مذكرات

أجساد بلا قدر(5) ..

أعرف لغة الجسد، إنه جسد ينطلق نحوي

نعيمة أدرع/كاتبة مغربية

لا تنسوا أنني تربيت في بيت يحترم التقاليد، والتقليد يفترض ألا أكسف فتاة نسيت يدها ممدودة لتستقبل خاتما ـ أظنها ـ تكرهه، وقد هربت منها روحها حتما. كيف لا، وهي لم ترني إلا ذلك اليوم وفي تلك الساعة ؟!لم أمتز عنها بشيء أصدقائي، لأني أنا بدوري لم أرها قبلا. ما زلت أذكر حينما انفتح الباب الخشبي العملاق على الخادم وهو ينادي: «سيدي»، ويشير إلي بالدخول دون كلمة. دخلت لأرى خمسة رجال يتوسطهم رجل يكتب. ولما لم أكن مولعا بحفلات الزفاف وأعراف الزيجات، لم أدر أنه من “العدول”. سألني الرجل ـ وهو لم يرفع رأسه (خشية أن يقل أدبه) مع سيده ابن سيده، سألني: «هل توافق سيدي؟» عرفت أنني المقصود، فأنا أعرف لغة الجسد، إنه جسد ينطلق نحوي كلية. أدرت عيونا ليلية – استنكارا- لكن أبي قطع حيرتي بإيماءة لم يلحظها غيري، أظنكم نسيتم أن الكل كان ساجدا أمام سيده (خشية أن يقل أدبه) ولما لم أفهم ما يجري، ولا كنت مهتما أساسا بما يجري، فقد هززت رأسي قائلا: «نعم».
كتب الكاتب وعاد ليناولني القلم، وهو يشير بيدين مرتبكتين: «هنا سيدي»! عدت من جديد لحيرتي، التي قطعها والدي من جديد قائلا: «وقع يا ولدي». ومرة أخرى ولكي أتخلص من موقف لا يهمني، حملت القلم ووقعت حيث أشارت أصابع الرجل. ابتدرني والدي بعناق لم أحس حراته ـ كالعادة ـ وربت على كتفي «مبارك عليك يا ولدي» ثم استطرد مضيفا: «مبارك علينا كلنا». مبارك علي ماذا؟! مبارك علينا ماذا؟! ثم – جملة غريبة اخترقت مجال سمعي -: «بالرفاء والبنين» قالها الكاتب، وأمن عليها الباقون. وما إن أفلتني حضن والدي، الذي لم يكن دافئا ـ كالعادة ـ حتى تلقف أحد الأربعة يدي، وشرع يقبلها، بعد أن انتهى من كف والدي وهو يقول: «مبارك علينا يا سيدي». لم أستسغ بعد عبارة مرت دون أن أفهم مغزاها، حتى انضافت إلى سجل الانتظار كلمة أخرى. ما معنى الرفاء والبنين التي أمن عليها الجميع ـ عداي طبعا ـ؟! ما معنى مبارك علينا يا سيدي؟!ماذا سيبارك الله لنا؟! من هو هذا الذي أشرك نفسه معي، بالأحرى معي أنا وأبي وبارك لنفسه أيضا؟!أسئلة وأخرى عصفت بذهني، الذي لم يكن يفهم غير لغة الكيمياء وشيفراتها. مرت أيام أمام بصري، تحت سمعي، فوق إدراكي ووراء ظهري.

يتبع

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى