تحليلات استراتيجية

الحرب الهادئة.. مخطط هارفرد للتحكم في العالم و ضبط المجتمعات

لوسات أنفو: حسن أوزيادي

 السياق التاريخي

مباشرة بعد نهاية الحرب العالمية الثانية، ما كادت أصوات المدافع تخفت، حتى انطلقت إحدى قوى دول المحور، بريطانيا، في التخطيط لحرب عالمية ثالثة سميت بالحرب الهادئة.شكلت جامعة هارفرد المنبت و المختبر للتجريب الحقيقي لهندستها ومأسستها. فتحملت مؤسسة روكفلر أعباء تمويل، بمنحة مدتها أربع سنوات ،مشروع للبحوث الاقتصادية لدراسة بنية الاقتصاد الأمريكي. وبعد عام، أي في سنة 1949 التحقت القوات الأمريكية بهذا المشروع.في عام 1956 انتهت مدة المنحة، وعُقد اجتماع للجنة على مستوى عالٍ سنة 1954 لتحديد المرحلة اللاحقة في بحث العمليات الاجتماعية.

كل العلوم هي وسائل للوصول إلى النهاية. والوسيلة هي المعرفة والنهاية هي التحكم…. فمن المستفيد؟

اقترحت اللجنة، من خلال خلاصات بحثها، إمكانية تطبيق ما يسمى”هندسة الاقتصاد الاجتماعي”. وهو رؤية ومنهجية للتحليل الدقيق لمجتمع ما بهدف التحكم والضبط، أي التمكن من ضبط مسارات التحول والنمو والتنبؤ بالمتغيرات سواء السلبية منها أو الإيجابية والتقويم والإصلاح ورسم المسارات المحددة سلفا والمتماهية مع استراتيجيات التحكم للأقطاب المالية، عبر توفير كميات هائلة من المعلومات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية المتغيرة باستمرار.

تحقيق هذه الاستراتيجية يفترض بالضرورة نظاما مُحوسبا لمعالجة المعلومات بسرعة فائقة للتنبؤِ بموعد انهيار واستسلام أي مجتمع.

العدة التكنولوجية والعلمية لاستراتييجية التحكم

كل العلوم هي وسائل للوصول إلى النهاية. والوسيلة هي المعرفة والنهاية هي التحكم…. فمن المستفيد؟

لتطبيق وتنزيل الهندسة الاقتصادية للمجتمعات يُستلزم تحقيق اختراقات علمية أساسية لإطلاق هذه الاستراتيجية، وذلك عبر توفير الآليات والعدة التكنولوجية والعلمية اللازمة لمسلسل الإنجاز.فاختراع الحاسوب الإلكتروني سنة 1946 بواسطة ج.برسبر اكرت وأكمله جون موتشلي، و تطوير الطريقة البسيطة للبرمجة الخطية سنة 1947 عن طريق الرياضي جورج ب دانزنج وأخيرا اختراع الترانزيستور سنة 1948 ،بهذه الطفرات العلمية تيقن أصحاب القوة أن بإمكانهم التحكم بالعالم كاملا بضغطة زر. ولن يكتمل بنيان الاستراتيجية إلا بعملية تنقيح دقيقة مزجت بين التكنولوجيا والعلوم الطاقية الأخرى. فإذا كانت العلوم الطبيعية هي دراسة مصادر الطاقة الطبيعية، فإن العلوم الاجتماعية هي دراسة مصادر الطاقة الاجتماعية أما علم الرياضيات فهو العلم الأساسي للطاقة.

ولكن السؤال الذي يطرح نفسه. ما علاقة العلوم الطاقية  )الفيزياء والرياضيات والعلوم الطبيعية وعلم الكهرباء والميكانيك ) باستراتيجية هندسة الاقتصاد الاجتماعي؟

إخضاع المستهلك من الطبقات الدنيا والمتوسطة في المجتمع عبر آلية استهلاك المعروض من الخدمات للإطباق على المقدرات المالية والطاقية للأفراد والجماعات وجعلها نحت السيطرة الكاملة.

إن كل مجتمع هو خزان لطاقة هائلة أو بالتدقيق يمكن تسميته بالطاقة الاجتماعية المتغيرة باستمرار، عبر هزات وصدمات وارتدادات اجتماعية يكون سببها غياب العدالة  الاقتصادية والاجتماعية ، قد يمكنها التأثير بشكل جدري في مسارات الاقتصاد والتاريخ. لذا وجب تحليل وتفكيك مكونات وبنيات هده الطاقة  الاجتماعية المتحركة للتمكن من ضبط هزاتها وارتداداتها بشكل يضمن للأقطاب المالية العالمية استقرار صيرورة الثراء و الربح والتحكم.

من هنا أصبحت الضرورة الاقتصادية تبيح التوفر على سلاح فتاك، ناعم وهادئ قادر على إنجاز استراتيجية هندسة الاقتصاد الاجتماعي.

سلاح الحرب الهادئة

نشأت الأسلحة الهادئة في معهد بحوث للعمليات في إنجلترا وهو ما سمي بالمنهج الاستراتيجي والتكتيكي الذي طورته الإدارة العسكرية البريطانية خلال الحرب العالمية الثانية. اختص هذا المنهح  في دراسة المشكلات الاستراتيجية والتكتيكية في بقاع العالم. فكان الاهتمام بهندسة الاقتصاد الاجتماعي كمنهج تحليلي لضبط مجتمع ما، أي ضبط كميات كبيرة من المعلومات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية المتغيرة باستمرار. فاستُثمر النظام المُحَوسب لمعالجة المعلومات بسرعة فائقة للتنبؤِ وتوجيه مسارات الأفراد والدول بالسرعة المطلوبة. كان الهدف هو دراسة المشكلات الاستراتيجية والتكتيكية لبقاع الأرض بحيث يستطيع هذا النظام أن يتنبأ بموعدٍ لاستسلام أو انهياره. هي مقدمات للحرب البيولوجية الذاتية التي تقاتل باستخدام أسلحة هادئة، كالحاسوب المتميز بإطلاق المواقف ومعالجة المعلومات بدلا من البندقية التي تطلق الرصاص وتقوم بمعالجة الحدث كيميائيا، فبدل الجندي الذي يتلقى الأوامر العسكرية يحضر المُبرمج بأوامر من أقطاب المال.

” عندما تظهر للناس بمبدأ القوة فسرعان ما يمنحونك إياها”

 هندسة الاقتصاد الاجتماعي هي حرب تغيرت فيها طبيعة الآليات والوظائف لتصير حربا هادئة لا يحس بها لا الفرد ولا المجتمع. تخلق ضغطا نفسيا رهيبا ناتجٌ عن ضغط اقتصادي مُرهق، يؤدي حتما إلى انهيار الفرد والمجتمع معا. حرب بيولوجية هادئة وناعمة تستهدف حيوية الإنسان وخياراته وقدراته ومداركه لتُطفئ فيه كل مصادر الطاقة وتدمر جسده وعقله وعاطفته.

هندسة الاقتصاد الاجتماعي هي في نهاية التحليل، مجموعة من القيود تفرضها الأقطاب المالية ذات الرأسمال ومتحكمة في صناعة السلع والخدمات تروم بها إخضاع المستهلك من الطبقات الدنيا والمتوسطة في المجتمع عبر آلية استهلاك المعروض من الخدمات للإطباق على المقدرات المالية والطاقية للأفراد والجماعات وجعلها نحت السيطرة الكاملة. آلية كهذه ضرورية لممارسة للضبط الاجتماعي اللازم  من أجل الحفاظ على التوازن والسلم الاجتماعي وبالتالي إبقاء الثروة و القيادة بيد الرأسمال.

“أعطيني السيطرة على عملة أية أمة …وأنا لن أكترث من سيضع القوانين” ماير أمشل روتشيلد.

إن أحد ركائز الأسلحة الهادئة هو مفهوم الحث الاقتصادي الذي اكتشفه روتشيلد. حيث ربط المبادئ العامة للطاقة بالاقتصاد. كل النظريات الرياضية التي طورت أنظمه الطاقة مثل الميكانيك والإلكترونيات يمكن أن تطبق على أي نظام طاقة آخر كالاقتصاد والمجتمع.

 فإذا كانت السعة الاقتصادية مُشكلة من رأسمال يشمل المال و الاستثمار، و التوصيل الاقتصادي هو مجموع البضائع و المعاملات وتدفق الإنتاج، فإن الحث الاقتصادي هو مجموع الخدمات التي تستهدف التأثير على الطاقة الاجتماعية.

فبهكذا منهج اقتصادي تُرهن الدول بطبقاتها الدنيا والمتوسطة ويُسيطر عليها  ويُتحكم فيها  و تُروض وتُطوع

هي مفاهيم علمية بحثة ارتبطت بمجال علم الفيزياء الإلكتروني) المواسع أو السعة – الحث – التوصيل) وهو الاكتشاف الذي جعل السيد روتشيلد يضع المبدأ الأساس للقوة والتأثير والتحكم بالناس والمجتمعات.

” عندما تظهر للناس بمبدأ القوة فسرعان ما يمنحونك إياها”

إن نتيجة البحوث الاقتصادية التي مولها أقطاب المصاريف والمال وصناعة السلع والخدمات العالمية، قد خلقت اقتصادا بإمكانه التنبؤ بالصدمات والارتدادات وبالتالي يمكن علاجه وإصلاحه من أجل تطويعه.

اكتشف روتشيلد أن العملة والودائع هي المظهر المطلوب والمصدر للقوة القادرة على حث الناس لتسليم ثرواتهم للتداول مقابل وعود بثروات أكبر ، بدل من تعويض حقيقي للمال. السيد روتشيلد يُقرض كمبيالاته للأفراد والحكومات وبذلك ينقل السيولة المالية ويُحكم سيطرته على النظام، ويحصل على الضمانات اللازمة من خلال الإلتزام بالاتفاقيات. هده الضغوطات يمكنها أن تُشعل حربا فيعمل على التحكم بمدى وفرة العملة ليحدد من الذي سيربح الحرب والحكومة التي تقبل على سيطرته على نظامها الاقتصادي هي من ستكسب دعمه. هذا الربح المشتق من هذا النهج الاقتصادي جعل السيد روتشيلد يتوسع بثروته، وإن طَمَعَ الشعب سيجعل الحكومة تطبع أوراقا نقدية أكثر من حدود توفر المعدن الثمين أو إنتاجية السلع والخدمات مما يؤدي إلى التضخم.

عندما يصبح المواطنون غير قادرين على ضبط شؤنهم المالية والأسرية فإنهم يصبحون مُستعبدين، أي مصدرا للعمالة الرخيصة وليست السلع هي المصدر الوحيد لاختبار الصدمة الأسرية والمجتمعية، بل كذلك العمالة.

فبهكذا منهج اقتصادي تُرهن الدول بطبقاتها الدنيا والمتوسطة ويُسيطر عليها  ويُتحكم فيها  و تُروض وتُطوع، عبر تفكيك الأسر بجعل الآباء أكثر انشغالا عن أسرهم، و إنشاء مراكز حكومية لرعاية الأطفال، وتعليم ذو جودة رديئة وبالتالي خلق إلهاء من خلال هذا الضغط الاجتماعي الرهيب. أما الدول فتصبح تحت رحمة المديونية وبذلك تُقبر استقلالية القرار السياسي والاقتصادي.

إن مشروع هارفرد للبحوث الاقتصادية  كان هدفه اكتشاف علم التجكم بالاقتصاد العالمي. واكتشاف بنية الاقتصاد والقوى التي  تهدد وتؤثر على تغيير هذه البنية. أي ضبط والتحكم في العلاقة المتبادلة بين الاستثمار والإنتاج والتوزيع والاستهلاك.

عندما يصبح المواطنون غير قادرين على ضبط شؤنهم المالية والأسرية فإنهم يصبحون مُستعبدين، أي مصدرا للعمالة الرخيصة وليست السلع هي المصدر الوحيد لاختبار الصدمة الأسرية والمجتمعية، بل كذلك العمالة. هذا النوع من الإلهاء ضروري للضبط الاجتماعي والحفاظ على التوازن و وبالتالي ديمومة هيمنة الرأسمال وأقطاب المال واستنزاف الثروة والطاقة.

 

 

 

 

 

 

 

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى