الرأي

التنوير المزعوم والصهيونية

البعض الآخر من زمرة التنوير المزيف يتلبسه حقد عنصري ضد كل ما هو عربي وبالتالي ضد كل ما هو فلسطيني

عبد الإله إصباح

كشفت عملية طوفان الأقصى التي نفذتها المقاومة الفلسطينية ضد الكيان الصهيوني عن حقيقة الكثير ممن يدعون إلى التنوير ويدعونه، إذ بادر بعضهم إلى إدانة العملية بدعوى أنها استهدفت المدنيين مكرسا بذلك تغليطا مقصودا لأن من احتجزتهم حماس هم جنود ومستوطنون مسلحون استولوا على أرض ليست ارضهم بل اغتصبوها بقوة السلاح والنار، أرض أقرت القرارات الأممية أنها محتلة، فهم لذلك أسرى لعملية مقاومة مشروعة.

غير ان دعاة التنوير المزعوم يتجاهلون هذه الحقيقة لشيطنة المقاومة وجعلها معزولة في مواجهة الاحتلال الصهيوني ومسؤولة عن مجازره في حق الشعب الفلسطيني، لأنها تجرأت على التصدي له ولمشاريعه التوسعية والاستطانية دون مراعاة لردود افعاله المحتملة ولا لميزان القوى الإقليمي والدولي الذي ليس في صالح المقاومة. غير أن الدافع الحقيقي الذي يفسر مواقف هؤلاء التنويريين المزيفين هو اصطفافهم مع الأنظمة العربية الرجعية في إدانة المقاومة أو على الأقل المساواة بينها وبين الاحتلال عندما تدين المس بالمدنيين من كلا الطرفين أو دعوتهما إلى ضبط النفس و إنهاء العنف. فالمعروف أن البعض من هؤلاء التنويريين هو من أشد المدافعين عن نظام الاستبداد ببلده، بل هو أحد وجوه هذا الاستبداد، فلم يسبق له أن دافع عن الديمقراطية الحقيقية أو عن حرية الصحافة او رافع من أجل إطلاق سراح المعتقلين السياسيين والصحافييين والمدونين، وكيف له أن يقوم بذلك وهو الذي أصبح بوقا من ابواق السلطة، يبرر سياستها و يدافع عن استبدادها، كما أن البعض الأخر من زمرة التنوير المزيف يتلبسه حقد عنصري ضد كل ما هو عربي وبالتالي ضد كل ما هو فلسطيني، فيروج خطابا يدعو إلى الابتعاد عن صراعات المشرق ،لأن المغاربة ليسوا عربا والأولى لهم أن يلتفتوا إلى مشاكلهم بدل الانشغال بمشاكل الغير، وكأن المغرب في منأى عن المطامع الاستعمارية  ومعضلة التبعية بما هي معضلة تعوق نموه وتقدمه وأنه بمجرد الانكفاء على ذاته سيحقق التنمية والإقلاع الاقتصادي المأمول، بل اكثر من ذلك يدافع هذا البعض عن التطبيع بدعوى أن المغرب سيستفيد من نفوذ الكيان الصهيوني ومن جاليته المزعومة سواء في المجال الاقتصادي أو المجال السياسي المرتبط بكسب رهان وحدته الترابية.

هذه إذن تبريرات دعاة التنوير المزيف الذين ما أن قامت المقاومة الفلسطينية بعمليتها البطولية في السابع من أكتوبر حتى تتداعوا منددين بالعملية ومتباكين عن الشعب الفلسطيني، لآن حماس حسب زعمهم، جرته إلى معركة غير مؤهل لها وأنها انفردت باتخاذ هذا القرار الخطير والمصيري، مع العلم أن كل الفصائل الفلسطينية ساندت العملية وانضمت إليها وخاصة الجبهتين الشعبية والديمقراطية، وهو ما يجعل العملية بالفعل عملية للمقاومة الفلسطينية بكل فصائلها بغض النظر عمن بادر أولا، لأن الأهم في هذه اللحظة أن العملية جاءت في الوقت المناسب لتفشل مخطط  التصفية النهائية للقضية الفلسطينية، وتعيد إدراجها ضمن القضايا التي تستأثر باهتمام الرأي العام العالمي باعتبارها قضية شعب محتل يناضل من اجل حريته  واستقلاله.

لاشك ان دعاة التنوير المزيف في اسوأ حال بسبب الحقد المرضي لدوافع إديولوجية أو عرقية تتماهى مع نزوع فاشستي  وشعور بالكراهية مماثل لشعور أي صهيوني متطرف اتجاه كل ما هو فلسطيني وعربي. إنهم في الحقيقة الطابور الخامس للصهيونية في بلدانهم، والكثير منهم لا تخفى روابطه بالدوائر الصهيونية سواءعبر شراكات مشبوهة في المجال الجمعوي، أو عبر زيارات مرتب لها للكيان الصهيوني بإشراف أجهزة الاستخبارات. وهناك منهم من أصبح وجها مألوفا في القناة الفضائية الأمريكية ” الحرة” تبين أن برنامجه التنويري ليس إلا واجهة للدعاية الأمريكية، وهو ما تبين في موقف الإدانة الشديد  الذي اتخذه اتجاه المقاومة بعد عملية طوفان الأقصى.

والحقيقة أن كل تنوير لا يكون مناهضا بوضوح للصهيونية هو تنوير مزيف ومفترى عليه، تنوير يخدم أجندة الأنظمة السلطوية وأجندة الدوائر الصهيونية والإمبريالية. إن التنويريين الحقيقيين كانوا و لا زالوا  مناضلين ضد الاستبداد وضد الصهيونية أمثال نصر أبو زيد وصادق جلال العظم وغيرهما. كان تنويرهما تنويرا في خدمة قضايا الشعوب والقضاء على التبيعة والاستعمار ومناهضة الاستبداد في جميع أشكاله وتجلياته.

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى