغرب منذ فجر الاستقلال إلى اليوم؟

ومن الصعب إصدار حكم مفاده أن المشاريع الإصلاحية التي عرفتها منظومة التربية والتكوين كلّها لم تحقق كافة الأهداف المتوخاة منها؛ ببساطة لأننا لا نتوفّر على تقارير تقويمية خاصة بكل مشروع على حدة. ومن الصعب أيضا الجزم بأن مشروعا إصلاحيا أفضل من آخر لذات السبب.

إن تقييم المشروع الإصلاحي لمنظومة التربية والتكوين ينبغي أن يشمل الأهداف الداخلية للمنظومة، نحو الحد من الهدر المدرسي، وتعميم التعليم، وتحقيق جودة التعلمات، وغيرها من الأوراش الكبرى، غير أنه لا ينبغي أن يهمل الأهداف الخارجية للمنظومة، مثل مساهمتها في التقدّم الاقتصادي، والإصلاح السياسي، والتنمية الاجتماعية.

إن فصم العرى بين إصلاح منظومة التربية والتكوين وبناء المشروع المجتمعي المنشود في أبعادهجميعها من شأنه أن يجرنا إلى إعادة صياغة السؤال على نحو الشكل الآتي: هل ساهمت الإصلاحات المتعاقبة على منظومة التربية والتكوين في المغرب على إرساء دعائم المشروع المجتمعي المغربي وتطويره، بما يجاري التحولات التي شهدها المغرب منذ فجر الاستقلال إلى اليوم؟

(س). ما هي العلاقة بين بين مشروع الرؤية الاستراتيجية 2015/2030 ومشروع خارطة الطريق؟

(ج). بداية، يعد مشروع خارطة الطريق مشروعا منبثقا عن تقرير النموذج التنموي الجديد الذي رصد الاختلالات الأساس التي تعتري منظومة التربية والتكوين، والمتمثلة أساسا في: (أ) فقدان الثقة في المؤسسة التربوية، و(ب) عدم قدرة المدرسة على الاضطلاع بدور الترقي الاجتماعي، و(ج) جودة التعلمات. ويلاحظ أن مشروع خارطة الطريق يمثّل توجها جديدا في التعامل مع الشأن التعليمي في المغرب؛ لأنه يعكس الالتزام الحكومي للفترة الممتدة بين 2022 و2026. ويبدو، في اعتقادي، أنه لأول مرة في تاريخ منظومة التربية والتكوين في المغرب تلتزم الحكومة المغربية بمجموعة من الالتزامات التي يمكن محاسبتها عليها أمام الناخب. وهذا أمر جديد في التعاطي مع الشأن التعليمي، سيّما أن خارطة الطريق عبارة عن مجموعة من الالتزامات (12 التزاما). وتتمحور هذه الالتزامات حول (أ) التلميذ، و(ب) المدرس، و(ج) المدرسة. ويلاحظ أن هذه الالتزامات تصب مباشرة في تجاوز الإشكالات التي رصدها تقرير النموذج التنموي الجديد التي أشرنا إليها سابقا.

 أما بالنسبة للرؤية الاستراتيجية 2015-2030، فإنها منبثقة عن المجلس الأعلى للتربية والتكوين بوصفه هيئة دستورية مستقلة ذات طبيعة استشارية للتفكير الاستراتيجي في قضايا التربية والتكوين والبحث العلمي،مسنود إليها إبداء الرأي في جميع السياسات العمومية والاختيارات الوطنية المتعلقة بقطاعات التربية والتكوين والبحث العلمي، وكذا المصالح العمومية المرتبطة بهذه القطاعات، والإسهام في تقييم السياسات والبرامج العمومية في مجالات التربية والتكوين والبحث العلمي.

وبناء عليه، يبدو أنه يمكن فهم العلاقة بين خارطة الطريق والرؤية الاستراتيجية في ضوء التكامل الذي ينبغي أن يسم المؤسسات والهيئات الدستورية في التعاطي مع قضايا التربية والتكوين في المغرب.

 (س). من خلال تجربتكم كمدير إقليمي بوزارة التربية الوطنية هل يمكن اعتبار مشروع خارطة الطريق الفرصة المناسبة لتحقيق ما لم تحققه المشاريع السابقة؟

(ج). من الصعب القول إن مشروع خارطة الطريق الفرصة المناسبة لتحقيق ما لم تحققه المشاريع الأخرى. فكما أشرتُ سابقا، تعد خارطة الطريق التزاما حكوميا بإصلاح التعليم بين الفترة الممتدة بين 2022 و2026. ولذلك، فإنها تنطلق من الإشكالات الكبرى التي رصدها تقرير النموذج التنموي الجديد، وترسم خارطة عبارة عن مجموعة من الالتزامات لتجاوزها. وأقصد هنا أن المشاريع الإصلاحية التي تعاقبت على منظومة التربية والتكوين تختلف باختلاف المنطلقات، وتتنوع بتنوع الأهداف منها. ولذلك، يصعب أن نعتبر أن خارطة الطريق الفرصة المناسبة لتحقيق ما لم تحققه المشاريع السابقة. وبالمقابل، يمكن أن نثير قضية التراكم الإصلاحي، عوض المقارنة؛ فإذا كان مشروع إصلاحي ينطلق من إشكالية تعميم التمدرس، فإنه لا يمكن مقارنته بمشروع إصلاحي ينطلق من إشكالية جودة التعلّمات.

غني عن البيان أن من بين أهم الإشكالات التي اعترضت ومازالت تعترض الإصلاحات تبئيرها للقطب الإداري على حساب القطب التربوي، مما يجعل الإصلاح يقف عند عتبة الفصول الدراسية.

ومع ذلك، يبدو أن مشروع خارطة الطريق له علاقة مباشرة بالتعلّمات. وهذا هو الهدف الأساس من أي إصلاح؛ لأنه يركّز على المحاور المعنية بالإصلاح؛ أي التلميذ، والمدرس، والمؤسسة التعليمية. وغني عن البيان أن من بين أهم الإشكالات التي اعترضت ومازالت تعترض الإصلاحات تبئيرها للقطب الإداري على حساب القطب التربوي، مما يجعل الإصلاح يقف عند عتبة الفصول الدراسية دون أن يلامس قضايا التعلّمات وجودتها.

(س). ما رأيكم في مشروع المدرسة الرائدة؟

مشروع المدرسة العمومية الرائدة أو ما يطلق عليها بمدرسة الريادة يمثّل مشروعا تعليميا يهدف أساسا الى تحقيق جودة التعليم في المدارس العمومية. ولذلك، يبدو أن مشروع المدرسة الرائدة آلية من الآليات القمينة بتحقيق الالتزامات ذات الصلة بالتلميذ والمدرس والمدرسة.أولا، من حيث علاقتها بالتلميذ، فقد وُطّنت المدرسة الرائدة لتمكين المتعلمين والمتعلمات من الكفايات الأساس في كل من مواد اللغة العربية واللغة الفرنسية والرياضيات عبر تجويد الممارسات الصفية، وكذا أنشطة الدعم التربوي بالمؤسسات التعليمية باستعمال وسائل وأدوات وأنشطة متنوعة يتم اعتمادها بعد تشخيص قبلي ودقيق للوضعية التعليمية بالمؤسسة. ثانيا، ومن حيث علاقتها بالمدرّس، فقد اُعتمدت المدرسة الرائدة آليةً للرفع من القدرات المهنية للأطر التربوية عن طريق تكوين مستمر ذي جودة يجمع بين ما هو نظري وما هو تطبيقي. ثالثا، ومن حيث علاقتها بالمدرسة، فقد اُعتمدت المدرسة الرائدة بوصفها آليةً لتأهيل المؤسسات التعليمية وتجهيزها وتحفيز طواقم الاشتغال بها وتوفير الظروف والمستلزمات الكفيلة بتحقيق الأهداف المسطرة.

يبقى اشتغال المدرسة الرائدة على مجموعة من الاستراتيجيات، مثل التدريس وفق المستوى المناسب (RARL)، والتدريس الفعال من أهم المداخل الأساس التي تهدف إلى الانتقال من التدبير بالنتائج إلى ثقافة التدبير القائم على الأثر(impact).

 

وعليه، يبدو أن المدرسة الرائدة-بصرف النظر عن دواعي اختيار صفة “رائدة” للمدرسة-منسجمة مع التوجهات الرئيسة التي تقيّد ربط إصلاح منظومة التربية والتكوين بتقديم خدمة تربوية تستجيب لمختلف المستفيدين منها، مما يسمح فعلا، بمقاربة جودة التعليم مقاربة حقيقية. ومع ذلك، يبقى اشتغال المدرسة الرائدةعلى مجموعة من الاستراتيجيات، مثل التدريس وفق المستوى المناسب (RARL)، والتدريس الفعال من أهم المداخل الأساس التي تهدف إلى الانتقال من التدبير بالنتائج الذي يخفي مساوئ عديدة، رغم ما تحقق في ذلك إلى ثقافة التدبير القائم على الأثر(impact).

يتعيّن الحرص على ألا تتحوّل المدرسة الرائدة إلى مفهوم جديد لتجاوز مفاهيمه التقليدية فحسب، وإنما مفهوم يجيب عن التحديات السياسية والاجتماعية والاقتصادية التي تواجهها المدرسة المغربية.

وإذا طُلب مني رأي في المدرسة الرائدة بوصفي فاعلا تربويا، فإني أؤكد أولا، أنها آلية تنسجم والأهداف المتوخاة من خارطة الطريق. ثانيا، يمكن اعتبارها آلية مبتكرة لربط الإصلاح مباشرة بالتعلّمات. ثالثا، ينبغي مواكبتها بالدراسة والبحث والتقويم؛ إذ لا يوجد منظور تطبيقي أحسن من نظرية جيّدة.رابعا، يتعيّن الحرص على ألا تتحوّل إلى مفهوم يحتاجه الحقل التربوي لتجاوز مفاهيمه التقليدية فحسب، وإنما مفهوم يجيب عن التحديات السياسية والاجتماعية والاقتصادية التي تواجهها المدرسة المغربية.خامسا، اعتبر أن المدرسة الرائدة يمكن أن تجيب عن أهم الإشكالات المطروحة أمام المدرسة المغربية، والمتمثلة أساسا في “الاستقلالية” بوصفها مدخلا لمقاربة العديد من الإشكالات التربوية والبيداغوجية والمالية والتدبيرية.

(س). تم تصنيف المغرب في اختبارات تيمس لسنة 2023 في ذيل الدول المشاركة، فما هي أهم أسباب هذه الإخفاقات رغم كثرة المشاريع الإصلاحية؟

 (ج). بالعودة إلى تصنيف المغرب في اختبارات (Timss) لسنة 2023الذي تصدره الجمعية الدولية لتقييم التحصيل التربوي (IEA)، والخاصة بتقييم متعلّمي (ات) المستويين الرابع ابتدائي والثانية أعدادي في الرياضيات والعلوم، يبدو أن إشكال التصنيف يعود أساسا إلى المناهج والطرائق المعتمدة في تدريس العلوم بالمدرسة المغربية؛ إذ مازالت هذه الأخيرة تعتمد طرائق تقليدية في تعليم المواد العلمية والرياضيات قائمة أساسا على الحفظ والتطبيق، كما يمكن ردّه إلى اللغة المعتمدة في التدريس؛ إذ يُرجّح أن الدول المشاركة في اختبارات (Timss) المصنّفة في ذيل الترتيب تعتمد لغة تدريس العلوم والرياضيات غير اللغة الأم. وينضاف إلى هذا أن اختبارات (Timss) لسنة 2023، قد أعقبت جائحة كورونا التي أثرت بشكل كبير في تحصيل المتعلمين والمتعلّمات بصفة عامة، وفي تحصيل الرياضيات والعلوم بصفة خاصة.

إن مشاركة المغرب في مثل هذه الاختبارات الدولية ينبغي أن تسهم في مراجعة مناهج تدريس العلوم والرياضيات.

وقد يرجع السبب إلى كون المناهج المعتمدة في تدريس الرياضيات والعلوم في المغرب لم تراع المبادئ الموجّهة لمعايير ومؤشرات الاختبارات الدولية. ومهما يكن، فإن مشاركة المغرب في مثل هذه الاختبارات الدولية ينبغي أن تسهم في مراجعة مناهج تدريس العلوم والرياضيات، من حيث الأهداف وطرائق تدريسها، والوسائل المعتمدة في ذلك، وفي الغلاف الزمني المخصص لها،وفي تكوين المدرسين والمدرسات، وفي لغة التدريس، وغيرها من المتغيّرات.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى