آيت واعزيق بزاكورة : 17 كيلومتراً من المعاناة
17 كيلومترًا فقط تفصل آيت واعزيق عن العالم، لكنها تبدو وكأنها مسافة بين قرنين من الزمن

بقلم: زايد الخديم
في قلب الجنوب الشرقي للمغرب، وتحديدًا بجماعة تازارين إقليم زاكورة، يوجد دوار آيت واعزيق، منطقة ذات تاريخ ضارب في القدم، تحتضن إرثًا حضاريًا فريدًا من نوعه. هذه الأرض، التي تحمل على صخورها نقوشًا صخرية تعود إلى آلاف السنين، تمثل كنزًا أثريًا عالميًا يزوره الباحثون والسياح من مختلف بقاع العالم، لكنه في الوقت ذاته يعاني من تهميش غير مفهوم، يهدد سكانه بالعزلة ويجعلهم يكافحون يوميًا فقط من أجل الوصول إلى الطريق الوطنية الرابطة بين تازارين وزاكورة.
سبعة عشر كيلومترًا فقط تفصل آيت واعزيق عن العالم، لكنها تبدو وكأنها مسافة بين قرنين من الزمن؛ في وقت تتحرك فيه عجلة التنمية في أماكن أخرى، يظل هذا الدوار حبيس الإهمال وغياب العدالة المجالية. الطريق المؤدية إليه ليست سوى مسلك ترابي، كلما نزل المطر، تحولت إلى مستنقع يعزل السكان تمامًا عن المراكز الحيوية، فلا يمكن للمريض أن يصل إلى المستشفى، ولا للتلميذ أن يلتحق بمدرسته، ولا للتاجر أن يجلب بضاعته. وحتى في الأيام المشمسة، يتحول هذا الطريق إلى فخاخ من الغبار والحجارة تجعل التنقل عليه مغامرة خطرة.
الغريب في الأمر أن هذه المنطقة ليست مجرد دوار ناءٍ على هامش الجغرافيا، بل إنها تحتضن أحد أهم المواقع الأثرية في المغرب، حيث النقوش الصخرية التي تعود إلى عصور ما قبل التاريخ، والتي تجذب السياح والباحثين الأجانب. المفارقة الصادمة هي أن السياح يجدون طريقًا وعرة للوصول إلى هذا الموقع التاريخي، لكن السكان الذين يعيشون هنا منذ أجيال، لا يجدون طريقًا تليق بأبسط حقوقهم في العيش الكريم.
قبل جائحة كورونا، لم يصمت السكان أمام هذا الظلم. خرجت أصواتهم في احتجاجات واسعة، لم تقتصر على تازارين أو زاكورة، بل امتدت حتى وصلت إلى الرباط. تحركت السلطة آنذاك، ونزل عامل الإقليم إلى تازارين شخصيًا لطمأنة المحتجين بوعود قاطعة أن الطريق سترى النور قريبًا. لكن بعد سنوات، لم يتحقق شيء سوى التمييز بين الدواوير، حيث تم تعبيد بعض الطرق وإقصاء أخرى، وكأن الحقوق أصبحت توزع وفق المصالح وليس وفق الحاجة الملحة.
ما حدث ليس فقط تهميشًا، بل هو تمييز صارخ بين مناطق متساوية في المعاناة، لكنه تمييز يفتقر إلى أي منطق أو تفسير عادل. كيف يُبرر تعبيد طريق لبعض الدواوير وإقصاء أخرى رغم أنها جميعًا تعاني من نفس الظروف؟ بأي منطق تُحرم ساكنة آيت واعزيق من حقها في بنية تحتية أساسية، بينما تستمر الإدارات في الحديث عن العدالة المجالية والتنمية القروية؟ أليس هذا تناقضًا واضحًا مع الخطابات الرسمية التي تؤكد على ضرورة تقليص الفوارق بين المناطق؟
إذا كانت الدولة جادة في تنمية السياحة الثقافية والتاريخية، وإذا كانت الجهات الوصية تعي جيدًا قيمة هذا الموقع الأثري، فلماذا لم يتم التفكير في إنجاز طريق معبدة تسهل الوصول إليه؟ أليس هذا استثمارًا بسيطًا يمكن أن يحقق فوائد اقتصادية وسياحية للمنطقة بأكملها؟ أم أن الاعتبارات السياسية الضيقة والمصالح الفردية أصبحت هي المعيار الوحيد الذي يُحدد أين تُنجز المشاريع وأين يتم التلاعب بمصير المواطنين؟
إن ساكنة آيت واعزيق اليوم، وبعد سنوات من الصبر والانتظار، تطالب فقط بحقها المشروع في طريق معبدة لا تتجاوز 17 كيلومترًا، وهو مطلب لا يحتاج إلى لجان دراسات مطولة ولا إلى مبررات لتعطيله. هو مطلب بسيط، واضح، وضروري، تأخر كثيرًا عن موعده، وحان الوقت لإنجازه دون تأخير أو مماطلة أخرى.