مذكرات

أجساد بلا قدر (3) ..نص متسلسل للكاتبة نعيمة أدرع

والدي العزيزين، لقد حصلت على ما أشاء تاركا لكما ما تشاءان

نعيمة أدرع/ كاتبة مغربية

والدي العزيزين، تسلما الشهادة عني، ولا داعي أن تشتريا هدايا، فأنا مدعو لحفلة تتويج لستما مدعوين إليها، لم أدعكما لأنني أعرف مسبقا أنكما لن تكسرا كلام جدكما الأكبر. ولكن لا ضرر في إخباركما أن غدا تتويجي بالمرتبة الأولى كأفضل طالب في الكيمياء.
والدي العزيزين، لقد أمضيت سنين أحاول إيجاد حل لتلك المعادلة المستعصية وأنا أفتش فيHb²(الهيموغلوبين) خاصتي وخاصتكما عن تسوية عادلة، ولكن أعترف أنني فشلت بينما نجحت أنثى. لم أجد حلا لمعادلة الحب. أهوH2O (الماء) ما كان يعوض لديكما Hb²؟!
لقد حيرني ذلك(الحب) الذي يجعل أبوين يزجان بوحيدهما في الجحيم إرضاء لشجرة عائلة عريقة وعتيقة.
فشلت في معركتي العظيمة. فأنا لم أتعود أن أحصل على الأشياء الصعبة إلا بسهولة. وفي كل الأحوال لقد حققت أمنية مهمة، بل أهم أمنياتي، لقد تزوجتها بجهدي ـ وأشهدكما الله أني لم أغش كما علمتماني أن أفعل. كيف أغش وأنا أصلي صلاتي المقدسة الوحيدة التي أعرفها؟! كيف أغش وأنا أقف ناسكا في المحراب المقدس الوحيد الذي أحترمه وأهيم به عشقا؟!
كيف أغش وأنا في محراب هو مفتاح الحياة ومنتهاها، أصلي بخشوع صلاة جميع الأنبياء؟! عشقت الكيمياء و ـ كما كنا نكتب في دفاتر ذكرياتنا ـ الحب غرام وليس حراما –
أعلم أن الخطاب طويل وممل، لكن استحملا المكتوب الأول والأخير إليكما «والدي العزيزين». رمق رضى الساعة التي كانت على الجدار فوق المرآة التي كان يجالسها ولا ينظر إليها، بل ينظر إلى ذكريات لم تكن كالذكريات بالمعنى التقليدي للذكريات والمغزى المعلوم للذكريات. وسرح قليلا وعاد ليكمل:
«والدي العزيزين، لقد حصلت على ما أشاء تاركا لكما ما تشاءان، علقا شهادتكما باسمي حيث شاءت أهواؤكما، فأنا أعلق بخيط الفخر شهادتي، و …». وسكت الضمير المعذب عن البوح.
لطالما عشق رضى الكيمياء وسهر الليالي واعتكف لأيام على مجلدات يطالعها، أو قصاصات يعلقها، أو أنابيب يملأها ويفرغها، وهو يندهش في كل مرة من نتيجة عجيبة لشيئين أو أكثر يمزجهما بمقدار يسجله بحرص على دفتر طالما شرب H2O المشبع ب Na (الصوديوم) – أقصد الدموع – وهو يتذكر عدم رضى والديه.
لطالما شبه الكيمياء بامرأة نزقة تغوي الرجال وتقض مضاجعهم دون أن ترضي غرورهم وتفك أزرار قميصها الشفاف للمسات أيديهم المتعطشة للجنس الرخيص.
لطالما لعن رضى الكيمياء كما تلعن العاهرات حينما تشرق الشمس ويتعطر (الشرفاء)، الذين استباحوا أجسادهن ليلا، ليتبعوا طريق النبل حتى ليلة أخرى، مع عاهرة أخرى، متنكرين لحيوانات جامحة غادرت أجسادهم تبحث عن بيض تتخذه مستعمرة.
لطالما عشق رضى الكيمياء كما تعشق الفتيات القطارات المدوية العائدة بجنود نجوا من الحرب.
لطالما وقف رضى حائرا من هذا العشق غير الطاهر للكيمياء، فهو يضاجعها مومسا ويعانقها حبيبة. هو يمقتها ناشزا ويعشقها أنثى.

يتبع

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى