بورتريه

أبو القنبلة الذرية أوبنهايمر: العبقري والأحمق الباكي

لوسات أنفو: عادل أيت واعزيز

“عَالِمٌ بَاكٍ”، هكذا يصف الرئيس الأمريكي هاري ترومان، العالم الفيزيائي، روبرت أوبنهايمر الغريب الأطوار، والذي بصم عالم الذرة بإنجازات حافلة.

تختلف صورة أوبنهايمر، الذي قاد المشروع الأمريكي “مانهاتن” لصنع الأسلحة النووية، عن صورته في الحياة العادية، وكأنه ليس العالم الفيزيائي أوبنهايمر!

في عام 1904، بين كنف أسرة ثرية مستوردة للأقمشة في نيويورك، يرى الصغير روبرت أوبنهايمر نوره الأول، محاطا بلوحات بابلو بيكاسو وفينسنت فان كوخ.

ولأنه في سن مبكرة تعلم اللغة الفرنسية والألمانية واليونانية القديمة واللاتينية، فإن رغباته كان تلبى دون مقاومة. وإلى جانب هذه اللغات، فإنه أضاف فيما بعد اللغتين السنسكريتية والهولندية. عاش طفلا مدللا، شديد البكاء.

كل هذه التنقلات بين لغات مختلفة، أفقده إنتاج لغة مشتركة بينه وبين أصحابه من نفس عمره، حيث كان هدفا سهلا لسهام السخرية والإساءة من طرفهم، فقد أجبر الصبي روبرت ذات ليلة تخيمية، في قضائها تحت سقف غرفة باردة، بعد أن أخفوا ملابسه وقاموا بصباغة أنحاء جسمة.

مع مرور الوقت، دفعه الأمر للتوقف عن إقامة علاقات مع أقرانه والشروع في إقامتها مع العلوم الطبيعية والأدب، وقال؛«أحتاج إلى الفيزياء أكثر من الأصدقاء».

في أحد الحوادث اللافتة لروبرت، حين كان طالبا في جامعة كامبريدج سنة 1926، يقضي إجازته في كورسيكا مع أصدقائه، أثير نقاش أدبي بينهم أعلن فيه أوبنهايمر عن مدى ذكاء الروائي الروسي العالمي فيودور دوستويفسكي، حيث من الصعب أن يجابهه الروائي ليو توليستوي، لأن دوستويفسكي يقول؛ “يخترق الروح ويعي المعاناة الإنسانية”.

وفي موقف مشابه، لهذه المعاناة الإنسانية، تفاجأ أصدقاء روبرت، الذي ألمح، حينما اتكأ على شرب الكثير من النبيذ باحتفاظه بسر ما! اعتقد الحاضرون في حماس، أنه على وشك الإفشاء عن علاقة غرامية تخصه، لكنه اعترف أنه كاد أن ينهي حياة معلمه باتريك بلاكيت، الذي نصحه بالاعتكاف على الفيزياء التجريبية بدل النظرية، وقبل أن يخرج أوبنهايمر لإجازته وضع تفاحة مسمومة وتركها على مكتب المعلم، ولحس حظ بلاكيت فإنه لم يتناول التفاحة، ولسوئه عند أوبنهايمر فقد أرسلته إدارة الكلية لتلقي العلاج النفسي في لندن، بعد أن تم التكتم على القضية بفضل اتصالاته والده.

كان الشاب العبقري روبرت أوبنهايمر يتمتع بقدرة كبيرة على الاستيعاب والفهم، وكانت الدراسة بالنسبة إليه سهلة كشربة ماء، لكنه على غرار الأمر سرعان ما يتملكه الملل و يبدأ في فقدان اهتمامه.

وفي حادثة طريفة، غار الطالب أوبنهايمر من أحد زملائه المتواضعين فرانسيس فيرجسون الاكثر اجتهادا، وقام بخنقه لأنه أعلن خطوبته!

لم يبق الوضع كما كان عليه لمَّا أصبح روبرت أستاذا في جامعة كاليفورنيا ومعهد كاليفورنيا للتكنولوجيا، ويقال أن شغف الطلاب بمحاضراته جعلهم لا يُفَوِتونها، وكان بعضهم يقلده في أسلوبه وملابسه.

 في عام 1939، توصل أوبنهايمر باكتشاف مثير جديد، في جامعة كاليفورنيا بقي مطموسا لعقود طويلة، مفاده أن موت أحد النجوم يمكن أن يخلق ثقبا أسودا. وفي مقال بعنوان “حول ضغط الجاذبية اللامحدود”، نشرت فيه نتائج الدراسة. وبسبب تزامن الحرب العالمية الثانية، لم تنل ما تستحقه من الاهتمام، بل اعتبر أحد زملائه أن هذه العملية مستحيلة.

في مطلع الستينيات، عاد الفيزيائي جون ويلر لأوراق الدراسة، وحصل على أول دليل تجريبي على وجود الثقوب السوداء، هذا كله في التسعينيات، ليكون روبرت أوبنهايمر سابقا لزمانه.

كان حلم أوبنهايمر، اختراع سلاح فتاك، تكون عواقب استعماله وخيمة ومخيفة للبشرية، تجعل إمكانية اندلاع الحرب مستحيلة، لهذا شارك العالِم في مشروع “مانهاتن” لصنع الأسلحة النووية.

قد تكون تقديرات روبرت أوبنهايمر خاطئة، إلا أنه بعد شهرين من قصف هيروشيما و ناكازاكي، أكد للرئيس الامريكي هاري ترومان في اجتماع خاص، إمكانية تطوير أسلحة نووية من قبل الاتحاد السوفيتي.

اشتد الارتعاب على “أبو القنبلة النووية الأمريكية”، وقال أن يديه ملطخة بدماء الأبرياء، لكن الرئيس ترومان حرص على أوبنهايمر أن السلطات هي من أسقطت القنبلتين، وسابقى هذه الدماء على السلطات، ولا شأن لأوبنهايمر في إسقاطهما، حينما بدأ وصف ترومان أوبنهايمر، بأنه “طفل باك”.

انخرط أوبنهايمر لاحقا في النشاط السياسي، وأسدى مجموعة نصائح للسلطات، وراسل وزير الحرب الأمريكي هنري ستيمسون، وكتب مقالات عن الرقابة الدولية على الطاقة الذرية، لكن المحافظين لفقوا له تهمة التعاطف مع الشيوعيين ووصفوه بأنه تهديد للأمن القومي.

حاول روبرت صرف الخطر عن نفسه، بالإدلاء بشهادات ضد العديد من أصدقائه وزملائه الجيدين في جامعة كاليفورنيا بمن فيهم؛ ديفيد بوم، وروس لومانيتز وبرنارد بيترز، حيث تم فصلهم جميعا إلى جانب شقيقه فرانك، الذي يعمل في جامعة مينيسوتا، كل هذا بسبب تمسكهم بالأفكار الشيوعية.

أثناء عمليات التحقيق، وبعد أن باث ما يعرف بـ”قضية أوبنهايمر” نصحه أينشتاين بعدم حضور جلسات الإستماع، لكنه رفض ذلك، وأراد الدفاع عن نفسه واستعادة مكانته بين أوساط السلطات.

وصف أينشتاين تعليقا على ردة فعله، وهو يتحدث باللغة اليديشية، لغة يهود أوروبا بأن أوبنهايمر أحمق.

وفي الفترة التي جعله سرطان الحنجرة طريح الفراش، تأسف أوبنهايمر لعدم إدارك كل إمكاناته، وطلبت زوجته كيتي، زميله السابق فريمان دايسون، مشاركة روبرت في العمل البحثي لفترة، لكنه أبى ذلك واصفا الأمر، بالمستحيل، حيث قال؛ “فات الأوان لعلاج عذابه بالمعادلات”. ولم يكن الوقت فعلا قد أسعف روبرت أوبنهايمر الذي رحل في 18 فبراير 1967.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى